السادسة: قوله: من مذهب الزيدية –أعزهم الله تعالى- أن علياً –عَلَيْه السَّلام- معصوم قوله كقول رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- يجب اتباعه، وقد وجدت له أقوالاً متدافعة كنهيه عن بيع أمهات الأولاد ثم رأيه في بيعهن بعد ذلك؛ فأيهما الحق جواز بيعهن فقد أجمعت العترة على خلافه وهي معصومة، والنهي عن بيعهن فقد استقر عليه آخر قولي المعصوم؟
الجواب: أما قوله بعصمة علي –عَلَيْه السَّلام- ففي معنى العصمة خلاف بين الزيدية المحقين وغيرهم؛ فقول الزيدية المحقين إن الله -سبحانه - لما نص على أن علياً ولي المؤمنين وأمر نبيه أن ينص على أنه الخليفة من بعده علم لأجل ذلك أن الله -سبحانه- قد علم باعتصام علي –عَلَيْه السَّلام-، وتصديق الله واجب؛ فلأجل ذلك وجب القطع على أن علياً –عَلَيْه السَّلام- معصوم باختياره.
وغيرهم يزعم أن الله –سبحانه- يفعل للمعصوم ألطافاً يعتصم لأجلها، وفي ذلك إيجاب كون العصمة من الله –سبحانه- وإذا كانت منه لم يكن للمعصوم فضل ولا أجر على اعتصامه.
وأما قوله: إن لعلي –عَلَيْه السَّلام- أقوالاً متدافعة كنهيه عن بيع أم الولد، وإباحته له من بعد ؛ فتحريم بيع أمهات الأولاد لا يخلو: إما أن يكون بنص معلوم من الكتاب والسنة، وإما أن يكون باجتهاد.(1/426)
فإن كان بنص وجب القطع على أن علياً –عَلَيْه السَّلام- لا يخالف النص، وإن كان باجتهاد فقد يختلف الاجتهاد لأجل اختلاف المصالح في الأوقات، وقد يجوز أن يغلط المجتهد، ولا يبطل بذلك كونه إماماً ومعصوماً، وقد ورد السمع بتصويب فتوى النبي سليمان دون فتوى أبيه -عَلَيْهما السَّلام-، وورد بجواز وقوع الصغائر من الأنبياء -عَلَيْهم السَّلام- على سبيل السهو، وللأئمة بالأنبياء أسوة في مثل ذلك وعذر لهم عند من أحب أن يحملهم على الصلاح.
وأما ادعاؤه لإجماع العترة على خلاف أحد قولي علي –عَلَيْه السَّلام- فإن كانت المسألة من مسائل الإجتهاد فلا معنى للإجماع، وإن كانت مما الحق فيه مع واحد؛ فليسوا يجمعون على مخالفة الحق، ولا على أن علياً –عَلَيْه السَّلام- خالفه مع أنه لا معرفة لهذا السائل المتعنت بإجماع العترة لأنه لم يشاهد كلهم، ولم يحط بجميع كتبهم.
وأما قوله: إن العترة معصومة فقد تقدم بيان جهله بمعنى العصمة ومعنى الإجماع.
والسابعة: قوله: من مذهب الزيدية –أعزهم الله تعالى- أن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- خلف فينا الثقلين الكتاب والعترة، وأمرنا باتباعهما، وبعد موته -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- لم يكن إلا علي –عَلَيْه السَّلام- لا غير، وليس من العترة على الصحيح من المذهب؛ لأن عترة الرجل ولده والحسن والحسين كانا صغيرين بعد موته –عَلَيْه السَّلام- فما ترى في ذلك؟(1/427)
الجواب: أما قوله: من مذهب الزيدية أن رسول الله –صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- خلف فينا الثقلين، وأمرنا باتباعهما، وهما الكتاب والعترة؛ فذلك مما لا يجحده [ويخالف فيه] إلا رافض معاند لنص الكتاب والسنة.
