وقوله - عَلَيْه السَّلام -: أمر النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أمته باتباع عترته المطهرة؛ فخالفوه في ذلك ولهم أتباع في كل وقت يقتفون آثارهم في خلاف العترة الطاهرة حذو النعل بالنعل، بل قد تعدوا ذلك إلى أن قالوا: هم أولى بالحق منهم، واتباعهم أوجب من اتباع هداتهم، فردوا بذلك قول النبي صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم: ((قدموهم ولا تقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).
وقوله في جوابه لمن يزعم أنه مماثل للإمام في كثير مما أنعم الله به عليه بعد احتجاجه - عَلَيْه السَّلام - بتفضيل الله سبحانه للذهب على الرصاص ونحو ذلك، ثم عقبه بقوله: وكذلك أنت أيها المخالف الطالب مماثلة العترة الطاهرة بزعمك بما ذكرت من الوجوه الفاتحة باب الجهالات، وإنْ أنعم الله عليك بشيء من نعمه فإن من شكرها ألا تنكر تفضيله لما فضل من خلقه ابتداء، ولمن فضل.
واعلم أن هذه مهواة دحضت فيها قدم إبليس -عليه لعنة الله ولعنة اللاعنين من الملائكة والناس أجمعين- وذلك أنه أنكر تفضيل الله سبحانه لآدم - صلوات الله عليه - ابتداء، وهذا كفر.(1/391)


إلى قوله - عَلَيْه السَّلام -: فتدبر موفقاً ما ذكرت لك فإنه يفضي بك إلى برد اليقين، ولذة العلم، ويخرجك عن دائرة المقلدين، وأهل الحيرة المتلددين، الذين نبذوا هداتهم، ولم يرضوا بهذه المصيبة حتى أضافوا إليها ما هو أعظم منها وهو أنهم مثلهم، وربما يتعدا ذلك منهم من يختص بضرب من الصفاقة والوقاحة فيركب مركب إبليس - لعنه الله - في أنهم أفضل من أهل عصرهم من عترة نبيهم، ويحتج لذلك بكثرة عبادته كما فعل الملعون.
وقوله: واعلم أن الاستدلال على تفضيل أهل البيت - عَلَيْهم السَّلام - أسقطجميع الأقوال فلا وجه لإفراد كل فرقة منها بالذكر.
[الكلام في تفضيل أهل البيت(ع)]
وقوله - عَلَيْه السَّلام -: ومما يؤيد ذلك ما رويناه بالإسناد الموثوق به إلى النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((قال لي جبريل -عَلَيْه السَّلام-: طفت مشارق الأرض ومغاربها؛ فلم أر أهل بيت أفضل من بني هاشم)) ولا شك أن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أفضل بني هاشم؛ فما ظنك بمذهبٍ يؤدي إلى رد شهادة جبريل - عَلَيْه السَّلام -، ثقة الملك الجليل سبحانه وتعالى، وإنكار فضل أفضل الخلق؛ فنعوذ بالله من الزيغ بعد الهدى، وموافقة أسباب الردى.(1/392)


[ذكر إجماع أهل البيت(ع)أنهم أفضل الناس]
ولأن أهل البيت مجمعون بحيث لا يعلم خلافه أنهم أفضل الناس لولا ذلك لما أوجبوا على الأمة الرجوع إلى أقوالهم، والاقتداء بأفعالهم، وإجماعهم حجة كما قدمنا، وهذا - أعني اعتقاد فضل أهل البيت عَلَيْهم السَّلام - مذهب الزيدية خصوصاً، وطبقات الشيعة عموماً، ولم يعرفوا من بين الفرق إلا بذلك، وبما يؤدي إليه، مما ينبني عليه.
وذلك أنهم اعتقدوا فضل أهل البيت - عَلَيْهم السَّلام - وأخذوا الدين عنهم بالأدلة، وأوجبوا على سائر الخلق مشايعتهم على ذلك؛ فسموا شيعة، وذلك ظاهر، ولأنهم لو لم يعتقدوا فضلهم، لم يصغوا إلى كلامهم، كما فعل غيرهم من الناس، ولا نعلم خلافاً في عموم ذلك فيهم - عَلَيْهم السَّلام - إلا مع الروافض الظالمين، والنواصب الكافرين؛ فنعوذ بالله من حالهم أجمعين.
وقد قال الله تعالى رداً عليهم: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...الآية} [فاطر:32]، وأهل البيت - عَلَيْهم السَّلام - مجمعون بأنهم المرادون بهذه الآية، وإجماعهم حجة كما قدمنا؛ فأخبر تعالى أنهم صفوته من خلقه، وصفوة كل شيء أفضله، ولذلك قضينا بأنهم أفضل الخلق.(1/393)


