انظركيف يجوز أن يضاف إليه (عَلَيْه السَّلام) أنه لم يف بعهده وميثاقه، وكيف يجوز أن يترك تصديقه في هذا وشبهه لأجل روايات لا دليل على صحتها، ولا ثقة بمن أسندت إليه من النسوان والمتشيعين الذين حكى عنهم بعض إخوة المهدي - عَلَيْه السَّلام-.
ومما يعارض به قول من زعم أنه كان يرى ما حُكي عنه في المنام:
قوله - عَلَيْه السَّلام – [في كتاب الإمامة]: واعلم أن الإمامة لا تصح بالملاحم والمنام، ولا تبطل إمامة الأئمة بالأحلام؛ لأن الرؤيا وإن كانت من حكمة الله جل جلاله، وعظمت نعمته وإفضاله، فإنها تحمل على التأويل، ولا يعتبر ظاهرها في جميع الأقاويل، والحكيم لا يصرح بكل أسبابه، لما في النظر والتمييز من ثوابه، مع ما في النظر من لقاح العقل، وبطلان الحَيْرَة والجهل، وربما رؤيت الرؤيا للرجل، وإنما المراد بها سواه من ذريته، أو بعض إخوانه وقرابته.
[مناقشة حسنة]
فصل: يشتمل على مسائل:
الأولى: إذا كان للمهدي - عَلَيْه السَّلام - أقوال مجمع على صحتها، وأقوال مختلف فيها، ما الواجب أن نتبع من ذلك في وقت الفترة ؟
الثانية: إذا كان لا بد لله سبحانه من حجة من العترة في كل عصر وكان كل حجة بعد المهدي – عَلَيْه السَّلام – لا يصدق بما شنع عليه، هل يجب الإقتداء به مع ذلك، أم يجب رفضه؟(1/361)


الثالثة: إذا كان مهدي عيسى - عَلَيْهما السَّلام - لا يعلم أنه هو إلا بعد ظهور عيسى –عَلَيْه السَّلام- ولا يعلم أن عيسى هو هو حتى يحيي الموتى؛ فكيف يعلم مع عدم ذلك ؟
الرابعة: إذا كان فضل النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - مجمعاً على كونه معلوماً بالنص؛ فكيف يجوز نسخه بفضل مختلف فيه ؟
الخامسة: هل تصح إمامة من يدعي خلاف ما أجمعت عليه الأمة ؟ مع أن من شرط صحة إمامته ألا يخالف شيئاً من الأدلة، وأن يكون مقتدياً بمن قبله من الأئمة، وغير مخالف لإجماعهم.
السادسة: لو صح القول بتفضيل المهدي –عَلَيْه السَّلام- على النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-؛ هل يكون فضله عليه معقولاً أو مسموعاً ؟ تفضلاً أو مجازاة؟ وهل يكون قبل ظهور عيسى أو بعده ؟
السابعة: إذا قام من العترة بعد المهدي – عَلَيْه السَّلام – إمام وأنكر بعض ما يجد في كتب المهدي [(عَلَيْه السَّلام)] من الروايات هل يكذب أو يصدق – كما قال القاسم بن علي [العياني] – عَلَيْه السَّلام – في كتاب ذم الأهوى والوهوم في مثل ذلك: واحذروا رحمكم الله من فتنة الهوى، ومخالفة حجج الله التي تعاين وترى، ولا تأتموا بالأخبار التي ترد عليكم من أئمة الهدى، فإن الله لم يجعل حججه خبراً فاسداً، ولا كتاباً مفرداً، ليس معه من ذرية الرسول معين-؟
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
**************************(1/362)


قال القاضي الأجل الأوحد الأفضل، العالم العامل الأكمل، أبو عبدالله محمد بن جعفر بن الشبيل بن غالبيه رحمه الله تعالى: لما سمعت من السيد الشريف الفاضل حميدان بن يحيى هذه المجموعات التي جمعها، وذلك بعد أن نسختها من الكراريس التي بخطه، ومن جملتها هذا الذي من كلام مولانا الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم - سلام الله عليه ورضوانه - قلت فيه - عَلَيْه السَّلام - أبياتاً وهي هذه:
هذا إمام عالم عامل
ومن موالاة لأعدائه
قف واتق الله إله السما
إن تك منه اليوم مستقرضاً
أدين أن الحق ما قاله
وأن من في فضله قد غلا
فخف إله الخلق يا من غلا
مثل ابن غطريف الذي لم يقل
قال ابن غطريف الذي قاله
ورد ما قال ولم يرضه
صلى عليه الله من راحض

أبرأ إلى الرحمن من بغضهِ
ومن غلوٍ فيه أو رفضهِ
يا أيها الطاعن في عرضهِ
ففي غد تندم من قرضهِ
من صفة الباري ومن فرضهِ
أكبر جرماً من ذوي بُغْضِه
في خلط ما قد شيب في محضه
في كله الحق ولا بعضه
فشمر المهدي في نقضه
إذ أسخط الله ولم يرضه
طاب فطاب الدين من رحضه

تمت الأبيات رحمة الله على قائلها ورضوانه.
وصلى الله على محمد وآله.
ــ.(1/363)


كتاب حكاية الأقوال العاصمة من الإعتزال
مما انتُزع وجُمِع من كتب الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين /
عبدالله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم

بسم الله الرحمن الرحيم
[ديباجة الكتاب وسبب تأليفه]
أما بعد حمدِ مَنْ نِعَمُهُ لا تُحصى، ومحامده لا تُستقصى، والصلاة على خير مبعوث إلى الورى، وأول مبعوث من الثرى، محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين.
فإنه لما ظهر كثير من الأقوال، التي ابتدعها أهل الإعتزال، في بعض من يدعي أنه من شيعة الإمام المنصور بالله [أمير المؤمنين] - عَلَيْه السَّلام -؛ دعاني ذلك إلى حكاية جملة من فوائد كتبه، المتضمنة لتحقيق مذهبه، ليتبين بها الفرق بين التشيع والإعتزال، ويتميز لأجلها الصحيح عن المحال، وقسمت الكلام في ذلك على أربعة فصول:
الأول: في ذكر بعض ما استدل به - عَلَيْه السَّلام - من الأخبار الموافقة لمحكم الكتاب، ولما أجمعت عليه العترة -عليهم السلام-.
والثاني: في ذكر شبهٍ واعتراضات مما حكاه عن المخالفين وأجاب عنه.
والثالث: في حكاية أقوال منتزعة من كتبه متضمنة لمدح العترة وذم من خالفهم، وأنكر فضلهم، واستغنى عنهم بغيرهم.
والرابع: في ذكر جملة مما حكاه من أقوال فضلاء العترة في معنى ذلك.(1/364)


أما الفصل الأول
وهو في ذكر ما استدل به - عَلَيْه السَّلام - من الأخبار الموافقة لمحكم الكتاب، ولما أجمعت عليه العترة، فهي في الشافي وشرح الرسالة الناصحة مذكورة.
[الأدلة على إمامة أمير المؤمنين(ع)]
منها: روايته عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((من ناصب علياً في الخلافة بعدي فهو كافر، ومن شك في علي فهو كافر)).
وقال: ((علي خير البشر من أبى فقد كفر)).
وقال لكافة من حضر يوم غدير خم، وهو على مكان عال في يوم شديد الحر، وهو آخذ بيد علي - عَلَيْه السَّلام -: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).(1/365)

73 / 94
ع
En
A+
A-