[الجواب على من قال بأن الأمر باتباع أئمة العترة(ع) يكون أمراً بالتقليد]
فإن قيل: الأمر باتباع أئمة العترة [-عَلَيْهم السَّلام-] يكون أمراً بالتقليد.
والجواب: قول الإمام - عَلَيْه السَّلام -: وكيف نرخص في التقليد، ونحن أشد الناس ذماً للمقلدين، فما أمرنا العباد بالرجوع إلينا، واتباع آثارنا، إلا بما أمرهم به أحكم الحاكمين، وذلك ظاهر في قوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43)} [النحل]، والذكر هو الرسول - صلى الله عليه وعلى آله الطيبين - بدلالة قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ ءَامَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا(10) رَسُولًا...الآية} [الطلاق]، فكان مما تلاه على الكافة من الآيات، وبينه لهم من الدلالات، وأخرجهم به من الظلمات، أَمْرُهُ لهم باتباع عترته، والاقتداء بذريته، وأمّنهم مع التمسك بهم من الضلال، وهو صادق مصدوق، وذلك ثابت فيما رويناه بالإسناد الموثوق به من قوله - عَلَيْه السَّلام -: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)).(1/381)


قال - عَلَيْه السَّلام -: وهذا كما ترون أمرٌ للكافة بالاتباع، وردّ على من ادعا من الرفضة والنواصب مفارقة العترة الطاهرة - عَلَيْهم السَّلام - للكتاب.
إلى قوله - عَلَيْه السَّلام -: لما روينا عن آبائنا الطاهرين - سلام الله عليهم - عن جدهم خاتم النبيين، الشفيع المشفع يوم الدين، صلى الله عليه وعلى آله الأكرمين، أنه قال: ((قدموهم ولا تقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).قال - عَلَيْه السَّلام -: فهذا تصريح منه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - بما قلنا، وفوق ما قلنا من وجوب اتباعهم، والاقتداء بهم، وأخذ العلم عنهم، وقلة المخالفة لهم، وتحريم الطعن عليهم؛ فكيف يسوغ لمسلم التخلف عنهم، فضلاً عن نسبته نفسه إلى الصواب والوفاق، ونسبتهم بزعمه إلى الخلاف والشقاق، لولا اتباع الهوى، وتغليب جنبة الضلال على جنبة الهدى.
فإن قيل: قد أكثرتم في أمرهم، ونحن نعاين من أكثرهم المعاصي، ومنهم عندكم من هو ضال في الدين؛ فكيف يسوغ لكم تضيفون إليهم أسباب الهدى ووراثة الكتاب.
الجواب: قال الإمام - عَلَيْه السَّلام -: قلنا: هذا سؤال ممن استوضح سلسال فرات الدين من مد بصره ثم قام هناك، ولم يزاحم على شرائعة بمنكبيه؛ لأن ما ذكر لا يخرجهم من ذلك، وكيف يخرجهم والله عز من قائل يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(26)} [الحديد]، ففسق الفاسق كما ترى لم يسقط وجوب الرجوع إلى المهتدي.(1/382)


وقال عز من قائل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ} [فاطر:32]، فصرح عز وجل باصطفائه لهم مع أن فيهم الظالم لنفسه؛ لأنه علام الغيوب، وقد ذكره للبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد؛ فقد رأيت تهدم هذا السؤال من كل جانب، بكلام الصادق الذي لا يجوز عليه الكذب.
[الجواب على من قال بأن لفظ عترة النبي(ص) يعم ذريته وغيرهم]
فإن قيل: إن لفظ عترة النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - يعم ذريته وغيرهم.
الجواب: قول الإمام - عَلَيْه السَّلام -: كون عترة النبي خاصاً لذريته مجمع عليه، وضم غيرهم إليهم مختلف فيه؛ فالمجمع عليه يجب اتباعه، والمختلف فيه ينتظر الدليل، ولأن أهل الكتب الكبار في اللغة قد ذكروا أن العترة مأخوذة من العتيرة وهي نبت متشعب على أصل واحد شبه به أولاد الرجل وأولاد أولاده لتشعبهم عنه، ولأن اللفظ إذا أطلق سبق إليهم دون غيرهم، وذلك دليل على أنهم عترة النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - دون غيرهم؛ فإن عنى بذلك غيرهم كان مجازاً، ولأن إجماعهم منعقد على أنهم عترة النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - دون غيرهم.
إلى قوله: وهم ذووا أرحام النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لغة وعرفاً وشرعاً، وقد قال الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال:75]، فهم أولى بالنبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم.(1/383)


إلى قوله: فهم عترته بهذه الوجوه جميعها، التي يوصل النظر في بعضها إلى العلم؛ فكيف بمجموعها، فقد صار اتباعهم واجباً، وقصر الإمامة فيهم أحد أصول أقوالهم المهمة.
وغيرهم من الأمة وقريش لم يرد في بابهم ما يوصل إلى الظن فضلاً عن العلم، ولأنه قد قيد الخبر في بابهم بقوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((أهل بيتي)) وحصرهم بما ذكر بلا اختلاف في حديث الكساء، حتى أن أم سلمة - رحمة الله عليها - جاءت لتدخل معهم فدفعها، وقال: ((مكانك وإنك على خير)) ثم قال: ((اللهم إن هؤلاء عترتي أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).(1/384)


ومن احتج بهذا الخبر على وجه من الوجوه لم يفرق بينهم وبين أولاد الحسن والحسين - عَلَيْهم السَّلام - إلى سائر الأعصار، ولم يدخل معهم أحداً من أولاد علي - عَلَيْه السَّلام - ولا غيرهم من بني هاشم، ولولا هذا الخبر وكون أمير المؤمنين علي - عَلَيْه السَّلام - معهم تحت الكساء وإشراك النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - له معهم لما قضينا بأن علياً - عَلَيْه السَّلام - من العترة فاستعمال لفظ العترة في أولاد الحسن والحسين - عَلَيْهم السَّلام - حقيقة لما قدمنا، مجاز في أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - بدلالة الخبر، وقد صار في علي - عَلَيْه السَّلام - لكثرة الإستعمال حقيقة، وخطاب الحكيم بالمجاز جائز في الحكمة، جواز الخطاب بالحقيقة، وكذلك الكلام في لفظ القربى.
وروي عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه سئل عن قرابته الذين أمر الله بمودتهم؟ فقال: ((علي وفاطمة وابناهما)).
[ذكر شبهة للإمامية والجواب عليها وذكر بعض الأدلة على بطلان قولهم بالنص]
فإن قال بعض الإمامية: إن إجماع ولد الحسن مع ولد الحسين على جواز قصر الإمامة فيهم معاً، ومخالفة ولد الحسين لولد الحسن في جواز قصرها فيهم خاصة دليل يحج ولد الحسن.(1/385)

77 / 94
ع
En
A+
A-