[جواب الإمام علي بن الحسين (ع) في محضر جماعة من أهل بيته على أبي الجارود التميمي عندما سأله كيف أصبحتم؟]
وحكايته عن زين العابدين علي بن الحسين - عَلَيْهما السَّلام - التي هي قوله: فلو لم يكن من ذلك إلا ما روينا بالإسناد الموثوق به إلى [ابن] الجارود التميمي رحمة الله عليه أنه قال: دخلت المدينة؛ فإذا أنا بعلي بن الحسين وجماعة أهل بيته وهم جلوس في حلقة فأتيتهم فقلت: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة، كيف أصبحتم رحمكم الله؛ فرفع رأسه إلي فقال: أو ما تدري كيف نمسي ونصبح، أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون الأبناء ويستحيون النساء، وأصبح خير الأمة يشتم على المنابر، وأصبح من يبغضنا يعطى الأموال على بغضنا، وأصبح من يحبنا منقوصاً حقه - أو قال: حظه - أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمداً - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - كان قرشياً، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - كان عربياً؛ فهم يطولون بحقنا، ولا يعرفون لنا حقاً؛ اجلس أبا عمران فهذا صباحنا من مسائنا.
قال الإمام - عَلَيْه السَّلام -: فهذا كما ترى تصريح من علي بن الحسين - عَلَيْه السَّلام - في محضر جماعة أهل بيته - قدس الله أرواحهم - بأنهم أفضل الخلق بنسبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وعليهم - وذلك طريق معرفة الإجماع.(1/406)
ولأن علي بن الحسين - عَلَيْه السَّلام - قدوة وإن انفرد وحده، ولأنه - عَلَيْه السَّلام - قد أكد ذلك بإجماع الكافة من العرب وقريش بادعاء الشرف والفخر بالقرب إلى رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وأهل بيته أقرب من الكافة إليه - صلى الله وملائكته عليه وعليهم -.
[جواب الإمام زيد بن علي(ع) على هشام بن عبدالملك لما افتخر ببني أمية]
وحكايته عَلَيْه السَّلام في الشافي لجواب زيد بن علي عَلَيْه السَّلام لهشام بن عبد الملك لما افتخر ببني أمية وهو قوله: (على من تفتخر؟؛ على هاشم أول من أطعم الطعام، وضرب الهام، وخضعت له قريش بإرغام؟؛ أم على عبد المطلب سيد مضر جميعاً؟؛ وإن قلت: معد كلها صدقت، كان إذا ركب مشوا، وإذا انتعل احتفوا، وإذا تكلم سكتوا، وكان يطعم الوحش في رؤوس الجبال، والطير والسباع والإنس في السهل، حافر بير زمزم، وساقي الحجيج، ربيع العمرتين؛ أم على بنيه أشرف رجال؟؛ أم على سيد ولد آدم رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-؟؛ حمله الله على البراق، وجعل الجنة بيمينه، والنار بشماله، فمن تبعه دخل الجنة، ومن تأخر عنه دخل النار، أم على أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب أخي رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وابن عمه، المفرج الكرب عنه وأول من قال: لا إله إلا الله بعد رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -؟ لم يبارزه فارس قط إلا قتله، وقال فيه رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم ما لم يقل في أحد من أصحابه، ولا لأحد من أهل بيته.(1/407)
[كلام الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع) في أمر الوصي (ع) والمشائخ]
