[قول الفلاسفة في معنى العلم وبيان فساده]
والثاني: قول الفلاسفة إن معنى العلم وحقيقته: هو ثبوت صورة المعلوم في نفس العالم، وذلك مشتق من دعواهم الباطلة، وهي قولهم: إن لكل معلوم من الموجودات بعد العدم صورةً ثابتةً فيما لم يزل قبل وجوده، وهو محال، ولأن من المعلومات ما لا صورة له نحو الباري تعالى، وكذلك الأعراض، ولأنه يستحيل أن يكون للمعلوم الواحد ألف صورة في أنفس ألف عالم، ويستحيل أن لا يعلم صورته إلا عالم واحد.
[قول المعتزلة في معنى العلم وبيان فساده]
والثالث: قول المعتزلة: إن العلم هو الإعتقاد الذي يقتضي سكون نفس معتقِده..إلى آخر ما ذكروا، وهو غير صحيح لأجل ما تقدم ذكره من كون اسم العلم عاماً لأنواع من العلم مختلفة المعاني، ولأن علم كل عالم من علماء السوء قد اقتضى سكون نفسه بحيث لا يخطر بباله أن أحداً أعلم منه، وكل حقيقة لا يحصل بها التمييز بين الحق والباطل فهي باطلة.
[الكلام في تنوع العلم]
وأما تنوع العلم؛ فلأنه ينقسم على الجملة إلى صحيح وباطل، والصحيح ينقسم إلى علم غيب وعلم شهادة، وعلم الشهادة ينقسم إلى علوم الدين وعلوم الدنيا، وعلوم الدين تنقسم إلى معقول ومسموع، والمعقول ينقسم إلى ضروري واستدلالي، والمسموع ينقسم إلى تَنْزِيل وتأويل وسنة واجتهاد.(1/31)
[الكلام في طرق العلم]
وأما طريق العلم؛ فمن العلوم الضرورية ما جبل الله العقول وفطرها على معرفته ابتداءً لا عن طريق نحو علم العاقل بأحوال نفسه وتمييزه بين كثير مما ينفعه أو يضره، ونظير ذلك في غير العاقل من الحيوانات ما فطرها عليه من الإلهام.
ومنها - أعني العلوم الضرورية -: ما جعل الله طريق معرفته الخبرة، أو إدراك إحدى الحواس الخمس، والمخالف في العلوم الضرورية كلها لا يوصف بأنه غالط ولا جاهل بها، ولكن يقال مكابر ومتجاهل.
ومن العلوم ما جعل الله سبحانه طريقه النظر في الأدلة العقلية والإستدلال بما حضر من المنظور فيه على ما غاب بطريقة القياس العقلي، والمخالف فيه يوصف بالغلط وبالجهل.
ومنها: ما جعل الله سبحانه طريق معرفته خبر من يجب قبول خبره إما لحكمته وهو الله سبحانه وتعالى، وإما لعصمته وهو النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -، أو من شهد له النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - بالصدق نحو كافة الأمة أو جماعة العترة، وإما لأجل وجوب طاعته وهو الإمام السابق، والمخالف لخبر الله سبحانه ولخبر النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - ولإجماع الأمة كافر بالإجماع، والمخالف لإجماع العترة -عَلَيْهم السَّلام- مختلف في كفره، والمخالف لخبر الإمام السابق رافض وعاصٍ لله ولرسوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - [إذ] لا فرق بين وجوب طاعته وطاعة رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -.(1/32)
وكل من طلب علماً من غير هذه الطرق فهو متوهم ومتظنن ومخترص، ومن هنا يُعلم بطلان القول بعقول ونفوس وجواهر ليست بأجسام ولا أعراض، ومن هذا الأصل يعلم غلط كل مخالف لأئمة العترة - عَلَيْهم السَّلام -.
[الكلام في ذكر جملة من الأسماء]
وأما الكلام في ذكر جملة من الأسماء: فالغرض به التنبيه على معرفة اختلاف فوائدها، وكثرة مغالطها، وذلك لأنها على ضربين: صحيحة وباطلة.
فالصحيحة: هي كل اسم علمه الله سبحانه عباده، أو ألهمهم على التسمية به، كما قال الله سبحانه: {وَعَلَّمَ ءَادَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31]؛ قال بعض الأئمة - عَلَيْهم السَّلام -: يعني [أسماء] جميع ما خلق الله بين السماء والأرض.(1/33)
والباطلة: هي جميع أسماء البدع، ولذلك قال الله سبحانه: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم:23] {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)} [الأنعام].
والصحيحة أيضاً على ضربين: أحدهما يفيد الإثبات، والثاني يفيد النفي، والأسماء المثبتة منها حقيقة ومنها مجاز؛ فالحقيقة: هو كل اسم موجود، والمجاز: هو كل اسم مستعار، وكذلك المعدوم أيضاً فإنه يجوز تسميته شيئاً مجازاً، ولذلك قال الله سبحانه: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(1)} [الحج]، يعني إذا أوجدها.(1/34)
والذي يدل على أنه ليس بحقيقة قول الله سبحانه: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا(1)} [الإنسان].
والأسماء التي تفيد نفي المسمى: هي كل اسم عبر به عن المحال، وكذلك المعدوم في حال عدمه، وذلك نحو كون العالَم معدوماً فيما لم يزل؛ لأنه لا شيء فيما لم يزل إلا الله وحده لا شريك له خلافاً لمن زعم أن أعيان العالم قديمة، وموجودة بالقوة، ولمن زعم أن ذواته أشياء ثابتة فيما لم يزل.
ثم اعلم أن الأسماء التي تفيد الإثبات: منها ما هو خاص للخالق تعالى نحو قوله: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، ومنها خاص للمخلوق نحو المحدث والجسم، ومنها عام في اللفظ دون المعنى نحو الشيء والموجود والقديم، وما أشبه ذلك مما سيأتي ذكر ما ينبه عليه فيما بعد إن شاء الله سبحانه.
[الكلام في الهيولى والصورة]
وأما الكلام في الهيولى والصورة؛ فهو ينقسم إلى ذكر من ابتدعهما، وذكر تفسيرهما، وذكر مثالهما، وذكر الغرض المقصود بهما، وذكر جملة مما يدل على بطلانه.(1/35)