وقوله - عَلَيْه السَّلام -: وقد روينا عن أبينا رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((من كان في قلبه مثقال حبة من خردل عداوة لي ولأهل بيتي لم يرح رائحة الجنة)) ولا نعلم أشد لهم عداوة ولا أعظم مكيدة لدين الله ونبيه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - ممن أنكر فضل عترته وساوى بينهم وبين غيرهم.
وقوله: كيف يكون شيعياً لآل محمد - عَلَيْهم السَّلام - من أنكر فضلهم، وقبس العلم بزعمه من غيرهم.
وقوله: فما ظنك بمن أنكر فضل ثمرةٍ؛ رسولُ الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أصلها، وزعم مع ذلك أنه شيعي لها، ما تنفع الدعوى بغير شهود.
وقال - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((المرء مع من أحب، وله ما اكتسب)).
إلى قوله: وورود الحوض لا يكون إلا لأتباع آل محمد - صلوات الله عليهم - فهم أشياعهم، ولا يكون ذلك إلا بالإعتراف بفضلهم، ومطابقتهم في قولهم وعملهم واعتقادهم، ولا يرد الحوض إلا من خلصت مودته لهم، ولا تخلص مودة من أنكر فضلهم، وجحد حقهم، وساوى بينهم وبين غيرهم.(1/394)


وقوله: منكر فضل أهل البيت - عَلَيْهم السَّلام - يشارك قتلة زيد بن علي - عَلَيْه السَّلام - وأصحابه - رضي الله عنهم - في سفك دمائهم ووزر قتالهم؛ لأن علة قتالهم لزيد إنكار فضله وفضل أهل بيته - صلوات الله عليهم - وما أوجب الله على الكافة من توقيرهم، والرجوع إليهم، وأخذ العلم عنهم، والجهاد بين أيديهم.
وقوله - عَلَيْه السَّلام -: لا أعلم لإنكار هذه الفرقة المنتسبة إلى أهل البيت الشريف عند الله في الدنيا والآخرة وجهاً يُصرَفُ إليه إنكارهم لفضلهم -سيما مع إيهامهم للناس أنهم خواصهم وأتباعهم دون غيرهم، حتى إذا نسب إليهم خلافهم لهم ضجوا من ذلك وأنكروه- إلا عجبهم بنفوسهم واستكثارهم لأعمالهم، وقولهم من أطول منا عبادة، وأكثر منا علماً، أو لم يعلموا أن العترة المطهرة التي ملكها الله تعالى أزمتهم، وافترض عليهم الرجوع إليها في جميع الأوقات إلى آخر التعبد، أزكى منهم عبادةً، وأغزر علماً، وأرجح حلماً، وأرصن فهماً؛ فكيف لا يكونون كذلك وأهل ذلك، وهم عترة رسول الله – صلى الله عليه وعليهم – وورثة علمه، وصفوته من خلقه؛ فينتج العُجْب الذي ذكرنا أنه لا فضل إلا بعمل، وهذا كما ترى جهل وقد قدمنا بيانه.
وانضاف إليه اعتقاد فاسد، وهو أنهم أعمل الناس فازدوجا فأنتجا أنهم أفضل الناس ففرحوا بهذه النتيجة وأعجبوا بها، ولم يبلغ فهمهم إلى أن النتائج لا تصح إلا أن تكون مقدماتها صادقة، فإن العجب يحمل صاحبه على دعوى مالم يجعل الله تعالى له.(1/395)

79 / 94
ع
En
A+
A-