فأما الخروج إليها بالمعاون فلا يجوز إلا أن يكون لصلاح يعود على المسلمين بالدفع عن ديارهم جاز، لأنه مال مأخوذ للدفع عن المسلمين، فجاز على أي وجه وقع الدفع، ويمكن أن يقال أيضا: يجوز الأخذ من المعاون للخروج إلى ديار الكافرين في اليمن كله، لأنها دار إسلام ظهر عليها الكفر، فوجب إزالته على وجه الدفع للكفر عن دار الإسلام، كما يجوز الدفع بأموال المعاون عن الدار التي فيها الإسلام, لاشتراكهما في كونهما داري إسلام في الأصل، فإذا جاز الدفع عن هذه الدار لئلا يدخلها الكفرة، فأولى وأحرى أن يجب الدفع عما قد دخله الكفر!! والله الموفق للصواب.
فأما القول بأن ما يُستفتح من بلاد الكفار يكون فيأ للمسلمين كافة كأموال الخراج, فذلك لا يصح، لأنه إذا ملكها الخارجون عليها من أهل الإسلام كانت ملكا لهم, وعليهم فيها الخمس، لقوله تعالى: { وخذوهم } , وقوله تعالى: { وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم } , وقوله تعالى: { واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه } , فجعل المأخوذ غنيمة للآخذين, وعليهم فيه الخمس، وإنما يكون أمره إلى الإمام في زمان الإمام فقط, لقوله تعالى: { قل الأنفال لله والرسول } ,ولا خلاف أن الإمام قائم مقام الرسول، فأما أن يكون ذلك مصروفا إلى بيت المال، فلا يصح إلا بأن يتركها الغانمون بغير قسمة, على وجه لا يمكن بعد ذلك معرفة نصيب كل واحد من الغانمين، فإنه يكون بيتَ مال من حيث صار مالا لا مالك له معين، وما هذه حاله فمصرفه بيت مال المسلمين.
---(1/66)
فأما قولك _أيدك الله تعالى_ إنه لم يقع تخفيف على الرعية، فما يمنع بشهادة الله عز وجل من التخفيف على الرعية إلا ضرورة الحال, من قِبَل كثرة أعداء الحق، وطلبهم لإهلاك دار الإسلام، فإنه صار في وجوهنا_ وفقك الله_ جند العجم والعرب، وهما فريقان قويان، وقد كانت العرب كافية في الإضرار بالدين, فزادت قوة العجم وهي أعظم وأكثر، ولم يمكن الجهاد إلا بالجند, ولا انتظم لنا الجند إلا بالمال، ولم نحصل المال إلا من أربابه، والدين دين الله عز وجل، والأموال أملاكه، والكل منا عبيده، وقد أمر تعالى بالتصرف في حماية دينه ببعض أملاك عبيده, وما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا كوجوبه، وَرَجْوَنا إن شاء الله تعالى أن يعز الله الدين, ويقع التخفيف عن المسلمين.
وقد عرف الشيخ الفاضل أنا في هذه الحرب التي فرغنا منها ما أمكننا أن نكافي الكافرين والمارقين، وما ذلك إلا لقلة الأموال، فكيف يظن ظان أنا قد أخذنا من الأموال ما يكفي في الدفع عن أديان المسلمين؟! مع أنه لم يُمكنَّا الذب عن بلادهم، وقد زادت البلوى وعظمت من أجل أن الدين أتي من وسطه، فتقَّوت بذلك شوكة الكافرين. فنسأل الله تعالى النصر والتأييد, والإعانة والتسديد, بحقه العظيم.
وأما قوله _أيده الله _يجب أن يكون ما يدفع أكثر مما يُؤخذ، وقد علمنا أنه قد انتهى الحال بكثير من الرعية إلى الانتقال من ماله ومنزله، فما الضرر المدفوع عنهم؟! فإنا نقول: إن الضرر المدفوع عنهم هو أعظم من أخذ المال المأخوذ, ولو استوعب جميع المال وأدى إلى الانتقال، لأن ذلك الضرر هو زوال الدين وانهدام الإسلام، وظهور الكفر والعدوان، وهلاك المال كله لأجل سلامته من أعظم البر عند رب العالمين، لأن الله تعالى أمر بالجهاد بالمال كله والنفس معه، فكيف بالمال وحده؟!
