وقوله في بعضها: فذكرت في كتابك أنك مسترشد معاتب، ثم حرّفت قولي فصح أنك معاند كاذب، وأنت والحمد للهِ من درك ما رجوتَ خائب، واللهُ سائلك عما حرفت من كلامنا، ومناقشك على الكذبِ الذي أتيت به علينا، والكلامِ الركيك الذي نسبته إلينا.
وقوله في بعض أدعيته التي ذكر فيها أصناف رفضته: ومنهم من هو مجتهد في إهلاك عرضي واغتيابي وانتقاصي.
وفي بعضها: اللهم طهرني من كذب الألفاف، ونزهني من روايات الهمج السفساف.
وفي بعضها: يا رب أسألك الخلاص من عِشْرَةِ من لا يعرفني، فقد والله أقرحت عشرتهم قلبي، إن أمرتهم بأمر لم يقبلوه، وإن نهيتهم عن منكر لم يتركوه، وإن أدبتهم بأدب لم يحفظوه، وإن سمعوا مني رواية لم يأتوا بها على وجهها، وإن رأوا حكمة لم يقفوا على فهمها..إلى قوله: وإن رأوا مني علماً حرَّفوه جهلاً.
[ذكر أربع مسائل تنبه على النظر فيما ذكر عن المهدي (ع)]
فصل:
يشتمل على أربع مسائل مما تنبه على النظر:
الأولى: أن يقال إذا قد ثبت بالدليل كون المهدي - عَلَيْه السَّلام - إمام حق يجب تصديقه في كل ما قال وادّعى، فهل يجب تصديقه فيما ذكر وأخبر به من أنه قد كذب عليه، في بعض ما نسب من الأقوال إليه، أم لا ؟
الثانية: هل ذلك الكذب الذي أخبر به موجود الآن أم لا ؟
الثالثة: إذا كان ذلك الكذب موجوداً هل هو الأقوال المختلف فيها أم الأقوال المجمع على صحتها؟(1/346)
الرابعة: ما الفرق في التشنيع على المهدي – عَلَيْه السَّلام – بين قول من زعم أنه ترقى من القول بتفضيله للنبي على نفسه، والتكذيب لمن نسب ذلك إليه إلى القول بتفضيله لنفسه على النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-، والرجوع إلى تصديق من كان نسب ذلك إليه، وأي بدعة أفحش من هذه البدعة، وهي جعل قول عبد الملك أصح وأشهر من قول المهدي - عَلَيْه السَّلام -.
[ذكر الأقوال التي حذر فيها المهدي (ع) من الإغترار ببعض المتنسكين وبما يسطر في الكتب من مشكل الروايات]
رجعٌ، وأما الأقوال التي حذر فيها من الاغترار ببعض المتنسكين، وبما يسطر في الكتب من مشكل الروايات؛ فمن ذلك:
قوله – عَلَيْه السَّلام – في كتاب الرد على أهل التقليد والنفاق: ومن بان لك منه النفاق فلا تبسط إليه وإن تنسك، وأَعرَضَ عن القبيح وأمسك؛ لأنه لا يؤمن عند إظهاره لديانته، أن يجعل ذلك سبباً للخيانة.
وقوله في كتاب الرد على الدعي: ولم يُدْخل على أمة من الأمم إلا من مأمنها، ولم تفتتن القرون الماضية إلا لمن يوهمها أنه من المودة على دينها.
وقوله في كتاب الرد على الدعي أيضاً: ولو كان من خاف من شيء أو شك فيه عقده في رقبته، وتقحم عليه، ودعا جميع المسلمين إليه؛ لحكم الشك على اليقين، ولما فرق بين الباطل والحق المبين.
وقوله –عَلَيْه السَّلام- في كتاب الرحمة: وليس كل ما روي حقاً، ولا ما سطر كان صدقاً، مما يخالف علماء آل الرسول، وتحيله ثواقب العقول.(1/347)
وقوله في كتاب التوفيق والتسديد: فقد رأينا من يتكبر عن الجهل وهو لا يعلم، ويحمله الكبر أن لا يقول: الله أعلم.
