وقل لهم لكني أشهد أنه كافر بالله تبارك وتعالى ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولا أقول إن كُفْرَه كُفْرَ شك فيما جاء به محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولكن أقول كفر بأمر اللّه تبارك وتعالى وأمر رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، ففسق عن أمر ربه، فكان كفره كفر إبليس حين أبى أن يسجد لآدم صلى اللّه عليه، وهو مُصَدِّقٌ بالله تبارك وتعالى يعلم أن اللّه تبارك وتعالى هو الواحد القهار، ويعلم حين قال: ?أَنَا خَيْرٌ مِنْهَ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِيْنٍ?[الأعراف: 12]، وقال: ?فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ?[ص: 82] وقال: ?أَرَءَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُريتَهُ إِلاَّ قَلِيْلاً?[الإسراء: 62] فَصَدَّق بأمر ربه تبارك وتعالى كله لم يجحد شيئاً منه، غير أنه عصى معصية لم يتب إلى اللّه تبارك وتعالى منها، فلعنه وغضب عليه وجعله من الكافرين بغير جحود بالله تبارك وتعالى.(1/56)
استحقاق المنافقين النار بغير الشرك
وسلهم عن المنافقين: ما يسمونهم، أكفار أم مشركون؟ فإنهم سيقول لك: مشركون. فتراهم قد جحدوا ما أنزل اللّه تبارك وتعالى وخالفوا قول اللّه عز وجل؟
قال اللّه تبارك وتعالى: ?وَيَحْلِفُوْنَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُوْنَ?[التوبة: 56] وقال اللّه تبارك وتعالى: ?إِنَّ الْمُنَافِقِيْنَ يُخَادِعُوْنَ اللّه وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوْا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوْا كُسَالَى يُرَاؤُوْنَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُوْنَ اللّه إِلاَّ قَلِيْلاً مُذَبْذَبِيْنَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هُؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيْلاً?[النساء: 142 - 143] فأبى اللّه تبارك وتعالى أن يجعلهم من المؤمنين، وأبى جل وعلا أن يجعلهم من المشركين، وأخبر أهل البدع والباطل فشهدوا أنهم مشركون، ليقيموا بذلك خصومهم، فلا أجد أحداً من أهل القبلة أشد مخالفة لكتاب اللّه تبارك وتعالى منهم.(1/57)
فإنهم سيقولون: فَلِمَ يرث بعضهم بعضاً؟ فقل: ذلك بأنها كانت تجري عليهم أحكام محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، وقد أعلم اللّه تبارك وتعالى محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم وعَرَّفَه طائفة من المنافقين وقال تبارك وتعالى: ?فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيْمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِيْ لَحْنِ الْقَوْلَ?[محمد: 30]، وكان المسلمون يأكلون ذبائح المنافقين، ويصلونهم ميراثهم، وتعتد نسائهم، ويرث أبناؤهم للذكر مثل حظ الانثيين.وقد أخبر اللّه تبارك وتعالى نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنهم كفار، وقال تبارك وتعالى: ?ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوْا ثُمَّ كَفَرُوْا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوْبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُوْنَ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُوْلُوْا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُوْنَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللّه أَنَّى يُؤْفَكُوْنَ وَإِذَا قِيْلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغِفَرْ لَكُمْ رَسُوْلُ اللّهِ لَوَّوْاْ رُؤُوْسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّوْنَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُوْنَ?[المنافقون: 3 - 5]، فقد عُرِفوا إذ دعاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ليستغفر لهم فأبوا، فلم يأمره اللّه تبارك وتعالى بقتالهم، ولم يقطع ميراثهم، ولم يحرم نكاحهم ولا ذبائحهم، من أجل أنهم من أهل الدعوة.
