وإن كانت الشبهة في الخروج فذلك إقرار بالبقاء على الضلال، وتعلق بأسباب المحال, وعدول عن رقراق السلسال, إلى بَرَّاق الآل، والذي بقي بعد هذا إما تَدَّعون الإكراه في الإمامة عند دخولكم فيها كنتم مباهتين مكابرين، وإما أن تعتقدوها باطنا وتدفعوها ظاهرا، فكفى بذلك عذابا ونكالا عند رب العالمين، ولنا فُلجاً عليكم إن أظهرتم خلاف ما أبطنتم عند جميع المسلمين، بل العقلاء المميزين, ملحدين كانوا أو موحدين.
ومن عجائب,بلغنا عن الأمير شمس الدين أنه يقول: لم يرض قتل حميد, ولم يرض له هذه الميتة، وكان من طلبة الدنيا, ودلاّه هذا الرجل ـ يعنينا ـ بغرور, وأوقعه في محذور، ولو أطاعنا ما كان الذي كان, وغيره يقول: اقتلوا الإمام والشيعة تصفُ لكم الدنيا.
وقوله: لم يرض بقتله ولم يرض له هذه الميتة, كلام متناقض، لأنه إن كان حميد محقا فلا ميتة أرضى من ميتته!! فقوله: لم يرض له هذه الميتة كلام فاسد، وإن كان حميد مبطلا فكيف لم يرض بقتله،? لا تأس على قوم كافرين ? ، وقوله: لم يرض قتله كلام لا يستقيم، لأنه قاتله. ألا ترى أنه أجلب عليه بخيله ورجله، وقُتل بقوة سلطانه, والأمة مجمعة على أن يزيد بن معاوية قاتل الحسين بن علي, وهو بالشام والحسين بن علي قتل بالعراق, وللأمير في حميد أكثر مما ليزيد في الحسين، لأنه حاضر قتله, وجالب خيله ورجله، وإنما قالها تنزها وتسترا قبالة العامة, لما قالت: أكنت تمشي رويداً لتقتل حميدا، لقد جئتم شيئا إذا, تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا!! ويلك من الله ? يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء، تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ? . أتروم إعادة أمس؟! أو تنل الشمس باللمس؟!
وهبني قلت هذا الصبح ليلا ... أيعمى الناظرون عن الضياء
---(1/6)


رادفتَ الغمة, وراكمتَ سحايب الظلمة، وقَتلتَ رباني هذه الأمة, رجلا أفنى عمره في الذب عند الدين، ونشر علوم أهل بيت محمد الأمين, ولأبيك أمير المؤمنين من مقاماته غررها, ومن أكاليمه شذورها ودردها, ومن تصانيفه روائقها وطرائفها، ومن رسائلها سوابقها وشرائفها.
ننشدك الله ومَن سمع كلامنا هذا لو بعث أبوك وجدك رسول الله صلى الله عليه أكانا مع حميد أو عليه؟! أو سعيا إليك أو إليه؟! أو كانا يؤثران نصرنا أو نصرك؟! أو يعضدان أمرنا أو أمرك؟!
فإن قلت: معنا ومع حميد، كان رسول الله صلى الله عليه وأبوك الثائَرين لنا منك، وإن قلت: معك أكذبك قول والدك:
لا أعرف الخمر إلا حين أهرقها ... ولا الفواحش إلا يوم أنفيها
أليس في عسكرك هذا فعل المنكرات؟! وشرب المسكرات؟! وقتل النفوس المحرمات؟! ومن ينفيك من محمد وعلي؟! من يرى بولاية كل عدو وعداوة كل ولي؟! وأما لحمتك الواشجة، وقرابتك القريبة، فإنها لا تفيدك أكثر من النسب، ولغيرك المذهب، قال الله تعالى: { يا نوح أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح } . وقال تعالى: { أن أولى الناس يا إبراهيم للذين ابتغوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين } .
وأما قوله: بأنه أخلد إلى الدنيا. فكيف يخلد إليها من عُمرّ عمرا طويلا متمكنا منها وهو تارك لها؟! ولما توفي لم يدع دينارا ولا درهما؟! ولا هتك في حياته محرما! ولا ارتكب مأثما! ولا ظلم مسلما! ولا سفك في غير الحق دما! ثم سفكتَ دمه, وعفيت كرمه.
ضحوا بأشمط عنوان السجود به ... يُقطِّع الليل تسبيحا وقرءانا
---(1/7)


