الكتاب : مجموع رسائل الإمام الشهيد المهدي أحمد بن الحسين عليه السلام المؤلف : الإمام الشهيد المهدي أحمد بن الحسين عليه السلام |
مجموع رسائل الإمام الشهيد المهدي أحمد بن الحسين
(صاحب ذيبين)
روائع تراث الزيدية
تأليف الإمام أحمد بن الحسين بن أحمد بن القاسم بن عبد الله بن القاسم بن
أحمد بن أبي البركات إسماعيل بن أحمد بن القاسم بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب
[612 - 656 هـ]
---(1/1)
حليفة القرآن في نكت من أحكام أهل الزمان
? ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ?.
أما بعد:
فإن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو وقوله: (( إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام وليا من أهل بيتي، يعلن الحق وينوره, ويرد كيد الكايدين، فاعتبروا يا أولي الأبصار )) ، حملنا على ما يحق لمثلنا أن نتكلم فيه, وننشر أنوار الحق من مثانيه، فإن الحجة بنا اتضح دليلها, ولاحت سبيلها, وأنارت غررها وحجولها، فإن الأرض لا تخلو من قائم لله بحجة، لئلا تبطل حججه وبيناته، وتلتبس آياته، وتظلم من الحق مشكاته، ويعمى من الهدى واضحاته، وإن أهل بيت النبوة هم سفن نجاة العالمين، وشهداء الله على خلقه يوم الدين، قال تعالى: { ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول عليكم شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس } . وقال النبي صلى الله عليه: (( مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح, من ركبها نجا ،ومن تخلف عنها غرق )). وقال: (( إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض )).
وأئمة الهدى هم النمرقة الوسطى، إليها يرجع الغالي ، وبها يلحق التالي، وهم لب اللباب, ونظراء السنة والكتاب، وقدوة أولي الألباب, والسابقون إلى الخيرات، والمتوقلون أعلا الدرجات، صفو[ة] الذرية النبوية, وخلاصة الثمرة الزكية.
ولما تقلدنا قلائد الزعامة، وتحملنا(1/2)
أثقال الإمامة، سار العلماء إلينا أرسالا من كل فج عميق, ومكان سحيق، قياما بما يلزمهم من إجابة الواعية, وإخالة لبارق كانوا فيه على الرجاء والطماعية، وكانوا يغدون في ميدان الاختبار, ويجاروننا صباح مساء في ذلك المضمار، فسبقنا سوابق فرسانه, واستبددنا برهانه في طويل ميدانه، وقامت من الإمامة دلائلها، وسارت فضائلها، فحينئذ اتضح الحق, وتعين فرض الإمامة على كافة الخلق، وازدحموا على البيعة ازدحام الإبل الهيم على حياضها، والحدابير المسنة على رياضها، وكانوا عند ذلك بين متنكب قوسا، أو متقلد سيفا، أو معتقل رمحا, يمشي إلى صف, أو يتقدم في رجف, وبين قارع منبرا, أو قارئ دفترا، هذا يقوم بجمعتها، وهذا يدعو إلى جماعتها، وهذا يتحدث في فضائل صاحبها، وهذا متبطئ إلى الآفاق بدعوتها مطاء نجايبها.
ولما رأتهم الدهماء كذلك قلدوهم فيما لا يعرفونه إلا من جهتهم, وضموه إلى ما تتناوله معرفتهم من خصالها التي تستوي في معرفتها العالم والجاهل، والنبيه والخامل، وأعطونا صفقتهم طائعين، وأنفقوا أموالهم متقربين، وساروا في مقامات الجلاد كأنهم إلى نصب يوفضون, حتى قمعنا نواجم الضلالة، وطمسنا رسوم الجهالة، وصار أنف الإسلام كله لنا، ونحن في خلال ذلك ندعو بني عمنا إلى النصرة، ونقول: أنتم وجوه الأسرة، وأعلام العترة، وهم مرة ينتقصون الإمام والإمامة، ومرة يقولون: نحن أولى بالزعامة، ومرة يصدون عن أمر الله ويبغونها عوجا، ومرة يكاتبون سلطان اليمن نظما ونثرا، ويلتمسون من لديه فرجا ونصرا، بغيا وحسدا،? أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما } .
