[ذكر موافق أدلة العقل من محكم الكتاب الدالة على بطلان الإحالة وسائر بدع المطرفية]
{يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(45)} [النور]، فانظر كيف صرح سبحانه بخلاف ما قالته المطرفية في الإحالة، وفي تنزيه الله سبحانه من إنزال البرد على بعض المخلوقين دون بعض [و]في المساواة في الخلق ونحو ذلك.
والثالثة عشرة: قوله سبحانه: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النمل:25]، اعلم أني ربما ذكرت بعض آية نحو هذه، أو ذكرت أكثر من آية ولم احترز في ذلك ممن يتتبع العثرة لأن غرضي تعريف الفائدة فاعرف.
واعلم، أن خبء السماء: هو المطر، وخبء الأرض: هو النبات، ونحو ذلك من كل ما استتر فيها قبل خروجه.
وانظر كيف حكى الله سبحانه عن الهدهد أو غيره الإقرار بذلك والتعجب ممن جحده من المشركين فلو كان القائل لذلك طبعياً أو ممن يقول بالإحالة لما استدل به على الله سبحانه.(1/331)
والرابعة عشرة: قوله سبحانه: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ(59) أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ(62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(64)} [النمل].(1/332)
فانظر كيف تمدّح الله سبحانه بخلق جميع ذلك، وسمى من نسبه إلى غيره مشركاً وعادلاً أي جاعلاً لله مثلاً، ووصفهم بقلة التذكر، وتحداهم على وجه المقت لهم والتوبيخ والتهدد أن يأتوا ببرهان.
وقد ابتدعت المطرفية القول بالإحالة وفائدتها مشتملة على نفي قصد الله سبحانه لخلق الفروع التي تمدح الله سبحانه بخلقها فيلزمهم أن يكونوا من الجاحدين.
والخامسة عشرة: قوله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ(21)} [الزمر]، فانظر كيف صرح الله سبحانه بأنه ينزل المطر، وينقل الزرع من حالة إلى حالة على وجه يدل عليه سبحانه مَنْ تفكر فيه من جميع أهل العقول.
واعلم أنه لا يكون في الفروع آيات تدل على الله سبحانه إذا لم يقصد خلقها وكانت حاصلة بالإحالة.
والسادسة عشرة: قوله سبحانه: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ(49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ(50)} [الشورى]، فانظر كيف صرح الله سبحانه بأنه يشاء المفاضلة بين عباده في هبة الأولاد، والمشيئة هي القصد لاستحالة إثبات أحدهما في حقه سبحانه دون الآخر، فاعرف ذلك.(1/333)
والسابعة عشرة: قوله سبحانه: {إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ(3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ ءَايَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ(4) وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(5) تِلْكَ ءَايَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَءَايَاتِهِ يُؤْمِنُونَ(6)} [الجاثية]، والقول بالإحالة من جملة الحديث الذي آمنت به المطرفية بعد الله وآياته، فاعرف ذلك.
والثامنة عشرة: قوله سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(40)} [الروم]، فانظر كيف صرح الله سبحانه بأنه لا شريك له يعارضه في الخلق والرزق، والموت والحياة، والمطرفية تنزهه بزعمهم عن قصد ذلك، ويقولون: إنه من فعل الأصول بالإحالة وذلك من أبين المعارضة لكلام الله سبحانه فاعرفه.(1/334)
والتاسعة عشرة: قوله سبحانه: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(11)} [لقمان]، فانظر كيف أضاف إلى نفسه سبحانه ما أضافته المطرفية إلى الأصول ونفته عنه، تعالى عما يشركون.
والعشرون: قوله سبحانه: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(25)} [لقمان]، فانظر كيف حكى الله سبحانه جنس قول المطرفية عن أشباههم، وكفى بذلك دليلاً واضحاً على كون المطرفية مخالفين للحق.
والحادية والعشرون: قوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ(3)} [فاطر]، وهذا السؤال متوجه إلى من أضاف الخلق إلى غير الله سبحانه، والمطرفية من جملتهم لأجل قولهم: إن الله سبحانه لم يقصد خلق الفروع.(1/335)