الكتاب : مجموع رسائل الإمام زيد بن علي عليهم السلام المؤلف : الإمام زيد بن علي عليهم السلام |
مجموع رسائل الإمام زيد بن علي
عليهم السلام
من إصدارات
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
ص.ب. 1135، عمان 11821
المملكة الأردنية الهاشمية
www.izbacf.org(1/1)
كتاب الإيمان
سند الكتاب
قال الشيخ الفاضل أحمد بن الحسن الرصاص قدس اللّه روحه: روينا من طريق الفقيه العالم بهاء الدين علي بن أحمد بن الحسين المعروف بـ (الأكوع) رحمه اللّه تعالى، قال: أخبرنا السيد الشريف العالم علي بن مهذب العلوي، قال: أخبرنا الشيخ العالم أبو العباس أحمد بن يحيى بن نافة المقري، قال: أخبرنا محمد بن علي بن ميمون النَّرسيّ إجازة، أخبرنا الشريف أبو عبد اللّه محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي رضي اللّه تعالى عنه، قال: أخبرنا أبو عبد اللّه أحمد بن عبد اللّه بن أبي داره الضبي إجازة، وحدثني والدي عنه، قال: حدثنا أبو العباس إسحاق بن محمد بن مروان بن زياد الغزال، وحدثنا أبي محمد بن مروان، قال: حدثنا إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، عن الإمام أبي الحسين زيد بن علي بن الحسين هذه الرسالة التي رد بها على أهل الإرجاء والحشو.(1/2)
مقدمة في الدعوة إلى الاسترشاد بالقرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
من رجل من المسلمين، إلى من قرأ هذا الكتاب من المؤمنين المسلمين، سلام اللّه تعالى عليكم، فإني أحمد اللّه تعالى إليكم الذي لا إله إلاهو وإليه المصير.
وأوصيكم بتقوى اللّه تعالى وطاعته، فإن تقوى اللّه رأس كل حكمة وجماعه، فـ?اتَّقُوْا اللّه حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوْتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُوْنَ?[آل عمران: 102].
وأوصيكم أن تتخذوا كتاب اللّه قائداً وإماماً، وأن تكونوا له تبعاً فيما أحببتم وكرهتم، وأن تَتَّهِموا أنفسكم ورأيكم فيما لا يوافق القرآن، فإن القرآن شفاءٌ لمن استشفى به، ونورٌ لمن اهتدى به، ونجاة لمن تبعه، من عمل به رَشَدَ، ومن حكم به عدل، ومن خاصم به فَلَج، ومن خالفه كَفَر، فيه نبأُ مَنْ قبلكم، وخبرُ معادكم، وإليه منتهى أمركم، وإياكم ومشتبهات الأمور وبدعها، فإن كل بدعة ضلالة.
أما بعد..
فإن ناساً تكلموا في هذا القرآن بغير علم، وإن اللّه عز وجل قال في كتابه: ?هُوَ الَّذِيْ أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِيْنَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُوْنَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيْلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيْلَهُ إِلاَّ اللَّهَ وَالْراسِخُوْنَ فِيْ الْعِلْمِ يَقُوْلُوْنَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ ربِّنَا وَمَا يَذَّكَّر إِلاَّ أُوْلُوْا الأَلْبَابِ?[آل عمران: 7]، فالمتشابهات هُنَّ المنسوخات، والمحكمات هُنَّ الناسخات.(1/3)
استحقاق الإيمان بالخروج من الشرك وتصديق الأنبياء
وإن اللّه تبارك وتعالى بعث نوحاً إلى قومه ?أنِ اعْبُدُوْا اللَّهَ وَاتَّقُوْهُ وَأَطِيْعُوْنِ?[نوح: 3]، ودعاهم إلى اللّه وحده لا شريك له، ?وَإِبْراهِيْمَ وَمُوْسَى وَعِيْسَى أَنْ أَقِيْمُوْا الدِّيْنَ وَلاَ تَتَفَرقُوْا فِيْهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِيْنَ مَا تَدْعُوْهُمْ إِلَيْهِ اللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِيْ إِلَيْهِ مَنْ يُنِيْبُ?[الشورى: 13].
ثم بعث الأنبياء عليهم السلام، إلى قومهم على شهادة أن لا إله إلا اللّه، والإقرار بما جاء من عند اللّه؛ فمن كان منهم مخلصاً، ومات على ذلك أدخله اللّه الجَنَّة بذلك، وإن اللّه ليس بظلام للعبيد، ولم يكن اللّه تعالى ليعذب عبداً حتى يكتب عليه العمل، وينهاه عن المعاصي التي أوجب لمن عمل بها النار.
فلما استجاب لكلِّ نَبِيٍّ مَنِ استجاب له من قومه من المؤمنين، جعل لكل نبي شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً. والشِّرعة: السُنَّة. فقال تعالى لمحمد صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم: ?إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوْحٍ وَالْنَّبِيِّيْنَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْراهِيْمَ وَإِسْمَاعِيْلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوْبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيْسَى وَأَيُّوْبَ وَيُوْنُسَ وَهَارُوْنَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَوُادَ زَبُوْراً?[النساء: 163]، فأمر كل نبي أن يأخذ بالسُّنَّة والسبيل.
وكان من السُّنة والسبيل التي أمر اللّه سبحانه وتعالى بها قومَ موسى، أن جعل عليهم السَّبت، فكان مَنْ عَظَّم السبت ولم يستحله - يفعل ذلك من خشية اللّه - أدخله اللّه الجنة بذلك، ومن اسْتَخَفَّ بحقه، واسْتَحَلَّ فيه ما حَرَّم اللّه سبحانه وتعالى من العمل الذي نهاه عنه؛ أدخله اللّه النار، حتى ابتلاهم اللّه بالحيتان التي كانت تأتيهم يوم سبتهم شرعاً .(1/4)
فلما اصطادوا الحيتان يوم السبت واستحلوا أكلها غَضِبَ اللّه سبحانه عليهم بذلك، من غير أن يكونوا أشركوا بالرَّحمن، ولا شكوا في شيء مما أنْزَل على موسى صلى اللّه عليه وسلم، فقال اللّه تعالى: ?وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِيْنَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِيْ السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُوْنُوْا قِردَةً خَاسِئِيْنَ?[البقرة: 65].
وبعث اللّه سبحانه عيسى عليه السلام بشهادة أن لا إله إلا اللّه والإقرار بما جاء به من عند الله، وجعل له شِرْعَةً ومِنْهَاجاً، فَهُدِمَ السَّبتُ - الذي كان بنو إسرائيل يعظمونه قبل ذلك - وعامةُ ما كانوا عليه من السُّنة والسَّبِيل، وأُمِرُوا أن يتبعوا سُنَّة عيسى عليه السلام وسبيله، فمن اتَّبَع سُنَّة عيسى عليه السلام وسبيله أدخله اللّه الجنة، ومن ثبت على السبيل الذي جاء به موسى ولم يتبع عيسى عليه السلام أدخله اللّه النَّار؛ وإن كان مؤمنا بما جاء به الأنبياء عليهم السلام لا يشرك بالله شيئا. فلم يزل من اتبع عيسى عليه السلام مهتدياً ما عمل بسنة عيسى عليه السلام وسبيله مِنْ بعده.(1/5)