---(1/67)
وأما ما ذكره الشيخ الفاضل من قِبَل الأخذ من واحد من الناس دون واحد، وأخذ المعونة من واحد أكثر مما يؤخذ من واحد، وإن من يتعلق بالدولة لا يؤخذ منه ذلك, فلا إشكال في أن الواجب المساواة بين الناس في المعاون، لأن الدين لا يخص أحدا دون أحد، فالدفع عن الجميع واحد، ولكنه قد يؤخذ من بعضهم مال، وقد يؤخذ منه منفعة للإسلام تقاوم المال, قد كانت لا تحصل إلا بشيء من أموال المعاون، وقد يكون حضور بعض الناس في المجلس قائما في الدفع عن الدين مقام عشرة دراهم وأصلح، وهذه أمور تجب مراعاتها والنظر فيها، والتحري فيها عسير جدا، وقد خفف الله تعالى الأمر على صاحبه, بأنه يجوز له أن يعمل في ذلك على غالب ظنه، وما يقع في خاطره من تحري المصلحة، وقد يكون أخذ المعونة من بعض الناس يؤدي إلى فساد عظيم ضار في الدين فيترك، لأن ما أدى إلى الفساد فهو قبيح، والقائم بهذا للأمر لم ينتصب إلا لكسب المصالح الدينية دون المفاسد، والله المعين والمسدد.
وأما قولك: فكيف يجوز أن يدفع بمالِ واحدٍ عن آخر؟! لأنه يؤخذ من واحد دون واحد، ومال المعاون بمنزلة مال اليتيم، فكيف يجوز أن يدفع بمال اليتيم عن غيره؟!
---(1/68)
فإنا نقول: إن الدفع _أيدك الله ووفقك _عن الدين لا عن المال، وإذا وقع في زماننا هذا عن المال فعلى وجه التبع, والدين لا يختص بواحد دون واحد، بل هو مع الجميع على سواء، فهو شيء مستقل بنفسه, فلا يمكن أن يقال بأنه يدفع بمالِ واحدٍ عن دين آخر, لأن دينه الذي يقع الدفع عنه هو دين الآخر، فإنا لا نعني بدينه هو أعماله الصالحة، وإنما نريد بذلك لئلا يدخل الكفر والطغيان في ديار الإسلام, التي نفع إسلامها عام للمسلمين لا يختص به القريب على البعيد، فلا يدفع بمالِ واحدٍ إلا عن دينه أبدا، فاعرف ذلك!! فإن هذه الزبدة هي أصل جواز أخذ المعونة، وإلا فلو كان الدين المدفوع أمرا يختص به كل واحد من أهل المعونة, لوجب أن لا يجوز الخلط للمعاون، وألا يستهلك ما أخذ من أحدهم في الدفع عن دينه وحده، وذلك يعود على آيات الجهاد بالنقض والإبطال, وذلك محال، وكانت هذه المسألة تستدعي تطويلا كثيرا , إلا أنا حذفناه لكثرة الأشغال.
فأما ما ذكره _ أيده الله _ من أن أموال بعض الرعايا قد صارت في أيدي أهل الدولة, ولم ينقص منهم شيء بحسب ما خرج من أيديهم فذلك صحيح، وقد ألزمنا أنفسنا الاجتهاد في تقسيط ذلك على الوجه الشرعي إن شاء الله تعالى.
فأما ما ذكره الشيخ الفاضل _ أيده الله عز وجل _ من أن الجور قد عم البلاد وأهلكها ودمرها, وأدى إلى انتقال أهلها, وأجناس ذلك !!
فاعلم _ أيدك الله _ أن العدل على الحقيقة هو الذي عم بلادنا، وما وقع منا جور, ولا نعتذر إن وقع من وكلاء القبض بغير أمرنا ولا علمنا، وما علمناه غيَّرناه إن شاء الله تعالى, ولا نرضى بالجور ولا بالفساد، ولا الحال إلا أصلح.
---(1/69)
ونحن نقبل قوله في التحري والاحتياط، ولا نألوا جهدا في طلب الصلاح بقوتنا وقدرتنا, ولا نرد نصيحة إن شاء الله عز وجل فيما نصحنا، ولا نعد ذلك جُرما منه فيما أمرنا ودعا إليه، ورجوانا أن يعيننا الله تعالى لما قد علم من شدة خوفنا وكثرة حذرنا وشدة فزعنا من عقابه لمن عصاه، وإياه نسأل التوفيق والعصمة والتأييد, وهو حسبنا ونعم الوكيل.
---(1/70)