[ذكر حال الراوي عن الإمام المهدي (ع) تلك الروايات المكذوبة عليه]
فصل:
فإن قيل: إن الفضلاء من قرابة المهدي - عَلَيْه السَّلام - هم الذين رووا تلك الروايات، وهي إلى الآن مشهورة في كتبهم.
فالجواب: أن فضل الفضلاء من قرابة المهدي - رحمة الله عليهم -؛ لا يمنع من اغترارهم، ووجود الخطأ في كتبهم، وأن مخالفة ما يوجد من الخطأ في كتبهم، لا ينقص من فضلهم، وذلك لأن جميع الفضلاء من الأنبياء وغيرهم؛ يجوز عليهم تصديق ما ليس بصحيح، ولذلك قيل إن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أُذُنٌ، ووصفه الله سبحانه بأنه يؤمن للمؤمنين أي يصدقهم.
وقال المهدي - عَلَيْه السَّلام - عقيب ذكره للروايات الكاذبة عليه: فربما يسمع بذلك أولياء الله فيصدقون به، والعهد قريب؛ فانظر كيف وصفهم بأنهم أولياء الله مع تجويزه لتصديقهم للكذب عليه.
فإن قيل: إن أولئك الفضلاء حكوا أنهم سمعوا تلك الروايات عن المهدي - عَلَيْه السَّلام -.
فالجواب: أنه إذا ثبت كونها خطأ فأكثر ما يجب من حقهم أن نتأول فيهم كما نتأول في المهدي - عَلَيْه السَّلام - لو صح أنهم قالوا ذلك، ولم يصح بل في الرواية المشهورة أن علي بن القاسم - رحمة الله عليه - وهو أعلم إخوة المهدي وأخصهم به قال: ما صح عنده من كلام الناس إلا رواية روتها له امرأة المهدي اللَّغْوِيَّة.(1/351)
[حكاية الأقوال التي عارض بها الإمام المهدي (ع) قول من زعم أنه فضَّل نفسه على النبي (ص)]
رجع، وأما الأقوال التي عارض بها ما شنع به عليه من الروايات؛ فمما عارض به قول من زعم أنه فضل نفسه على النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله -:
قوله في كتاب الرد على من أنكر الوحي بالمنام: وليعلم من سمع قولنا، أو فهم تأويلنا؛ أن الوحي الذي ذكرنا، فيما تقدم من كلامنا، أن الله ختمه بنبينا -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم-، هو هبوط الملائكة، وما كان يسمع موسى -عَلَيْه السَّلام- من المخاطبة؛ فذلك الذي ختمه الله وقطعه بعد محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لأنه علم أنه أفضل الآدميين، ففرق بينه وبين أهل بيته أجمعين، بأن جعلهم له تابعين، وبشريعته مقتدين، ولو علم في ذريته أفضل منه، لأزاح ختم النبوة عنه، ولجعل بعده أنبياء مثله، ولما أبان على فضلهم فضله.
وقوله في كتاب تفسير غريب القرآن: وبلغنا والله أعلم عن بعض الإمامية - لعنهم الله - أنهم قالوا: محمد رسول الله، وخاتم النبيين المهدي، وكذب أعداء الله في قولهم؛ بل محمد خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين.(1/352)
وقوله في كتاب التوفيق والتسديد: وسألت عن العقول هل هي مستوية أم بينها اختلاف ؟ والجواب: أن اختلاف عقول الناس كاختلاف قواهم، فمن كانت قوته تبلغ أداء الفرائض وجبت عليه، ومن لم يطق فلا يكلفه الله ما يعدم لديه، ولا يصل بقوته إليه، وإنما العقول على وجوه معروفة، وأحوال بينة موصوفة، منها عقول سادتنا الملائكة المقربين، ومنها عقول الأنبياء [و]المرسلين، وعقول الأوصياء المستخلفين، وعقول الأئمة الطاهرين، وبعد ذلك عقول المكلفين.
فأفضل العقول عقول الملائكة الأكرمين، ثم عقول الأنبياء أكمل من عقول الأوصياء، ثم عقول الأوصياء أكمل من الأئمة في العقول، وأفضل في الاعتقاد والقول، ثم للسابقين من الفضيلة على المقتصدين، كمثل فضل الأنبياء على الوصيين، وللأئمة المقتصدين من الفضل ما لا يكون لفضلاء المؤمنين، وأفضل الناس كلهم فضلاً، وأكملهم ديناً وعقلاً، محمد خاتم النبيين، - صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين -.
