الرابعة: سؤالهم عن مفارقة ذات الباري سبحانه لسائر الذوات هل هي بأمر أم لا بأمر؟ ليوهموا بذلك أنه سبحانه مشارَك في الذاتية ومفارِق بأمر زائد عليها.
والجواب عن ذلك بأمور:
منها: أن المفارقة بعد المشاركة لا يجوز إطلاقها على الحقيقة، إلا على الأجناس المتنوعة المكيفة، التي ذواتها مقارنة لصفاتها، والله سبحانه ليس بجنس ولا نوع.
ومنها: أن المفارقة بعد المشاركة طريق لإثبات التعليل، والتعليل طريق لإثبات القياس، والقياس لا يكون إلا لما يشارك في علة القياس، والعلة لا تكون إلا صفة مقارنة للذات، ولا يجوز وصف ذات الباري سبحانه بأنها مقارنة للعلل والمعلولات.
ومنها: أنه لا فرق في العقل ولا في العرف بين المشاركة في صفة، والمماثلة والمشابهة فيها، وقد ثبت بإجماع الخصم أنه لا مثل لله سبحانه ولا مشابه.
ومنها: أن الله سبحانه لو كان مشاركاً في أمر ومخالفاً بأمر لم يخل كل واحد من الأمرين من أن يكون شيئاً معقولاً أو غير شيء معقول، ولا واسطة.
والخصم إذا كان من العدلية يجمع على أنه ليس بشيء معقول، وإذا لم يكن شيئاً معقولاً فالسؤال عنه استغلاط، والمتكلم فيه خارج عن حد العقل، وقافٍ لما ليس له به علم، ومجادل في الله سبحانه بغير علم ولا هدىً ولا كتاب منير.(1/326)


ومنها: أنه قد ثبت بأدلة العقل والسمع أن الله سبحانه ليس كمثله شيء، وأنه لا كيفية له، وإذا لم يكن له سبحانه مثل ولا كيفية فهو مفارق للذوات لا بعد المشاركة، ولا بأمر لأجل كونه سبحانه مفارقاً لها بأنه لا مثل له ولا كيفية، وكونه لا مثل له راجعاً إلى النفي، وكل صفة راجعة إلى النفي فليست تسمى أمراً ولا مزية بإجماع الخصم.
قال - رضي الله عنه -: الأصل في معرفة التوحيد على الحقيقة هو معرفة الفرق بين المسائل الصحيحة والمسائل المستحيلة على الجملة والتفصيل.
وقال - رضي الله عنه -: مما تعارض به مسائلهم المستحيلة أن يقال: هل بين ذات الشيء وصفته الأخص فرق أم لا؟
فإن قال: ليس بينهما فرق؛ لزمه ما ألزم خصمه، وإن قال: بينهما فرق، قيل: فهل تفرق بينهما بذاتيهما أم بأمر زائد عليهما، أم بأمرين؟
وكذلك السؤال عن الفرق بين المقتضي والمقتضى، والعلة والحكم، والمتجدد والأزلي، وقس على ذلك.
تم ذلك بحمد الله ومنّه وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.(1/327)


الفصل السابع من سبعة فصول من كتاب تعريف التطريف
من تأليف السيد الشريف العالم العامل العفيف
حميدان بن يحيى بن حميدان القاسمي الحسني الهاشمي (عَلَيْه السَّلام)

بسم الله الرحمن الرحيم
[الكلام في معرفة الحجج الدالة على بطلان الإحالة وما يتصل بها من بدع المطرفية]
قال - رضي الله عنه -: وأما الفصل السابع وهو الكلام في معرفة الحجج الدالة على بطلان الإحالة، وما يتصل بها من سائر بدع المطرفية فهي أدلة العقل وموافقها من محكم الكتاب، وموافق ذلك من السنة، وكذلك أقوال الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - والإجماع، وتظاهر هذه الحجج واتفاقها على الشهادة بإثبات صانع واحد ونفي ما عداه من كل ما يعبده من دونه جميع المشركين.
[ذكر أدلة العقل الدالة على بطلان الإحالة وسائر بدع المطرفية]
أما أدلة العقل:
فمنها: أنه قد ثبت عند جميع المسلمين أن جميع الفروع أجسام متضمنة لأعراض ضرورية، وأن جميعها محدث، وأن كل محدث لا بد له من محدث، وأن محدث الأجسام والأعراض الضرورية هو الله سبحانه لا شريك له ولا ظهير لاستحالة جواز العجز عليه سبحانه، ولاستحالة وجود إلهين قديمين ولاستحالة أن تُحدِثَ الأجسامُ أنفُسَها في حالة عدمها أو في حالة وجودها، ولاستحالة أن يحدثها مثلها، ولاستحالة حصولها هملاً لا محدث لها ولم يُظْهِرِ الخلافَ في ذلك إلا (الملحدون والمشركون) على اختلاف مذاهبهم.(1/328)


