قال الإمام - عَلَيْه السَّلام -: الجواب عن ذلك من وجهين: أحدهما: أن الذي ادعوه من مخالفة ولد الحسين لولد الحسن في ذلك دعوى باطلة يعلم ذلك كل من علم قصص الصدر الأول وأخبارهم نحو قصة محمد بن عبدالله - عَلَيْه السَّلام - ومن اتبعه من ولد الحسين.
والوجه الثاني: أن يجاب عن ذلك بمثل ما يجاب من زعم من اليهود أن إجماعنا معهم على نبوة موسى - صلى الله عليه- ومخالفتهم لنا في نبوة محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - دليل على بطلان ما اختلفنا فيه؛ هذا مع ما ذكره - عَلَيْه السَّلام - من الأدلة على بطلان قولهم بالنص.
من ذلك: قوله - عَلَيْه السَّلام -: إنه لا دليل لهم [عليه]؛ لأنه لو كان عليه دليل لاشتهر كما اشتهر الدليل على النص على علي - عَلَيْه السَّلام - وولديه؛ لأن كل تعبد أوجبه الله سبحانه؛ فإنه لا بد أن يكون للمتعبدين طريق إلى معرفة وجوبه، وإلا كان التعبد به تكليفاً لما لا يعلم.
قال: ولأن النص الذي ادعوه لو كان معلوماً لهم كما ادعوا لما اختلفوا فيه كما لم يختلفوا في النص على علي - عَلَيْه السَّلام - وولديه - عَلَيْهما السَّلام -، ولأنهم وصفوا أئمتهم، الذين ادعوا أنه منصوص عليهم، بما لا يجوز أن يوصف به إلا الله سبحانه، وبما لا يجوز إلا للأنبياء - عَلَيْهم السَّلام -، وكل ذلك تعدٍ للحدود.(1/386)


[حكاية أقوال منتزعة من كتب الإمام المنصور بالله (ع) متضمنة لمدح العترة (ع) وذم من خالفهم]
وأما الفصل الثالث: وهو في حكاية أقوال منتزعة من كتبه(ع) متضمنة لمدح العترة(ع) وذم من خالفهم، وأنكر فضلهم، واستغنى عنهم بغيرهم
فمن ذلك: قوله - عَلَيْه السَّلام - في شرح الرسالة الناصحة: وإذ قد فرغنا من الكلام في بطلان مذاهب المخالفين؛ من الخوارج والمعتزلة والإمامية، ومن انضاف إليهم من شذاذ الأمة، والمنتسبين إليها من الناصبين للإسلام المكائد، بالدخول فيه إيهاماً من غير حقيقة لإظهار الله سبحانه لدينه كما وعد، {عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [الصف:9]، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8)} [الصف]، وكيف يتم مرام الكائدين، وقد جعل الله في كل وقت من الأوقات من أهل بيت نبيه الصادقين، وأتباعهم المستبصرين، - صلوات الله عليهم أجمعين -، من يفل شباهم، ويُخْبِرُ الناس أنباءهم.
وقوله - عَلَيْه السَّلام -: [و]قد فسد القول بجواز الإمامة في جميع الناس، وهو قول الخوارج، وفسد القول بثبوت النص، وهو قول الإمامية ومن تبعها؛ فوجب اعتبار المنصب، وأهل المنصب فرقتان:
فرقة هم القائلون بأن منصبها جميع قريش، وهم المعتزلة ومن طابقهم، وقد تبين فساد قولهم.(1/387)


