الجواب: قال الإمام عَلَيْه السَّلام: لو كان مفسداً لصلاته لما مدحه الله سبحانه، ولأنه يجوز أن يكون ذلك قبل النهي عن الأفعال في الصلاة، ويجوز أن يكون ذلك فعلاً قليلاً مما رخص في مثله نحو درء المار وتسوية الثياب والتأخر من صف إلى صف، ويجوز أن يكون ذلك خاصاً له - عَلَيْه السَّلام - لبعض ما يعلمه الله سبحانه من المصالح.
فإن قيل: إن الله سبحانه نهى قبل هذه الآية عن موالاة اليهود والنصارى، ثم عقب ذلك بتولي المؤمنين.
الجواب: قال الإمام عَلَيْه السَّلام: ذلك مما يؤكد قولنا؛ لأن الله تعالى نهى عن موالاة بعض من الخلق مخصوصين، وولَّى على المؤمنين بعضاً منهم مخصوصاً، ذكره بلفظ الجمع للتعظيم.
[الجواب على من قال بلزوم وجوب الإمامة لجميع أولاد أمير المؤمنين(ع)]
فإن قيل: لو صحّ ذلك وما أشبهه من الأدلة للزم وجوب الإمامة لجميع أولاد علي - عَلَيْه السَّلام -.
قال الإمام - عَلَيْه السَّلام -: الجواب عن ذلك من وجهين: جدلي وعلمي.
أما الجدلي: فهو أن أحداً من أولاد علي - عَلَيْه السَّلام - سوى الحسن والحسين - على جميعهم السلام - لم يدعها لنفسه مع بلوغهم الغاية القصوى في الفضل والعلم، وكل دعوى للغير في الشرع لا تسمع إذا كانت من غير ولاية ولا وكالة.(1/376)


وأما العلمي: فهو أن عموم الآية مخصص بإجماع العترة، وإجماعهم حجة؛ لما ثبت بالدليل من كونهم خيرة الله سبحانه اصطفاهم لإرث كتابه، وللشهادة على الناس، وهو سبحانه لحكمته لا يختار إلا العدول، والعدول لا يقولون إلا الحق، والحق لا يجوز خلافه، [وكلما لا يجوز خلافه] فهو حجة.
[الجواب على من قال: لا يصح إجماع العترة فيما يرجع إليهم]
فإن قيل: لا يصح إجماع العترة فيما يرجع إليهم؛ لأنه يكون مثل شهادة الجارِّ إلى نفسه.
الجواب: قال الإمام - عَلَيْه السَّلام -: ذلك تخصيص بغير دليل، وهو لا يجوز.
قال: ولأن الشاهد لهم بذلك هو النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -، ولأنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أمر باتباعهم عموماً في الأقوال والأفعال، ولم يخص حالاً من حال، وأمَّن في اتباعهم من مواقعة الضلال.
قال: ولأن هذا الإعتراض يفتح باب الجهالات، ويسد طريقة الإجماع، وذلك باطل؛ لأن أكثر ما أجمعت عليه الأمة إنما وقع في أمور ترجع إليها، فكما لا يجوز الإعتراض بذلك على الأمة لا يجوز على العترة عَلَيْهم السَّلام.(1/377)


[بيان وجوب اتباع أهل البيت (ع)]
فإن قيل: من أين يجوز لكم إطلاق القول بأنه يجب إتباع أهل البيت - عَلَيْهم السَّلام - وفيهم الظالم لنفسه إما بمعصية ظاهرة، وإما بضلال في الدين كما يقولون فيمن خالفهم.
الجواب: قال الإمام - عَلَيْه السَّلام -: قلنا: جاز ذلك كما جاز إطلاق القول بوجوب اتباع القرآن مع أن فيه المنسوخ والمتشابه.
[وقال - عَلَيْه السَّلام - في موضع غير هذا من الكتاب:] ولأن في الكتاب المحكم والمتشابه والمنسوخ فكذلك فيهم السابق إلى الخيرات، والظالم لنفسه، والمخطئ في التأويل؛ فالسابق بالخيرات هو الإمام ومن اقتدى به منهم؛ وهو بمنزلة المحكم يجب الرجوع إلى أوامره، والإنزجار عن مناهيه، وذلك معنى الإمامة، والظالم لنفسه بمنزلة المنسوخ وهو المصرح بالمعصية، والمخطئ في التأويل هو الداخل في المذاهب الخارجة عن الحق، وهو بمنزلة المتشابه.(1/378)


[الجواب على من قال بأن الأدلة مقصورةعلى الحسن والحسين وبيان دخول الذرية]
فإن قيل: ما المانع أن تكون الأدلة مقصورة على الحسن والحسين - عَلَيْهم السَّلام -؟
فالجواب: قول الإمام - عَلَيْه السَّلام - بعد استدلاله على ذلك بقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لفاطمة - عليها السلام -: ((ائتيني بزوجك وابنيك)) فجاءت بهم؛ فألقى عليهم كساء فدكياً ثم قال: ((اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل شرائف صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد)).
ثم قال - عَلَيْه السَّلام -: وأولاد الحسن والحسين -عَلَيْهم السَّلام- داخلون تحت هذا الحكم لثلاثة أوجه:
أحدها: أن أحداً من الأمة لم يفرق بينهم فلا يجوز إحداث الفرق؛ لأنه يكون اتباعاً لغير سبيلهم.
والثاني: إجماع العترة [الطاهرة] - عَلَيْهم السَّلام - على أنهم داخلون تحته.
والثالث: أن إخراجهم من هذا الظاهر يؤدي القائل به إلى الكفر والإلحاد، ولا يبعد الله إلا من كفر.
بيان ذلك: أنا نقول: لأي معنى أخرجتهم؟(1/379)


فإن قال: لأن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - خص أولئك بالذكر فلا أدخل معهم من لم يذكره - عَلَيْه وآله السَّلام -.
قلنا له: ما ترى في رجل تزوج بنت بنته أو بنت أخيه أو أخته ما يكون حكمه؟
فإن قال: كافراً، صدق لأن الحكم الوارد من الله تعالى ومن رسوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - يجب طرده ولا يجوز قصره على الإطلاق، وإن قال: مؤمناً مصيباً في فعله -لأن الله تعالى خص البنت والأخت بالذكر، وطرد القول في ذلك حِراسة لمذهبه الفاسد- كفر بإجماع الأمة.(1/380)

76 / 94
ع
En
A+
A-