وحكايته - عَلَيْه السَّلام - عن محمد بن عبدالله النفس الزكية - عَلَيْه السَّلام - لكلام منه قوله: (فنظر علي - عَلَيْه السَّلام - للدين قبل نظره لنفسه؛ فوجد حقه لا ينال إلا بالسيف المشهور، وتذكر ما هو به من حديث عهد بجاهلية فكره أن يضرب بعضهم ببعض؛ فيكون في ذلك ترك الألفة فأوصى بها أبو بكر إلى عمر عن غير شورى ؛ فقام بها عمر وعمل في الولاية بغير عمل صاحبه، وليس بيده فيها عهد من رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -، ولا تأويل من كتاب الله، إلا رأي توخَّاه هو فيه مفارق لرأي صاحبه، جعلها بين ستة ووضع عليهم آمراً أمرهم إن هم اختلفوا أن يقتل الأول من الفتية، وصغروا من أمرهم ما عظم الله، وصاروا سبباً لولاة السوء، وسدت عليهم أبواب التوبة، واشتملت عليهم النار بما فيها، والله جل ثناؤه بالمرصاد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).(1/408)
[بعض من جواب الإمام يحيى بن عبدالله (ع) على هارون]
وحكايته - عَلَيْه السَّلام - لجواب يحيى بن عبدالله - عَلَيْه السَّلام - لهارون الذي منه قوله: (وإن أعش فمدرك ثأري، داعياً إلى الله سبحانه على سبيل الرشاد أنا ومن اتبعني، نسلك قصد من سلف من آبائي وإخوتي وإخواني، القائمين بالقسط الدعاة إلى الحق، وإن أمت فعلى سنن ما ماتوا غير راهب لمصرعهم، ولا راغب عن مذهبهم؛ فلي بهم أسوة حسنة، وقدوة هادية؛ فأول قدوتي منهم أمير المؤمنين رضوان الله عليه إذ كان ما زال قائماً وقت القيام مع الإمكان حتماً، والنهوض لمجاهدة الجبارين فرضاً؛ فاعترض عليه من كان كالظلف مع الخف، ونازعه من كان كالظلمة مع الشمس، فوجدوا لعمر الله من حزب الشيطان مثل من وجدت، وظاهرهم مثل من ظاهرك، وهم لمكان الحق عارفون، ولمواضع الرشد عالمون، فباعوا عظيم أجر الآخرة بحقير عاجل الدنيا، ولذيذ الصدق بغليظ مرارة الإفك، ولو شاء أمير المؤمنين لهدأت له، وركنت إليه، بمحاباة الظالمين، واتخاذ المضلين، وموالاة المارقين، ولكن أبى الله ورسوله أن يكون للخائنين متخذاً، وللظالمين موالياً، ولم يكن أمره عندهم مشكلاً؛ فبدلوا نعمة الله كفراً، واتخذوا آيات الله هزواً، وأنكروا كرامة الله، وجحدوا فضيلة الله، فقال رابعهم: أنى تكون لهم الخلافة والنبوة حسداً وبغياً؛ فقديماً ما حُسِد النبيون وأبناء النبيين الذين اختصهم الله بمثل ما اختصنا؛ فأخبر تبارك وتعالى فقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا(54)} [النساء]، فجمع لهم المكارم والفضائل، والكتاب والحكمة والنبوة والملك العظيم).(1/409)
[كلام الإمام القاسم بن إبراهيم (ع) في التفضيل]
وحكايته - عَلَيْه السَّلام - في شرح الرسالة الناصحة عن القاسم بن إبراهيم - عَلَيْه السَّلام - أنه قال في أول كتاب تثبيت الإمامة:(الحمد لله فاطر السماوات والأرض، مفضل بعض مفطورات خلقه على بعض، بلوى منه تعالى للفاضلين بشكره، واختباراً للمفضولين بما أراد في ذلك من أمره؛ ليزيد الشاكرين في الآخرة بشكرهم من تفضيله، وليذيق المفضولين بسخط إن كان ذلك منهم من تنكيله، ابتداء في ذلك للفاضلين بفضله، وفعلاً فعله بالمفضولين عن عدله؛ [و]لقوله جل ثناؤه، وتباركت وتقدست أسماؤه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23)} [الأنبياء].
قال الإمام - عَلَيْه السَّلام -: فهذا تصريح منه - عَلَيْه السَّلام - بالمفاضلة منه بين خلقه، وبأنه ابتدأهم بذلك، وبأنه أوجب على الفاضلين الشكر، وعلى المفضولين الصبر، وأن المفضولين إن سخطوا حكمه وقسمه في ذلك نكلهم، وأن الفاضلين إن شكروا زادهم في الآخرة، وأعطاهم ثواب الشاكرين، وهذا مذهبنا بغير زيادة ولا نقصان، قد أجمله - صلوات الله عليه - في هذا الفصل، والحمد لله الذي جعلنا من ذريته، وهدانا لسلوك منهاجه.
فالواجب على العاقل إنصاف نفسه، وتصفح قول هداته وأئمته، وإمعان النظر في كتاب ربه، والاقتداء بالمستحفظين من عترة نبيه - صلى الله عليه وعليهم أجمعين -.(1/410)