وأما قولك: إن من الأئمة من رحّم على المعتزلة فذلك محتمل للتأويل وقد صح عن الإمام المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام- أفتى بأن لا يصلى خلف من يرضي عن أئمة المعتزلة فضلاً عن المعتزلة.
وأما قولك: إن الصاحب الكافي مدح نفسه بالجمع بين التشيع والاعتزال؛ فلا يخلو إما أن يكون جمع بين حقين؛ فيكون قد وصف الشيعة والمعتزلة باتباع الباطل الذي ترك.
وإما أن يكون قد جمع بين حق وباطل فذلك الذي أنكرت إنكاري له. وإما ترحمك عليه مطلقاً فقد خالفت الإمام -عَلَيْه السَّلام- لأنه لم يرحم عليه كما رحم على أبي الجارود بل نفعه الله بصالح عمله فاقتد به إن كنت منصورياً كما ادعيت.
وأما حكايتك عن بعض شعراء الزيدية المعتزلة أنه قال:
ما فرقة من جميع الناس قاطبة.... إلا وصالَ عليها كلُّ معتزلي
فلم أنكر أنهم صالوا بجدالهم على الأئمة، فضلاً عن سائر فرق الأمة.
وأما قولك: إنه بلغك أني صنفت في أذية المعتزلة أوراقاً، فلم أقصد إلا ذم من تبرأ منه الهادي -عَلَيْه السَّلام-، ووصفهم بالغلو بغير الحق في ملة الإسلام.(1/436)
وأما اعتذارك لقولك في شعرك وأسماعنا مجته لما يلج نقراً بما حكيت من قول الإمامية إن جبريل -عَلَيْه السَّلام- ينقر إذن إمامهم بالأحكام والمسائل؛ فلم تقل ينقر أذناً بل قلت يلج نقراً؛ فميز كم بين ركاكة شعرك، وبرودة عذرك، فلا تكن كأعمى يكشف عورته للناس ويحسب أن كلاً أعمى مثله، وأما اعتذارك لتوحيدك فعل الجماعة... شرفهم وفضلهم كما يجب تصديق النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- من كونه أفضل ولد آدم، وكون عمه أفضل الشهداء، وكون ابن عمه أخاً له ووزيراً ووصياً وإماماً بعده، وكون ابنته سيدة نساء الأمة، وكون ابنيها سيدي شباب أهل الجنة، وإمامين قاما أو قعدا، وكون الكتاب مع ذريتهما إلى يوم القيامة، وأشباه ذلك مما فضله الله به وأهل بيته للإبلاء والابتلاء، وللتمييز بين الرفضة والأولياء.
فهذا الذي يقع به التخلص من الشبه مع ترك المعارضة والمكابرة والمجادلة بالباطل، ولبس الأدلة بالدلس المضلة، فاعرف ذلك وإن لم تكن من جملة ما يتضمنه قول الله -سبحانه وتعالى-: {بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ(63)} [المؤمنون]، والسلام على من اتبع الهدى، ونهى النفس عن الهوى.
تمّ ذلك بحمد الله ومنه، ولطفه وكرمه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم يا كريم.