هذا أميرهم أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام يقول (( لعمر سلطان اليمن في أحد مكتوباته المصونة, وأسراره المخزونة:
رقدت وطاب النوم لي وكفيتني ... وكل فتى يكفى الهموم ينام
وقال:
---(1/3)
إذا أيقظتك صعاب الأمور ... فنبه بها عُمَراً ثم نم
ويقول عقيب ذلك: يا عمراه يا عمراه، ويُعَّرفه كيف يكيدنا, ومن أين يأتينا، فلما ولى عمر, وظهر أمرنا واستمر، دخلوا في الإمامة كما دخلت بنو أمية في النبوة، إما رغبة وإما رهبة، وكانوا كما قال الله تعالى: { لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون } . وقبلناهم عند ذلك وقلنا: لعل ما ظهر من ألسنتهم يبطن, وما قبح من بواطنهم يحسن، وكانوا مرة يسلقوننا بألسنة حداد، وتارة ينظروننا بأعين الحساد، وآونة يذكرون علينا قديم الأوتار والأحقاد، ويدلون على عوراتنا الأعداء والأضداد، ونحن في خلال ذلك ما غمص من كيدهم أوليناه اصطبارا، وما ظهر أوسعناه صفحا واغتفارا، ثم حلفوا لنا مرارا, وأكدوا البيعة أسفارا، ثم تركونا حتى نال العدو من أطرافنا ما نال، وآل ألا مر بنا إلى أضيق مآل ،ومالوا علينا يسرون حسوا في ارتغاء، ويحلبون شخبا في الأرض وشخبا في الوعاء، ثم صرحوا بالحرب, وبرزوا للطعن والضرب، ورجعوا عن القول بالإمامة, ونسوا مناقشة يوم القيامة.
قلنا: أما كنتم قبل الإمامة تؤمنون بالإشارات إلينا, وتعولون في الزعامة علينا، فما بالكم لما سطع قيامها, وخفقت أعلامها, انقلبتم على أعقابكم؟!وخالفتم كريم نصابكم؟!? ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ?.
---(1/4)
ما أشبه ما نرى منكم بما حكى الله سبحانه عن نبيه محمد صلى الله عليه وآله وقوم يهودا حين كانوا يخوفون الأوس والخزرج بنيء قد أظلهم زمانه, ودنا أوانه، قال تعالى: { ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يفتستحون على الذي كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكفرين بئس ما اشتروا أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكفرين عذاب مهين وإذا قبل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم ... } إلى آخرها.
فإن كان ما أظهروه من القول بالإمامة من قبل صحيحا، فقد صار ما قالوه من إنكارها كذبا، وإن كان ما أظهروه آخرا من إنكارها صحيحا، فقد بان أن الذي كانوا عليه منها أولا نفاقا.
فإن قالوا: دخلنا بدلالة وخرجنا بدلالة.
قلنا: غرقتم في بحار الجهالة, وتهتم في أودية الضلالة، كيف تكون المتنافيات أدلة توجب علما؟! أو تورث فهما؟!
فإن قلتم: كانا شبهتين جميعا في دخولنا وخروجنا.
قلنا: فقد أخطأتم في الدخول من غير يقين، وأخطأتم في الخروج من غير يقين, وأصبحتم بين الفريقين مذبذبين, وأنتم إلى الآن تجرون في ميدان الاشتباه. أفما لهذه النومة من انتباه؟! وإن كان الدخول شبهة والخروج يقينا.
قلنا: فشرائط الإمامة يفضى فيها إلى الاضطرار, ويستوي العلماء فيها والأغمار، فالمدعي لخلافها بعد الإقرار بصحتها يشهد على نفسه بالكذب, ويحجب من باطله مالا يحتجب, على أنه قد جعل على نفسه سلطانا، ومكَّن منها زماما وعنانا.
فإن أوضح على الإمام فسقا بَيَّناً, وضلالا قادحا متعينا، وإلا دخل فيما خرج عنه، فإن الإمامة لا تبطل بعد ثبوتها إلا بفسق ظاهر يقع عليه الإصرار, ويلازمه المتابعة والاستمرار، لأن الإمام لو أخطأ خطأ وتاب عادت له الإمامة, واستقرت أحكام الرياسة والزعامة.
---(1/5)