ونحن نعلن إلى كل مسلم, بالبراءة عن فعل كل مجرم، ونقول كما قال صلى الله عليه: اللهم (( إني أبرأ إليك مما فعله خالد )) ونعقب فعله بما عقب صلى الله عليه من جبر الخلل، وإقامة الميل إن وقع ذلك, مع أنا نرجو أن مكن الله في البسطة, وزاد في القدرة, حتى يرجع أهل الضلال عن ضلالهم، ويبلغ المسلمون إلى نهاية آمالهم, أن يزول كثير مما تعظم به الشبهة، ويقع بسببه الحرج على كثير ممن لم يرد مشارع البصيرة، فإن الضرورات عند تضايق الحالات, ألجأت إلى وقوع كثير من هذه المشكلات, من إنصاف من لا يستحق الإنصاف بفعله، وإنما يجيء به لضرره على المسلمين أو لنفعه الذي لا يقع منه إلا بأن يرفع في الدنيا وحطامها على أهل الدين، ويؤثر بالعطاء على المخلصين، وأن يكون بعد ذلك ما يكون من إظهار شعار الدين على الكمال, والعمل بما أمر الله به من غير إخلال، فإن كثيرا من أمور الدين مهمل, والمجمل في ذكره يغني عن المفصل، وعلينا بذل الجهد في القيام بالصلاح, والسعاية في علو كلمة الحق بالأموال والأرواح، وليس علينا أن يقع المقصود, بعد إبلاء المجهود:
لأمر عليهم أن تتم صدوره ... وليس عليهم أن تتم عواقبه
فنسأل الله تعالى أن يهدينا جميعا إلى الرشاد، وأن يعضدنا بالتوفيق والسداد، وأن يبصرنا السنة ويصرفنا عن البدعة، وأن يرزقنا الثبات على الحق، ويجنبنا مداحض الباطل.
وهذه الرسالة إلى إخواننا المسلمين على وجه الإجمال, والإشارة على ما نحن عليه من تراكم الأشغال، وتضايق الأحوال، فلينتفعوا بها ولْيَحْمِلونا على أحسن ما يحمل عليه مثلنا من مثلهم، أيدهم الله بهدايته, وأسبل عليهم ستر رعايته وحمايته. والحمد لله وحده, وصلواته على سيدنا محمد وآله وسلامه. تمت الرسالة المباركة.
---(1/36)


عهد لبعض أمرآئه وولاته
حسبنا الله وحده, هذه بصيرة وتذكرة, ليعتمد على العمل بما فيها [مَن ]أمده الله بتأييده، وضاعف عليه مواد توفيقه، وسلك به منهج الصواب، وأخذ بيده إلى موافقة مقتضى السنة والكتاب، وهي تتضمن أمورا مفترقة:
أما أولها: وهو على الحقيقة مجموعها، فيكون مدار أمره على تقوى الله تعالى في السر والجهر، وعلى كل حال من شدة ورخاء، وسراء وضراء، فإنه الأصل الذي له قصدنا, وعلى إيثاره في جميع أمورنا اعتمدنا، وبه يحصل العون من الله تعالى، والنصر على العدو والسلامة في الأولى والآخرى.
وبعد ذلك: فإن الله تعالى قد ولانا أمور عباده، وهو لا محالة سائلنا عن ذلك,(( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )) ، كما ورد عن جدنا صلى الله عليه والسائل لا بد له من جواب، وهو لا يقبل سبحانه منا إلا الصدق, ولا يجازينا إلا على ما فعلناه, إن أصلحنا فجزاء ذلك ثواب جزيل, وثناء جميل، وإن غيَّرنا وبدَّ لنا فعقاب وبيل, وذم من الملك الجليل، فليلاحظ هذا الأصل أيضا ويعمل بمقتضاه, من السيرة المحمودة في رعيته، فإنهم عباد الله, أمر فيهم بالعدل, ونهى فيهم عن الظلم والجور، ولا راد لأمره, ولا معقب لحكمه.
فإذا قدمتَ أعزك الله إلى عملك, وموضع ولايتك، دعوت الناس قبل كل شيء إلى طاعة الله تعالى، من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والقيام بما افترض الله سبحانه بعد لك من الواجبات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد في سبيل الله، وموالاة أولياء الله، ومعاداة أعدائه، ومتابعة أهل البيت عليهم السلام في أقوالهم وأفعالهم، فإنهم سفينة النجاة, وماء الحياة، وباب حطة الخلق، وسبب نجاة أهل الحق، وبأولهم هدى الله تعالى هذه الأمة، ويهديهم سبحانه ويصلحهم بآخرهم, وتُعَّرفهم بأن إمامنا وإمامكم أمرنا فيكم بذلك, فاسمعوا له وأطيعوا.
---(1/37)