* * * * * * * * * * * * *(1/437)
هذا خبر خولة الحنفية وفيه فضيلة لعلي بن أبي طالب(ع)
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله قال في كتاب إقرار الصحابة، بفضل إمام الهدى علي بن أبي طالب –سلام الله على روحه الطاهرة- تأليف الشيخ الفقيه العالم العابد أبي القاسم محمد بن جعفر بن علي المشهدي الجابري -رحمه الله تعالى- أخبرنا الشيخ العفيف أبو البقاء هبة الله بن نما -رضي الله عنه- قال: حدثني الشيخ الإمام العالم أبو عبدالله الحسين بن أحمد بن محمد بن طحال المقدادي –رحمه الله تعالى- قال: حدثني الشيخ الرئيس الأجل العالم شيخ الإسلام عز العلماء أبو الوفاء عبدالجبار بن عبدالله المقري الرازي -رحمه الله- في مدرسته بالري يوم العشرين من شعبان سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة، قال: حدثني الرئيس المخلص سعد المعالي ذو الكنانتين أبو الجوائز بن باري الكاتب -رحمه الله- في يوم الأحد عاشر شهر القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة في مشهد الإمام موسى بن جعفر -عَلَيْهما السَّلام- بالنيل، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن سعيد الوراق عن أبيه، عن أبي سعيد، عن ميمون بن مصعب المكي، قال: كنا عند أبي العباس بن سابق المكي فحدثنا بحديث أهل الردة وتذاكرنا أمر خولة الحنفية قال: عرفت أن محمد بن علي الباقر –عَلَيْه السَّلام- كان يوماً في مجلسه إذ جاءه رجلان فقالا له: يا أبا جعفر أليس زعمت أن جدك ما رضي بمن تقدمه وكان غير محالفٍ وهذه خولة نكحها وهي من سبيهم ؟(1/438)
فقال –عَلَيْه السَّلام-: من يأتيني بجابر بن عبدالله الأنصاري ؟ فمضى من جاء به وكان يومئذ محجوباً لا يبصر بين يديه فسلم عليه فأجابه وحياه وقربه وقال: يا جابر أتدري ما أنا سائلك عنه ؟ فقال: لا.
قال: إن عندي رجلين ذكرا أن أمير المؤمنين –عَلَيْه السَّلام- رضي بمن تقدم عليه فسألتهما عن حجتهما في ذلك فذكرا أمر خولة.
فبكى جابر حتى اخضلت لحيته وقال: والله لظننت أن أموت وأخرج من الدنيا ولا أُسأل عن هذه بما أودي فيما شاهدته من الأمانة، أنا والله كنت جالساً بجنب أبي بكر وقد طلع سبي بني حنيفة من قبل خالد بن الوليد وفيهم خولة، وكانت جارية مراهقة، فلما دخلت المسجد قالت: أيها الناس ما فُعِلَ بمحمد رسول الله ؟ فقالوا: قبض، فقالت: بالله، هل من بينة ؟ قالوا: نعم، هذا قبره، فنادته: السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا محمد رسول الله إنا سُبِينا من بعدك وإنا نقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله؛ فوثب طلحة والزبير فطرحا ثوبهما عليها.
فقالت: معاشر المسلمين ما لكم تصونون حلائلكم، وتهتكون حلائل المسلمين، فقالوا لها: لمخالفتهم ؛ حين يقولون: نصلي ولا نزكي أم نزكي ولا نصلي، فقال طلحة والزبير: إنا طرحنا ثيابنا عليك لنبالغ في ثمنك.(1/439)
فقالت: أقسم بالله ربي وبمحمد نبيي لا يملك رقي إلا من يخبرني بما رأت أمي في منامها وهي حامل وما قالت لي عند ولادتها وما العلامة التي بيني وبين أمي وإلا بقرت بطني فيذهب مالي ونسبي ويكون الله المطالب بحقي.
قالوا: يا جارية اذكري رؤياك حتى نذكر عبارتها، فقالت: الذي يريد أن يملكني هو الذي يقدر أن يخبرني بالرؤيا ويعبرها فأخذا ثوبيهما عنها وجلسا بإزائها يحجزان عنها.
إذ دخل علي –عَلَيْه السَّلام- وهم في هرج فقال: ما هذا الصوت في المسجد ؟ فقالوا: امرأة من بني حنيفة خرجت رقها للمسلمين وقالت: إني لمن يخبرني بالرؤيا التي رأت أمي وهي حامل بي وعبارتها بالعلامة التي بيني وبينها.
فقال علي –عَلَيْه السَّلام-: ما دعت إلى باطل أخبروها تملكوها؛ فقالوا: من فينا يعلم الغيب. فقال أبو بكر: يا علي تخبرها أنت ؟
فقال: إن أخبرتها ملكتها بلا اعتراض من أحد منكم عليّ فيها ؟
قالوا: نعم.
قال: يا جارية أخبرك ؟ قالت: من أنت الذي تخبرني بما يعجز عنه أصحابك ؟
قال: أنا علي بن أبي طالب، فقالت: لعلك الرجل الذي نصبك رسول الله –صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- صبيحة يوم الجمعة بغدير خم علماً للناس ؟
فقال: أنا ذلك.(1/440)