وفرقة قالوا: إنها مقصورة في ولد الحسن والحسين - عَلَيْهم السَّلام -، وهم الزيدية الجارودية؛ فلو بطل قولهم أيضاً لخرج الحق عن أيدي جميع الأمة، وذلك لا يجوز لأنهم الأمة المختارة الوسطى، والله سبحانه لحكمته لا يختار من يخرج الحق من يده.
[ذكر أنه لا يمر وقت من الأوقات إلا وفي أهل البيت(ع) من يجب اتباعه ويحرم خلافه]
وقوله - عَلَيْه السَّلام -: واعلم أن مما يجب أن يعلمه كل مسلم أنه لا يمر عصر من الأعصار، ولا وقت من الأوقات، إلا وفيهم من يصلح للإمامة، ويؤهل للزعامة، وأن الأمة إنما أتيت من قبل أنفسها، لا من قبل عترة نبيها - عليه وعليهم أفضل السلام -.
وكيف لا يكونون كذلك وأهل ذلك، وهم أمناء الله في بلاده، وشهوده على عباده، وهم حفظة هذا الدين ورعاته، وأمناؤه وثقاته، وبهم يحرس الله هذه الأمة من عاجل النقمات، وينزل عليهم نافع البركات.
وقوله: انظر أيّدك الله بفكر ثاقب كيف يسوغ إنكار فضل قوم تُبْدأُ بذكرهم الخطب، وتُخْتَمُ بذكرهم الصلاة؛ حتى لا تتم صلاة مسلم إلا بذكرهم، وذكرهم مقرون بذكر الله سبحانه وذكر رسوله - صلى الله عليه وعليهم - أين العقول السليمة والأفكار الصافية من هذا؟(1/388)


وقد بلغنا عن بعض من ينفي [فضل] أهل البيت – عَلَيْهم السَّلام – أن الحجة إذا لزمته في ذلك ذهب إلى القسم الثالث، وهو الظالم لنفسه، وذكره وأراه العوام، وقال: كيف يجب إتِّباع هذا بل كيف يجوز؟ ليسقط الحجة عنه، وذلك بعيد؛ لأنه لا يجوز مرور وقت من الأوقات، ولا عصر من الأعصار إلا وفيهم – سلام الله عليهم – من يجب اتباعه، ويحرم خلافه من الصالحين، الذين هم أعلام الدين، وقدوة المؤمنين، والقادة إلى عليين، والذادة عن سرح الإسلام والمسلمين، وبهم أقام [الله] الحجة على الفاسقين، ورد كيد أعداء الدين، وهم القائمون دون هذا الدين القويم، حتى تقوم الساعة، ينفون عنه شبه الجاحدين، وإلحاد الملحدين.
وقوله - عَلَيْه السَّلام -: والأصل في تشعب هذه المقالات إهمال العقول، واطراح الدليل، ومخالفة آل الرسول - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - في أمر هذه الأمة بالرجوع إلى أهل بيت نبيها الذين شهد لهم بملازمة الكتاب، إلى يوم الحساب، وأخبر أن فيهم العلم والصواب.
[حكم من أنكر فضل أهل البيت(ع)]
وقوله: ومن كان يدعي الإيمان وينكر فضلهم لم يكن له بد من أحد أمرين: إما أن يرجع إلى الحق في اعتقاد تفضيل الله لهم، ووجوب طاعتهم، والانقياد لأمرهم، ولا شك أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وإما الخروج عن هذه الدعوى الشريفة التي هي الإيمان؛ لأن من خالفهم خرج من زمرة المؤمنين، ولحق بأعداء الله الفاسقين.(1/389)


وقوله - عَلَيْه السَّلام -: ولا شك في أن إنكار فضلهم، وجحدان شرفهم يكون انسلاخاً عن الدين جملة؛ لأن المعلوم من إجماعهم - صلوات الله عليهم - أنهم أفضل البشر بعد رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -.
وقوله - عَلَيْه السَّلام -: من أنكر فضل العترة الطاهرين - عَلَيْهم السَّلام - ومفاضلة الله تعالى بين عباده فسق بالاتفاق، ولم يبعد تكفيره لرده نصوص الكتاب العزيز التي لا يصح تأويلها على ذلك إلا بالتعسف.
وقوله: ولولا ادعاء فرعون الربوبية ومظاهرة هامان - لعنهما الله - له على ذلك لكان لقولنا إن منكر فضل آل محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أشد منهما ومن أتباعهما عذاباً مساغٌ في الاستدلال.
وقوله: ولا أتمّ رئاسة، ولا أعظم نفاسة؛ مما حكم الله سبحانه وتعالى به لآبائنا – عَلَيْهم السَّلام -، وأورثنا إياه إلى يوم نشر العظام، من ولاية خاص خلقه والعام، وإلحاق الكفر والفسق بمن أنكر حقنا في ذلك من جميع الأنام.(1/390)

78 / 94
ع
En
A+
A-