وبعد ذلك تأمرهم بتسليم حقوق الله تعالى من أموالهم على وجهها, من غير أن يخلوا شيئا, ومن غير أن تطلب منهم سوى ما يجب عليهم، وتعلمهم أن من سلَّم ما يجب عليه طايعة بذلك نفسه، استحق رضوان الله والسلامة من عقابه، ومن امتنع عليها أخذناها منه كرها، ? وكان ثوابها لنا وعقابها عليه ? كما ورد الكتاب الكريم والسنة الشريفة، هذا في واجبات الأموال وهو العشر مما أخرجت الأرض, من كل قليل وكثير, لا يعتبر في ذلك نصاب, ولا يراعى بلوغ قدر معلوم.
وزكاة المواشي وهي: البقر والغنم والإبل، إن كانت في ولايتك، والزكاة فيها معروفة لا تكون إلا بعد بلوغ النصاب، ولا يعتبر في ذلك أن يجمعها الماء ولا المرعى، فإن ذلك كان رأيا رأيناه، ثم رأينا بعد ذلك أنها لا تؤخذ إلا مما بلغ النصاب من هذه الأصناف.
وزكاة أموال التجارة تطالبهم بها، وهي لا تجب في السنة إلا مرة واحدة بعد أن يبلغ النصاب، والنصاب في الفضة مأ تبادِرهم قفلة، وفي الذهب عشرون مثقالا, وفي ذلك ربع العشر بعد بلوغ هذا القدر المعروف، ومن امتنع عن ذلك أخذ منه ومثله, عقوبة في منع ما يجب عليه من حق الله تعالى، هذا في أموال التجارة, وفي أعشار الخارجات من الأرض.
ثم بعد ذلك تمنعهم من التظالم, والتهارج والفساد في الأرض، فمن ظلم غيره قمت مع المظلوم حتى يستوفي حقه, ويصل إلى غرضه، وحقَّرتَ الظالم وأدبته, إن تمادى في غيه وظلمه، حتى يرجع إلى الحق ذليلا حقيرا, على قدر خطيئته, وقدر ما فعل من الظلم.
ومن فعل معصية من معاصي الله مما يوجب الحد، سألت أهل المعرفة ممن هو في جهتك من أهل الثقة والأمانة والعلم بحكمه, فإن استحق الجلد جلدته، وإن استحق القطع قطعت يده بعد التبصر في أمره, بفتوى أهل الورع والثقة والعلم. وإن استحق القتل بالفساد في الأرض أيضا قتلته، فإن هذا حكم الله تعالى في المحاربين, وأهل المعاصي ذوات الحدود.
---(1/38)


وما التبس عليك من هذه الأشياء, أو على صاحب جهتك الذي هو القاضي والعالم, رفعتم حكم ذلك إلى إمامكم، ليحكم فيه بحكم الله, ويأمركم فيه بما أوجب الله تعالى، فإن الله تعالى لم يترك حكما يجب علينا, أو يدخل تحت تكليفنا, إلا وقد دل عليه. ومع ذلك عند وصول الجهات تأمر لمن يصلح للقضاء في الجهات, ممن قد صار في يده منا ولاية ذلك، فتثبت أمره, وتشد أزره, وتعرَّفه أنك معرف لأحكامه, وقائم معه على ما حكم به وأنفذه, لتجري أمور الدين بالاستقامة في بلدك, وتأمره أن يولي الأوقاف والوصايا والمناهل والمساجد والطرق والفقراء، و يُصلح ذلك وأنت القائم معهم بما يجب, وما كان من أوقاف مصرفها بيت المال، كان ذلك عندك محفوظا حتى نُعلمك كيفية صرفه.
ومتى قبضت هذه الواجبات المأخوذة من الناس أخرجت ربعها وميزته, وأحطت علما بما في الجهة من الأيتام والضعفاء والفقراء والمسلمين أهل الحاجة، فأعطِهم على قدر ما يحتمله حالهم، فإن لم تبق شيئا فقد أصبت في فعلك, وفعلت ما أمرت به، وإن بقي شيء من ذلك، أنهيت علمه إلينا, حتى نأمرك فيه بما نعتمد عليه إن شاء الله تعالى، والثلاثة الأرباع تصرفها فيما قد تحملت أمره عنا من الخيل، وهي عشرون فارسا أجوادا, أهل عُدد وكمال في السلاح والآلة، وأربعون راجلا من أهل الشجاعة والنفاسة, لا يطلبون منا بعد ذلك شيئا في وقت حرب ولا سلم.
وهذه وإن كانت زكاة وهي محرمة على الأشراف, لنحاسب بها ربنا ونتحرى فيه بعد العلم بمقدار ما يخلصنا.
---(1/39)


وإذا جنى رجل جناية أو أحدث فسادا أدبت فيه بقدر ما يحتمله، فإن جهلت مقداره بلَّغ رسولك إلينا حتى ندلك على ما نعرفه مما يخلصنا ويخلصك إن شاء الله، ولا تستعمل في جهاتك إلا أهل الثقة والأمانة والدين، فإذا عدمت أهل الدين ولَّيتَ من لا يخونك, ومن يحتفظ بما يُحصَّل، فإن كان قليل الدين جعلت عليه أيضا من يترقب عليه، لئلا يتعدى على المسلمين, ولا يأخذ منهم ما لا يجوز, وعليك التحري في ذلك بجهدك، وهذه السبيل هي سبيلي أدعو إليها وآمر بها، فمن سمع ما دعوته إليه أو أمتثل ما أمرته فهو موافق لغرضي. وأنا إمامه ومن خالف ذلك فأنا بريء من فعله فيما بيني وبين الله تعالى، وهذا لجميع من تولى مني واستعملته على عمل, فمن أحسن فإحسانه لنا يوفقنا لمرضاته. والحمد لله وحده، وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلامه. تم ذلك.
---(1/40)

8 / 16
ع
En
A+
A-