على أنه لو روي عنه –عَلَيْه السَّلام- ما يخالف النص أو الإجماع لوجب القطع على أنه مكذوب عليه أو غلط من الراوي أو حاصل على سبيل السهو، وبهذه الطريقة أبطل الأئمة –عَلَيْهم السَّلام- أقوال من يخالف بينهم فيما الحق فيه واحد؛ لأنه لا يجوز التفريق بينهم كما لا يجوز التفريق بين الأنبياء –عَلَيْهم السَّلام-، مع أن هذه المسألة لم يوردها أحد من أهل النصب إلا هذا السائل المتعنت.
وأما قوله: وعداوة العاقل خير من صداقة الجاهل؛ فذلك صحيح إذا لم يكن ذلك العاقل من علماء السوء الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله.
والعاشرة: قوله: قال الإمامان الكريمان المتوكل على الله والمنصور بالله -عَلَيْهما السَّلام-: إن نكاح الفاطميات لغير الفاطميين لا يجوز وادعيا الإجماع وهذا أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي جدته بنت محمد الباقر وهي من الفاطميات بل خيرهن وليس من الفاطميين؛ فإما أن تبطل حكايتهما وحاشاك من ذلك، أو تبين لنا وجه الجواب، وليس تهتدي إليه سبيلاً، أو ترجع إلى الشيعة صاغراً وتقول: أخبرونا منا فالجهل بنفسك أقبح الأشياء منك.(1/431)


الجواب: أما حكايته عن المتوكل والمنصور بالله -عَلَيْهما السَّلام- أنهما ادعيا الإجماع على أن نكاح الفاطميات لا يجوز لغير الفاطميين؛ فتلك دعوى صحيحة عند الزيدية المحقين، والأصل في ذلك ما ورد به الشرع الشريف من وجوب اعتبار الكفاءة في النكاح؛ لأجل التفاضل الذي جعله الله -سبحانه- بين الناس، وقد صح بالنص أن لبني فاطمة –عَلَيْهم السَّلام- فضلاً على سائر الناس بما خصهم الله به؛ من إرث الكتاب، ومنصب الإمامة، وقرابة الرسول، وإيجاب المودة، والطاعة لهم، والصلاة في الصلاة عليهم، والرد لكل ما اختلف فيه إليهم، ونحو ذلك وأقل أحوال فضلهم بذلك أن يكون مثل فضل الأحرار المنتجبين على الأحرار غير المنتجبين إذا لم يكن مثل فضل الأحرار على المماليك.
وقد ذكر القاسم بن علي وابنه الحسين -عَلَيْهما السَّلام- مثل الذي حكى عن الإمامين -عَلَيْهما السَّلام-، وذلك هو المشهور المعلوم من مذهب الهادي –عَلَيْه السَّلام- ولذلك فإن الدعام بن إبراهيم لما علم ذلك منه وسمعه عنه رام الاقتداء به، وجعل ذلك سنة في عقبه.
وفي الرواية المشهورة عن أحمد بن عيسى –عَلَيْه السَّلام- أنه دعا على ابنته بالموت مخافة أن يزوجها من ابن خالها وهو من الأحرار المسلمين ولم ينكر ذلك أحد من الأئمة -عَلَيْهم السَّلام- فما ظن السائل المتعنت بهم؟!(1/432)


وأما حكايته عن أبي الطاهر أن جدته بنت الباقر فإن صح ذلك وجب حمله على أنه وقع على سبيل الإكراه أو الجهل؛ مع أن هذه الرواية الشاذة لا تقدح في الإجماع، ومع أن تحسين الظن بالجماعة أولى منه بالواحد، ومع أن الأئمة -عَلَيْهم السَّلام- لم يدعوا أن ذلك لا يقع، وإنما ادعوا أنه لا يجوز للزوج والمزوج تعمد إبطال حق الكفاءة لغير عذر.
وأما قوله: فأما أن تبطل حكايتهما وحاشاك من ذلك؛ فأقول: على من يبطل مثل ما على من يفرق بين الرسل، ومن يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله.
وأما قوله: أو تبين لنا ما الجواب ولم تجد إلى ذلك سبيلاً؛ فقد وجدت السبيل إلى تصديق الأئمة –عَلَيْهم السَّلام-، وتكذيب من خالفهم من جميع فرق الإسلام، فكيف يعرف السبيل من يرفض الدليل!؟
وأما قوله: أو ترجع إلى الشيعة صاغراً وتقول: أخبرونا منا فإن يكن عنى الزيدية المحقين فليس عندهم غير ما ذكرت، وإن عنى غيرهم من فرق الشيعة الذين يفضلون أنفسهم على الأئمة، ويتمسكون بعلوم من خالفهم من فرق الأمة، فلست بخارج من النور إلى الظلمات، وما الملجئ لي إلى ذلك وفي كتاب الله –سبحانه- بيان كل شيء، وفي كلام النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- الذي لا ينطق عن الهوى وفي كتب الأئمة الذين هم سفن النجاة وأعلام العلم ومعادن الهدى.
ولا مانع أن يعطي الله -سبحانه- آل محمد من العقل أزكى وأكثر مما أعطى أولئك الشيعة الذين أمرني بالرجوع إليهم والسؤال لهم.(1/433)


وأما قوله: فالجهل بنفسك أقبح الأشياء منك؛ فإنما يجهل نفسه من ملكها زمام هواه، واتبع {أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ(77)} [المائدة].
وأما ما ذكرتَ في أبياتك الذميمة، المؤسسة على البغي والنميمة، من ذكر من خالف أو هجا فليس الذنب في ذلك لي ولا العذر فيه إليك.
وأما قولك فيها: إن المخرجين لأحمد بن سليمان -عَلَيْه السَّلام- من ثافت هم ذؤابة معشرك، فأكثر المخالفين على الأئمة من ذؤابة معشرك لا سيما من أشبهك منهم، وأما تعريفك لي بقولك لي: لست هنالك، ولا سلكت في تلك المسالك، وغير ذلك من اعتدائك علي، وتسرعك بالأذية إليّ، فأحسن جوابك عن ذلك السكوت، لكون عرضك أهون من نسج العنكبوت، وإني وإياك لكما قال الشاعر:
ولو أني بليت بهاشمي.... خؤولته بنو عبد المدان
صبرت على عداوته ولكن.... تعالوا فانظروا بمن ابتلاني(1/434)


وأما قولك: إنك على أوفى يقين، من بغضك للعترة الحاضرين، فهب أنه وجب عليك بغض من عرفت من السرف، فما الذي حملك على تناولك من سلف من السلف، وقد قال الله تعالى في كتابه المبين، مؤذناً لعباده المؤمنين: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] ، مع أنك لو وفقت ما امتدحت ببغضهم وقد قال الإمام المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام-:
إن شك في المولود يوماً والدٌ.... فحبنا يوماً عليه شاهد
وأما قولك: إنك إن لم تفضل المعتزلة على الأئمة فقد أكذبت نفسك بتفضيلك لعلوم المعتزلة، إذ لا خلاف في فضل العالم على من هو دونه في العلم.
وأما قولك: إن لفظة الاعتزال ما وردت في الكتاب والسنة إلا صفة مدح؛ فقد أكذبك الله بقوله: {وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ(21)} [الدخان]، وبوصفه لابن نوح أنه كان بمعزل عن أبيه، مع أن من اعتزل أئمة الهدى وعلومهم لا يستحق المدح بذلك.(1/435)

87 / 94
ع
En
A+
A-