وأما قولك: إني اغتررته. فكيف يغر رباني الكلام؟! وعين عيون أهل الإسلام؟! وهو يصنف من قبل أن نولد نحن، أمثل حميد يختلس في دينه؟! أو يلوى عن يقينه؟! وأنت مع ذلك تدعي لنفسك البصيرة!! وتدعو إلى الصراط السوي والطريقة المنيرة!! ? فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ? ، { أمن هو قانت أناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب } ؟! أم من كان بصفة من نزل فيه قوله تعالى: { كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكفرين ما كانوا يعملون } ؟!
كلام الزهاد، وقلوب قوم عاد,? ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة الدنيا، وشهد الله على ما قلبه وهو ألدَّ الخصام، وإذا تولى سعي في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته الغرَّة بالإثم، فحسبه جهنم ولبئس المهاد ?.
وأما قول القائل: اقتلوا الإمام والعلماء. فأي عصابة حق يكون هذا أميرها أو من أمرائها؟! وما سمعنا لقوله شبها إلا قول الملاحدة في عهودهم إلى أوليائهم: اقتلوا الدبوك والملوك. يعنون بالدبوك: العلماء, وبالملوك: ملوك الإسلام, محقين ومبطلين. وقد زاد عليهم لأنه اختص الإمام وحده من الملوك, حتى يكون بقتله أونية قتله كأنه قتل الناس جميعا, كما ذكر الله في قوله: { من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا } . وهذا في أئمة الحق عند المفسرين.
---(1/8)


وبلغنا تشدق في المقال, واستهزاء بالدين وأهله، وسخريّ برؤوس العلماء, وتهجين بالشيعة، فعجبنا!! وتأسينا في ذلك بقول الله سبحانه: { زين للذين كفروا الحيوة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب } . فقد كنتم أهل هذه الدولة من قبل قيامنا تلتمسون إماما تقاتلون معه, فلما قام الإمام قلتم نحن أحق بالملك منه ولم يؤت سبعة من المال، فكنتم كالملأ من قوم موسى حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة.
وأما قول قائلكم: لو أطاعنا حميد ما قتل, ولا كان الذي كان. فقد دخل جوابه نحت قوله:? لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا ? ، فكيف يطيعك حميد إلى ما أنت عليه؟! وأنت بالأمس أنت وهو مجتمعان على تضليل من فعل أدنى فعلك!! وقاضيان عليه بتحريم المناكحة, والموارثة وأكل الذبيحة, ولم يبدل حميد شيئا مما كنتما عليه، إلا أن يكون حكمك حكم دّابة القاضي!!
ألم تعلم أن الإمام المنصور بالله عليه السلام كفَّر أهل حقل بمواصلة كانت هينة يعرفونها؟! وكفّر شريفا من بني الهادي مر بأهل مخرفة وفسخ بينه وبين زوجته النكاح؟! فكيف تدعون الناس إلى ما أنتم عليه وأنتم بالأمس تكفرون من أتاه؟! ? ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم لاحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره، إن الله على كل شيء قدير ?.
---(1/9)


أما تستحيون من الله؟! أما تخافون عاجل النقمة, بترك التناهي وكفر النعمة؟! أما سمعتموه تعالى يقول لقوم: { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيرا منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم، أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إيه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيرا منهم فاسقون } . انظر في هذه الآيات هل بعدت منكم في معانيها؟! أو سلمتم مما فيها. ألم تعلم أن الله سبحانه يحكم على بقية بني إسرائيل في وقت رسول الله صلى الله عليه بأنهم قاتلون للأنبياء الذين قتلهم أسلافهمو فقال تعالى: { فلم يقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } . وزمانهم غير زمانهم, ومكانهم غير مكانهم, لما كانوا مطابقين لهم على الرضاء بتلك الأفعال، فكيف تنكرون قتل العلماء وأنتم مباشرون لذلك؟! وسالكون في قتلهم أوضح المسالك؟!
ومن العجائب أنه بلغنا أنهم ربما ينتقصوننا، والنقص علينا وعليهم واحد، لأن القاسم بن إبراهيم يجمعنا, وإن كانوا يقولون من هنالك: إنهم جادوا وذَلَلْنا!! فإن كان الكلام في شرف الدنيا فنحن قبل قيام المنصور كما تعرفون إن لم نزد عليهم لم ننقص عنهم, إلا أن يكابروا فبيننا في ذلك قبائل همدان, فالكل بين أظهرهم حاسدنا ومحسودنا, وناشئنا ووليدنا, وما غطى ولا كتم, من استشهد السواد الأعظم, وإن كانوا في شرف الأخوة، فالإمام المنصور بالله عليه السلام يقول ليس بينه وبين محمد صلى الله عليه إلا من هو من أهل الجنة, ونظم ذلك فقال:
والله ما بيني وبين محمد ... إلا امرئ هادي نماه هادي
وهذا لعمر الله شرف عميم, وكرم جسيم, لا ننكره ولا نرده ولا نحسده عليه، وكذلك ما قال في نفسه نطما ونثرا مِن حملها على الفضائل, ورفعها عن الرذائل, كما قال:
---(1/10)

2 / 16
ع
En
A+
A-