فصل:
انظر كم بين قوله - عَلَيْه السَّلام - في هذا، وبين قول من زعم أنه من قال في أمره الله أعلم كانت النار أولى به.
[ذكر أقواله (ع) التي علَّم فيها كيف يعمل فيمن أشكل أمره من العترة والأقوال المنسوبة إلى الأئمة]
وأما الأقوال التي علَّم(ع) فيها كيف يعمل فيمن أشكل أمره من العترة، وفيما أشكل من الأقوال المنسوبة إلى الأئمة(ع) فمن ذلك:
قوله في رسالته إلى شيعة أبيه - عَلَيْهما السَّلام -: ولا تقلدوا أحداً من آل نبيكم، ممن اشتبه عليكم أمره منهم، وكِلُوه إلى ربكم، ولا تقلدوه دينكم، ولا تقاطعوا في الوقوف أحداً من إخوانكم، ومن تبين لكم رشده فاتبعوه، ومن بان لكم غيه فاجتنبوه، ومن اشتبه عليكم حاله فارجوه، وكلوه إلى خالقه ولا تعادوه؛ فالمؤمنون وقافون عند الشبهات.(1/348)
وقوله في كتاب تثبيت إمامة أبيه – عَلَيْهما السَّلام – بعد كلام: وإن قول أئمتنا لا يخالف محكم الكتاب، ولا يحيد عن الحق والصواب، وإنَّ ما اختلف من أقاويلهم، تمسكنا فيه بتأويلهم، وتبرأنا إلى الله من تكذيبهم، واعتمدنا على قول ربهم، واتبعنا من ذلك أحسنه، وأقربه إلى الحق وأبينه، وما اشتبه علينا من كلامهم، رجعنا فيه إلى أحكامهم، كيلا نبوء بآثامهم؛ لأن الله اللطيف بنا، أرحم من أن يعذبنا، على ما يكون من وقوفنا وطلبنا لسبيل نجاتنا، وما نرجو من عفوه لحسن ظنوننا، واطراحنا لأهوى أنفسنا، واعتمادنا على محكم كتاب ربنا، وسنة نبينا -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-، والله على ذلك المستعان، وهو حسبنا وعليه التِكلان.(1/349)
وقوله في كتاب مهج الحكمة: من أراد أن يستفيد من خاتم النبيين، ومن أمير المؤمنين –عَلَيْه السَّلام-؛ فليقف على ما وضع الهادي إلى الحق – صلوات الله عليه – وكذلك ما وضع المرتضى لدين الله – عَلَيْه السَّلام – من العدل والتوحيد والحلال والحرام، وغير ذلك من شرائع الإسلام؛ لأنهما أخذا العلم الذي جاء به رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - ولا يلتفت إلى اختلاف المختلفين، ولا يعتمد على أقاويل القائلين، فإني وطئت من العلوم مهجها، واعتزلت والحمد لله همجها، فما رأيت علماً أشفى، ولا أبين ولا أكفى، مما أتيا به من خالص الدين، ومحض اليقين، رواية عن خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين، أخذاه عن آبائهما، وحفظاه عن سلفهما، أباً فأباً، وجداً فجداً؛ حتى ينتهي إلى الأصل أمير المؤمنين، عن سيد المرسلين، عن الروح الأمين، وإخوانه الملائكة المقربين، عن الله رب العالمين، وفاطر السماوات والأرضين؛ فالحمد لله الذي جعلنا من المقتدين، ومن علمهما مستفيدين، فمن علمهما اشتفيت، وبهداهما اهتديت، وبهما في جميع الأمور اقتديت، وفي آثارهما مشيت.
وقوله في كتاب الرحمة: وليعلم من سمع لنا قولاً أنه منهما، وإنا إن شاء الله لا نتكلم بخلاف قولهما، ولا ندين الله بغير دينهما، ودين من حذا بحذوهما من ذريتهما؛ فمن سمع لنا كلاماً فليعرضه على كلامهما؛ فما خالف قولهما فليس منا، وما وافق ذلك فهو منّا.(1/350)