وإنما الذي أجمع عليه المحققون من الزيدية هو أنه إذا اجتمع جماعة من آل محمد -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- في وقت واحد ومكان واحد، وكلهم يصلح للقيام بالأمر لم يقم به إلا واحد منهم، ولم يكن كذلك قيام الهادي والناصر -عَلَيْهما السَّلام- فينتقض ما أجمعوا عليه.
ولبعض الأئمة كلام في هذه المسألة لم يعرفه السائل المتعنت، ولا بحث عنه، وجملته: أنه لا فرق بين الأنبياء والأئمة في جواز الاجتماع في وقت واحد إذا كان الغرض بذلك المعاونة والموازرة، فأما ما يعترض به على ذلك وهو ما روي عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- قال: ((إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما)) فإن صح الخبر لم يجز حمله على ظاهره؛ لما فيه من تجويز قتل علي -عَلَيْه السَّلام- لو بويع له بعد بيعة أبي بكر، وتجويز كون أبي بكر خليفة لسبقه بالبيعة، وتجويز حكم عمر بقتل أحد الستة الذين جعل الإمامة شورى بينهم، وتجويز قتل الناصر -عَلَيْه السَّلام- وإبطال إمامته، وكل هذه التجويزات غير صحيحة.
والرابعة: قوله: من مذهب الزيدية -أعزهم الله تعالى- أن الإمام يجب أن يكون من أحد البطنين بعد علي -عَلَيْه السَّلام- وما حجتهم على ذلك ؟(1/421)


فإن قلت: إجماعهم وعنيت به العترة فهي شهادة الجار لنفسه، ونفس المذهب لا يثبت بنفس الدعوى فإما أن تقيم دليلاً أو تطلبه من الشيعة.
الجواب: أما قوله: ما الحجة على أن الإمام يجب أن يكون من أحد البطنين ؟ فللزيدية المحققين على ذلك خمسة أدلة، وهي: العقل، والكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، وإجماع العترة.
أما العقل: فمن قِبَل أن الله –سبحانه- حكيم وعالم بما سيكون من اختلاف الأمة فيما تعبدهم به من العلم والعمل، وعالم أن الحق فيما الحق فيه واحد لا يكون إلا مع بعضهم، وأن معرفته لا تحصل للمتعبدين إلا بمعرِّف معلوم؛ بالنص على عينه أو صفته، وإلا كان التكليف بمعرفة الحق تكليفاً لما لا يعلم.
وأما الكتاب: فمن قِبَل إخبار الله -سبحانه وتعالى- أن لكل قوم هادياً، وأمره للمؤمنين بطاعة أولي الأمر منهم، وسؤال أهل الذكر.
ووجه الاستدلال بذلك: فلا يجوز في الحكمة والعدل أن يريد بذلك أولي الأمر من كل فرقة؛ لما فيه من الإغراء بالاختلاف واتباع الأقوال المتعارضة.(1/422)


وأما السنة: فقول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-: ((من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه وخليفة كتابه وخليفة رسوله)) وقوله: ((مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)) و((مثل باب حطة في بني إسرائيل)).
وقوله: ((في كل خلف من أهل بيتي عدول ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)).
وقوله: ((أُمِرتُ بطاعة الله وأُمِرَ أهل بيتي بطاعة الله وطاعتي، وأمر الناس جميعاً بطاعته وطاعتي وطاعة الأئمة من أهل بيتي)).
والذي يدل على أن ذريته وعترته وأهل بيته هم الحسن والحسين وذريتهما: قوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-: ((جعل الله ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي من صلب علي)) وقوله حين ضم علياً وفاطمة والحسن والحسين تحت كسائه: (( اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).
وأما إجماع الأمة: فمن قِبل تجويزهم للإمامة في كل الناس أو في كل قريش، ومن قِبل إقرارهم بأدلة الكتاب على الجملة.(1/423)


