..إلى قوله: فكيف إلا أنه قد قال بإجماعهم، لو انتفعوا بعقولهم وأسماعهم، ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا [من] بعدي [أبداً] كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) ولا يخلو قوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((لن يفترقا [حتى يردا علي الحوض))] من أن يكون باطلاً أو حقاً؛ فنعوذ بالله من تكذيب الرسول، ومكابرة حجج العقول، ولقد كفر من كذب كتاب رب العالمين، ورد قول الرسول الأمين، وتعلق بأوهامه وظنونه، وقبل وحي شياطينه، واعتمد على المتشابه من الأقاويل، وجهل مخارج السور والتأويل، وفارق محكم التنزيل، واتكل على الأقاويل المهلكات، وقبل ما روي من المتشابهات، وتبرأ من الأمهات المحكمات.(1/356)
وقوله في كتاب شواهد الصنع: أصل الإمامة في العقول؛ لأن الحكيم قد علم أن لا بد من اختلاف بين المخلوقين؛ فجعل في كل زمانٍ حياً مترجماً لغوامض الأمور، مبيناً للخيرات من الشرور، ولا يعدم ذلك في كل قرن من القرون، إما ظاهراً جلياً، أو مغموراً خفياً.
فإن قيل: وما الظاهر الجلي، وما المغمور الخفي؟
قيل - ولا قوة إلا بالله -: أما الظاهر فالسابق المنذر لجميع الخلائق، وأما الخفي فالمقتصد المحتج [لله] على جميع العباد، الآمر بالمعروف والناهي عن الفساد، بغير قيام ولا جهاد.
ومما عارض [به] قول من زعم أنه مهدي عيسى (ع)، وأنه لا بد لمهدي عيسى من غيبة قبل قيامه:
تفسيره - عَلَيْه السَّلام - لقول الله سبحانه: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء:159]، قال: يحتمل أن يريد إلا من قد آمن وأتى بالمستقبل بمعنى الماضي، ويحتمل ما روي عن الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - أن الله سبحانه يظهره في آخر الزمان يدعو إلى طاعته وطاعة المهدي، ويصلي خلفه.(1/357)
وتفسيره لقوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33]، قال: هو وعدٌ من الله [سبحانه] لرسوله فكان ما وعد، قال: وأتى في الخبر عن الأئمة، عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: أن هذا الظهور يكون على يد المهدي - عَلَيْه السَّلام - يقهر جميع أديان الأمم.
وتفسيره لقوله تعالى: {وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا} [الأحزاب:27]، قال: أي ستملكونها، وقيل: سيملكها القائم من آل محمد في آخر الزمان.
[وتفسيره لمعنى ما روي عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- في المهدي: [أنه] يؤيم عرسه، قال - عَلَيْه السَّلام -: معنى يؤيم [عرسه] أنه يتركها عند قيامه اشتغالاً بالجهاد عنها].(1/358)
وتفسيره لمعنى ما روي عن أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - في الحجة الباطنة بأنه المقتصد، واحتج على ذلك بقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((ستأتي من بعدي فتن متشابهة كقطع الليل المظلم؛ فيظن المؤمنون أنهم هالكون فيها، ثم يكشفها الله عنهم بنا أهل البيت برجل من ولدي خامل الذِّكْر لا أقول خاملاً في حسبه ودينه وعلمه، ولكن لصغر سنه، وغيبته عن أهله، واكتتامه في عصره)) "((سيأتي من بعدي فتن متشابهة كقطع الليل المظلم؛ فيظن المؤمنون أنهم هالكون فيها، ثم يكشفها الله عنهم بنا أهل البيت برجل من ولدي خامل الذكر لا أقول خاملاً في حسبه ودينه وعلمه، ولكن لصغر سنه وغيبته عن أهله واكتتامه في عصره))" [قال] فبين النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- أنه يريد بذلك الإقتصاد، لا ما ذهب إليه أهل اللداد.
فصل
انظر كيف يجوز أن يضاف إليه ما عابه على غيره، وسماه فرية وكفراً ولداداً، ونحو ذلك، وكيف يجوز الخروج من هذا المعلوم المجمع عليه إلى الروايات المظنونة المختلف فيها، ومن أقوال أئمة الزيدية إلى أقوال غلاة الإمامية.(1/359)
ومما عارض به قول من روى عنه أنه لا يموت ولا يستشهد حتى يقوم في آخر الزمان:
قوله في رسالته إلى شيعة جده القاسم بن إبراهيم - عَلَيْه السَّلام -: فالعياذ بالله كيف يداري في الحق من أصبح وأمسى منتظراً لسفك دمه، وقد وطى وطأة المتثاقل على رقاب أعداء الله.
وقوله في كتاب الدامغ يصف نفسه - عَلَيْه السَّلام -: وأُصْبِحُ متوقعاً للموت والفناء، وعاداً للفقر أحب إليَّ من الغنى.
وقوله في كتاب الأسرار: فوالذي أنا في يده ما نمت نومة حتى أناقش نفسي، وأتذكر ما اجترحت في يومي وأمسي؛ لأن النائم ربما حيل بينه وبين انتباهه، كما يحال بين اليقظان ومنامه.
وقوله في بعض أدعيته: وأكبر همي الشهادة في سبيلك، والغضب لدينك، وأنا حريص في ذلك؛ فيا رب لا تخيب أملي، ولا تخترم دون الشهادة أجلي، وعجل يا مولاي ذلك، وارحم تضرعي..إلى قوله: وعليَّ أن أبذل جسدي وعرضي ولساني، حتى يفرق بين روحي وجسدي، ويقطع فيه أجلي.
اللهم خُذْ بذلك عهدي وميثاقي، واشهد علي وكفى بك شهيداً، اللهم إني أشهدك وأشهد ملائكتك وحملة عرشك وأهل سماواتك وأرضك، أني لا أرجع ولا أنثني ولا أستقيلك في بيعتي حتى ينقطع عمري، ثم أزور قبري أو يذهب لك في الغضب لحمي ودمي.(1/360)