[حكاية أقوال المهدي (ع) التي عارض بها قول من زعم أن كلامه أبهر من كلام الله سبحانه]
ومما عارض به قول من زعم أن كلامه أبهر من كلام الله سبحانه:
قوله في تفسير غريب سورة الأنعام: ولا نعلم دليلاً أبين من القرآن، ولا أشفى ولا أوضح من الفرقان، ولا أبهر ولا أنور في البيان، مما جاء به محمد وأهل بيته في البرهان.(1/353)
وقوله في كتاب تثبيت إمامة أبيه عَلَيْهما السَّلام: ولا يقول أحد إن كتب الأئمة أولى من كتاب الله بالصدق، وأقرب إلى الصواب والحق.
وقوله في جوابه لمن سأله عن معنى قوله: إن أدلة المعقول أقطع للملحدين من أدلة المسموع، وقوله إن تفسير الأئمة عَلَيْهم السَّلام للمتشابه أبين من المتشابه: إنما معنى قولي إنه أقطع للمشبهين والملحدين؛ أنه أبين من المتشابه من كتاب الله للمتعلمين؛ فأما أن يأتي أحد بمثل آية من كتاب الله فلا يدعي ذلك إلا كاذب.
[حكاية أقوال المهدي (ع) التي عارض بها قول من زعم أنه لا حجة بعده]
ومما عارض به قول من زعم أنه لا حجة بعده:
قوله في كتاب تثبيت إمامة أبيه عَلَيْهما السَّلام: وأما قولهم: إن كتب الإمام وما سطر، حجة على جميع البشر؛ فلعمري إن قبول ما فيها من الحق واجب على جميع المخلوقين، لا ما ذهبوا إليه من رفض الأئمة الباقين، والتعلق بكتب الماضين، ولو كان ما قالوا عند من عقل صدقاً، وكان ما نطقوا به من الزور حقاً، لكان ذلك رداً لقول رب العالمين، وإثباتاً لقول المخالفين؛ إذ كلهم متعلق بكتب من عدم شخصه، رافض لمن كان من الأئمة بعده، ولو كان لأحد منهم أن يقف على إمامة رجل برفض من بعده؛ لجاز ذلك لمن كان من الروافض قبله، ولجاز لهم من ذلك ما جاز له، ولصارت العوام أولى بالإمامة من آل نبيهم، ولنقضوا قول ربهم، ولما كان لقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7)} [الرعد]، معنى، ولكان تمرداً وعبثاً؛ فتعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.(1/354)
..إلى قوله: وزعموا أن لله حجة مغمورة، إذا لم يكن ثم حجة مشهورة، غير من هو عندهم معارض، ولكلام الأئمة رافض، والله سائلهم عما ذكروا من المحال، وأفحشوا في أولياء الله من المقال، وأكذبوا ما قال فيهم ذو الجلال، فأخرجوا الله بحجتهم هذا المغمور، من الحكمة والعظمة والتدبير؛ إذ زعموا أن الله يحتج على عباده، وينفي الفساد من بلاده، بحجة لا ترى ولا تبصر، ولا يسمع بها ولا تذكر، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يرد على أحد من المبطلين، ولا ينصر الحق والمحقين.
..إلى قوله: وأيضاً فليس من حكمة الحكيم أن يحتج على عباده؛ بحجة من أهل بيت نبيه، ثم يخفيها عنهم ويغمرها ولا يعلمهم بها، ويسترها ثم يحاسبهم على ما لم يعلموا، ويعذبهم على ما لم يفهموا، أجل؛ إنه عز وجل لبعيد عن هذه الفِرْية وأمثالها، ونظائرها من القول وأشكالها.
وإنما معنى ما روي من الحجة الباطنة عن أمير المؤمنين - عليه صلوات رب العالمين- هو المقتصد من آل الرسول.
وقد رُوي عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه ذكر الحجة، ثم قال: ((إما السابق وإما المقتصد)) وإنما سمي المقتصد [مقتصداً] لاقتصاده عن المراد، وسمي حجة لاحتجاجه على جميع العباد.(1/355)