فأما المطرفية: فإنهم يظهرون الإقرار بالإسلام فلا يخلو إقرارهم بذلك: إما أن يكون صدقاً أو كذباً، فإن كان صدقاً بطل قولهم بأن الله سبحانه لم يقصد خلق الفروع، وإن كان كذباً تبين كفرهم وكان الجواب كالجواب على أشباههم.
ومنها: أن جميع الفروع لا تخلو من أن تكون حيواناً أو جماداً، أو رزقاً أو مرزوقاً، أو نفعاً أو منتفعاً، أو مسخراً أو مسخراً له، وكل ذلك يدل على خالق حكيم قاصد لذلك مقدر عليم؛ لاستحالة أن يكون إحكام من غير محكم، وإنعام من غير منعمٍ قاصدٍ لذلك غير جاهل ولا ساهٍ ولا مُلْجَأ، ولأنه لا خلاف في وجود النعم والمنعَم عليهم، وفي كون شكر المنعم واجباً، فلا تخلو المطرفية: أما أن يقروا بذلك إقراراً صحيحاً فيبطل قولهم بأن الله سبحانه لم يقصد خلق الفروع أو يجحدوه فيتبين خروجهم من دائرة الإسلام.
ومنها: أن المطرفية يقولون بأن الله سبحانه خلق الأصول بالقصد لكونها مخلوقة لا من شيء، وليس ذلك بأعجب في الصنعة، ولا أبلغ في الحكمة من خلق النار من الشجر الأخضر، ولا إخراج الحي من الميت، ولا خلق الشيء الكثير من الشيء القليل، ولا من إمساك السماء أن تقع على الأرض، وكذلك إمساك الأرض من الإنحدار، وكذلك إمساك الماء والطير في الهواء ونحو ذلك مما لا يحصى عدداً لكثرته.(1/329)


(ولأن الذي يدل على كون الله سبحانه) قاصداً لخلق الأصول لا يخلو من أن يكون كونها أجساماً وأعراضاً، وكونها محدثة، وكونها محكمة ونحو ذلك مما يدل على صانع مختار (فكل ذلك) موجود في الفروع.
فأما كونها مخلوقة لا من شيء فلا فرق بينه وبين خلق الشيء من الشيء (في كون كل ذلك) مخلوقاً دالاً على خالق بل خلق الشيء من الشيء أظهر بياناً وأقرب دلالة إلى الإنسان؛ لكون ذلك مشاهداً ومعايناً، ولذلك تمدح به الله سبحانه، ونبه خلقه على النظر فيه والإستدلال به عليه، فقال سبحانه: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ(5)} [الطارق]، وقال سبحانه: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24)} [عبس]، ونحو ذلك.
ومنها: أن الغذاء إذا صار في المعدة ثم حدث لأجله نمو في الجسد وزيادة في القوة، ودرك الحواس الظاهرة والباطنة، وحصل النفع الذي يدل على (كون صانعه) حكيماً منعماً مع تقسيم منافع ذلك الغذاء في جميع الجسد أسفله وأعلاه على حسب المصلحة، وكذلك حدوث النبات بعد اجتماع الماء والطين والحب، وفلق الحب وإظهار فروعه وثمره ونموه وحصاده وما فيه من المنافع........... [هنا بياض في جميع النسخ الموجودة] ومكتوب فيها هكذا في الأم...(1/330)

66 / 94
ع
En
A+
A-