وقال اللّه تبارك وتعالى في سورة (الفتح): ?وَيُعَذِّبُ الْمَنَافِقِيْنَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِيْنَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّيْنَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيْراً?[الفتح: 6].(1/58)
وقال اللّه تعالى في سورة (الأحزاب): ?لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِيْنَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِيْنَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوْبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوْراً رَحِيْماً?[الأحزاب: 73]، ففصل اللّه اسم الشرك عن النفاق، واسم النفاق عن الشرك، وقضى على نفسه أنه يتوب على كل مؤمن ومؤمنة، فأنَّى تؤفك عقولهم عن قول اللّه تعالى.
وقال تعالى: ?إِنَّمَا الْمُشْرِكُوْنَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْربوْا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا?[التوبة: 28]، فقد حجوا مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وغزوا معه بعد ما نزلت هذه الآية، وكان نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أطوع خلق اللّه تبارك وتعالى لربه جل وعلا، فلو كانوا مشركين لم يعص اللّه تبارك وتعالى، فيدخلون معه المسجد الحرام، ولأنهم لم يسمهم اللّه عز وجل: مشركين، وجرت عليهم أحكام محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وقل لهم أتعلمون أن اللّه تبارك وتعالى أنزل على محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم: ?وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوْا بِاللَّهِ وَرَسُوْلِهِ وَمَاتُوْا وَهُمْ فَاسِقُوْنَ?[التوبة: 84]، فهذه الآية نزلت في (عبد الله بن أُبَي بن سلول) المنافق، وكان عبد الله رأس المنافقين، ليس يمتري فيه أحد ممن يقرأ القرآن ويتعلم العلم.
وسلهم هل ورثة ولده للذكر مثل حظ الأنثيين أم لا؟ وورثته امرأته الثمن، واعتدت منه أربعة أشهر وعشرا، فإنها لو كانت تحت أصحاب محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم لم تزد على هذا.
فسلهم عن رجلين أخوين لأب وأم كان لأحدهما ابن وكلاهما يدعيان الإسلام وكلاهما أخوان، فوثب الذي له ابن على الذي ليس له ابن فقتله وبقي الذي له ابن. فورث الابن عمه، ولم يرث الأخ أخاه فسلهم لم ورث ابن الأخ عمه؟(1/59)
فإن قالوا: لا ندري. فقل: لكني أدري لأن الأخ قتل أخاه، فانقطع الميراث الذي بينهما فلم يرث أخاه، فلو كانا مؤمنين كليهما القاتل والمقتول ورثه.
وسلهم عن الذين قالوا: ?مَا وْعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُوْلُهُ إِلاَّ غُرُوْراً?[الأحزاب: 12]، أمشركين كانوا؟ فإن هؤلاء قد أعلنوا قولهم، فلوا كانوا مشركين ضربت أعناقهم، وقد قال اللّه تبارك وتعالى: ?فَاقْتُلُوْا الْمُشْرِكِيْنَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوْهُمْ?[التوبة: 5]، فإن قالوا: نعم هم مشركون. فإنه حق على المسلمين أن يضربوا أعناقهم، ولكني أراهم قد عرفوا اللّه تبارك وتعالى وعرفوا رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم بالقول بألسنتهم، وجحدوا قول اللّه تبارك وتعالى، وما جاء به رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وسلهم عن الذين استأذنوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فقالوا: ?إِنَّ بُيُوْتَنَا عَوْرَةٌ?، قال اللّه تبارك وتعالى: ?وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُريدُوْنَ إِلاَّ فِرَاراً?[الأحزاب: 13]، فقل: هل عرفهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله سلم حين استأذنوه أم لا؟ فإنهم لا يستطيعون إلا أن يقولوا: لم يأمر بقتلهم ولا نفيهم.
وقال اللّه تبارك وتعالى: ?وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوْا الفِتْنَةَ لأَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوْا بِهَا إِلاَّ يَسِيْراً?[الأحزاب: 14]، والفتنة: أن يكفروا. وقال اللّه عز وجل: ?الْمُنَافِقُوْنَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمرُوْنَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوْفِ وَيَقْبِضُوْنَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوْا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِيْنَ هُمُ الفَاسِقُوْنَ?[التوبة: 67].(1/60)