وأما إجماع العترة: فلا خلاف في إجماعهم على ادعاء ذلك وإنما الخلاف في إجماعهم هل هو حجة أو لا ؟ ومن الحجة على كونه حجة أن الله –سبحانه- قد أمر بمودتهم، والصلاة في الصلاة عليهم وجعلهم ورثة الكتاب، وأمر نبيه أن ينص عليهم، ولو علم سبحانه أنهم يجمعون على غير حق لم يجز في الحكمة والعدل أن يغر الناس فيهم.
وبذلك يبطل قول السائل المتعنت إن إجماعهم على ذلك شهادة الجار لنفسه.
وقوله: فإما أن تقيم دليلاً أو تطلبه من الشيعة.
فإن عنى الشيعة المحقين الذين ذكرهم المرتضى –عَلَيْه السَّلام- في كتاب الست المائة فليس عندهم غير ما ذكرت، وإن عنى غيرهم من فرق الشيعة فليس يجب عليّ طلب الحق منهم حتى يقيموا دليلاً على أنهم هم أهل الذكر الذين يجب سؤالهم عن كل ما وقع فيه الخلاف، وأن البينة على دعاوي الأئمة لا تكون إلا عندهم ومنهم.
والخامسة: قوله: من مذهب الزيدية –أعزهم الله تعالى- أن الإمام يجب أن يكون أفضل الناس أو كأفضلهم أو كأعلمهم، وقالت الإمامية: إنه يقبح أن يكون فوق الإمام أحد في خصاله كما يقبح أن يتولى القضاء على أبي حنيفة من هو دونه في خصال، وقد أدلوا في ذلك بالحجة الواضحة وهي أن الطريقة التي لها استحق أمير المؤمنين –عَلَيْه السَّلام- الإمامة هي اجتماع خصال الفضل فيه زائدة على كل الصحابة وأن الصحابة طلبت ذلك فيمن عقدت له الإمامة.(1/424)


الجواب: أنه لا خلاف بين الزيدية المحققين ومن لم يغلُ من الإمامية أن العترة على الجملة أفضل الناس لكونهم مصطفين لإرث الكتاب ومنصب الإمامة، وأن من بلغ منهم درجة السبق فإنه أعلم العترة أو كأعلمهم.
وفي صحة ذلك بطلان قول السائل المتعنت كأعلم الناس على الإطلاق؛ لكون ذلك مبنياً على جحد فضل العترة وتجويز إمامة المشائخ وذلك هو مذهب المعتزلة وأشباههم.
وكذلك قوله: إن علياً –عَلَيْه السَّلام- لم يستحق الإمامة إلا باجتماع خصائص الفضل مبني على جحد النص، وكل ذلك خارج عن قول الزيدية المحقين، ولأجل الجهل بالفرق بين مذهب الزيدية المحقين ومذهب المعتزلة إلتبست أقوال من جمع بين هذين المذهبين المتضادين؛ لأن النص على إمامة علي والحسن والحسين –عَلَيْهم السَّلام- وعلى منصب الإمامة حق عند الشيعة المحقين وبدعة عند المعتزلة، وكذلك إرث الكتاب خاص للعترة عند الشيعة، وعام للعلماء عند المعتزلة.
ومن فرق الشيعة من جمع بين قول الشيعة المحقين بالنص وبين قول المعتزلة بعموم إرث الكتاب، وما أشبه ذلك من الأقوال التي لأجل جمعهم بينها صاروا فرقة بين الفريقين، غير محمودين عند الفريقين ؛ لأن المعتزلة يذمونهم لأجل اتباعهم للبدعة التي هي عندهم القول بالنص، والشيعة المحقين يذمونهم لأجل موالاتهم لمن يجيز الإمامة في كل قريش، ونحو ذلك مما جرى من بني أمية وبني العباس على ظلم آل محمد –عَلَيْهم السَّلام-.(1/425)

85 / 94
ع
En
A+
A-