وأما قوله: إن علياً –عَلَيْه السَّلام- ليس من العترة فقد أكذبه النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- بجعله لعلي (عَلَيْه السَّلام) من أهل بيته في خبر الكساء ولا فرق بين عترته وأهل بيته في ذلك مع أن إمامة علي –عَلَيْه السَّلام- ثابتة بالنص، والنص على العترة لا يناقض النص على الوصي.
وأما قوله: إن الحسن والحسين كانا صغيرين بعد موت النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-؛ فليس صغرهما في تلك الحال بأكثر من عدم أولادهما وأولادهم إلى آخرهم، وكلهم أحد الثقلين مع أن هذا السائل المتعنت قد نقض قوله بقوله في المسألة الأولى فعندنا أن أمير المؤمنين وولديه أئمة من وقت أن نص لهم رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-.(1/428)
والثامنة: من مذهب الزيدية أن إمامة العبد لا تجوز، وقد قال -صَلَّى الله عَلَيْه وآله-: ((أطيعوا السلطان ولو كان عبداً حبشياً)) والسلطان إذا أطلق أريد به الإمام كما قال -صَلَّى الله عَلَيْه وآله-: ((السلطان ولي من لا ولي له)) فإما أن تكذب الخبر أو تتأوله على أنه أراد به مأمور السلطان فلفظ (لو) ترد بعد الكلام للتحقير وليس الحبش أحقر أجناس الأمم كما قال الشاعر:
فما سأل الله عبد فخاب.... ولو أنه كان من باهله
الجواب: أما قوله: من مذهب الزيدية أن إمامة العبد لا تجوز؛ فمذهب الزيديةالمحقين أن إمامة أبي بكر لا تجوز فضلاً عن العبد.
وأما روايته عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- أنه أمر بطاعة السلطان ولو كان عبداً حبشياً؛ فإن صح ذلك ولم يحتمل التأويل؛ قطع على كونه مكذوباً عليه؛ لأجل مخالفته محكم الكتاب والسنة، ولذلك أمر -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- بأن يعرض ما روي عنه على الكتاب.
وأما قوله: فلفظ (لو) ترد بعد الكلام للتحقير ففي ذلك اضطراب في اللفظ والمعنى يعرفه من تأمله.(1/429)
وأما قوله: وليس الحبش بأحقر أجناس الأمم؛ فجملة الكلام في ذلك أن العبد إذا ذكر مطلقاً أفاد بعض عبيد الله –سبحانه- في الأغلب، وإذا ذكر مقيداً ببعض قبائل السودان أفاد بعض العبيد الرق.
التاسعة: قوله: من مذهب الزيدية –أعزهم الله تعالى- أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ حكاه عنهم أبو عبدالله الحسين بن إسماعيل - عَلَيْهما السَّلام- والإمام المنصور بالله –عَلَيْه السَّلام- كان يرى إقرار المذهب على خلاف ذلك؛ فإما أن يرى أنه –عَلَيْه السَّلام- لا يخالف العترة أو لا يرى إجماعهم حجة وكلاهما باطل وعداوة العاقل خير من صداقة الجاهل.
الجواب: أما حكايته لإجماع أئمة الزيدية على أن جلد الميتة لا يطهر بالدباغ؛ فالأصل في تحريم الميتة نص الكتاب على الجملة، فلو كان جلدها يطهر بالدباغ جاز أن يطهر لحمها بالإنضاج؛ فلذلك أجمع الأئمة على تحريم الميتة على كل حال.
وأما قوله: إن المنصور بالله –عَلَيْه السَّلام- أقر المذهب على خلاف ذلك؛ فقد أقر –عَلَيْه السَّلام- كثيراً من العوام والفقهاء على خلاف مذهبه في كثير من المسائل، وكذلك غيره من الأئمة –عَلَيْهم السَّلام- وليس يكون بمجرد إقراره لهم مخالفاً للأئمة، وإنما يكون مخالفاً لهم لو أفتى بأن الميتة لا تحرم أو بأن جلدها يطهر بالدباغ.(1/430)