[أقوال الإمامين أبي الفتح الديلمي والمنصور بالله (ع)]
وقال الإمام الديلمي أبو الفتح بن الحسين بن الناصر بن محمد بن عيسى بن محمد بن عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عَلَيْهم السَّلام - في تفسيره لقول الله سبحانه: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[الروم:27]"، إنما [بين الله تعالى] للإنسان تنقل أحواله حتى استكمل خلقه ليعلم نعمته عليه، وحكمته فيه، وأن بعثه بعد الموت أهون عليه من إنشائه ولم يكن شيئاً.
وحكى الإمام المنصور بالله - عَلَيْه السَّلام - في الرسالة الناصحة للإخوان جملة من محالات المطرفية تدل على بطلان ما شابهها من محالات المعتزلة منها قولهم: إن العرض ليس بحال ولا محلول، ولا قديم ولا محدث، وقولهم: الإحالة إرادة الله ومراده، لكنه لم يردها، وقولهم: إن الله تعالى سمي بأنه كائن، وأنه مشارك للأجسام في هذه التسمية.
فهذه جملة من أقوال الأئمة عَلَيْهم السَّلام ليس منها قول يذهب إليه الأئمة عَلَيْهم السَّلام إلا ومن أقوال المعتزلة ما يخالفه، ولذلك انتزعتها دون غيرها.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(1/321)
تذكرة تشتمل على أربع مسائل
من كلامه - رضي الله عنه - مما يستغلط بالسؤال عنها بعض الصفاتية
[وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله]
بسم الله الرحمن الرحيم
الأولى: سؤالهم عن النظر في إثبات الصانع تعالى هل يحصل به العلم أنه تعالى قادر وعالم؟ فما الفائدة في تكرار النظر ثانياً وثالثاً؟ ونحو ذلك مما يوهمون به أنه لا بد لله سبحانه من صفات زائدة على ذاته مختلفة بحسب اختلاف الأدلة المنظور فيها.
والجواب عن ذلك: أن النظر في الأدلة الدالة على كون الباري سبحانه صانعاً وقادراً وعالماً لا تدل على أن الصانع غير القادر، ولا على أن القادر غير العالم، ولا على أن لله سبحانه قدرة غير ذاته، ولا علماً غير قدرته لما في ذلك من لزوم التشبيه، وإبطال التوحيد.
ولأن تزائد الأنظار، وتفاضل علوم النظار، لا يدل على تزايد المنظور في إثباته، ولا على وجوب إثبات صفات زائدة على ذاته؛ لأن الموجب لتزايد الأنظار هو عجز كل ناظر عن الجمع بين كل نظرين في دليلين مختلفين في حالة واحدة.
ولذلك فإن الناظر في الدليل على كون الباري سبحانه قادراً لا يحصل له العلم بذلك النظر أنه سبحانه قادر فيما لم يزل، ولا أنه قادر لا بقدرة، ولم يدل تزايد نظره في ذلك على إثبات أمور زائدة على ذات الباري سبحانه.
وإذا ثبت بالدليل أن الله سبحانه قادر لا بقدرة، عالم لا بعلم؛ فالسؤال عما يوهم إثبات القدرة والعلم وما يجري مجراهما مغلطة يتحير المسؤول عنه في جوابه لأجل أنه لا يجد جواباً معقولاً سالماً من التشبيه.
* * * * * * * * * * *(1/322)
الثانية: سؤالهم هل أفاد قولنا قادر نفس ما أفاد قولنا عالم؟ فذلك تكرار أم أفاد كل واحد من الوصفين غير ما أفاده الثاني فما تلك الفائدة؟
وكذلك سؤال من يسأل: ما الفرق بين معنى قولنا: قادر ومعنى قولنا: عالم؟ وسؤال من يسأل: لم سمي القادر قادراً؟
والجواب عن ذلك وما أشبهه: هو أن يقال: لو كان لوصف الباري سبحانه بأنه قادر، ووصفه بأنه عالم معنى أو فائدة أو موجب أو مزية زائدة على ذاته سبحانه لكان ذلك المعنى أو الفائدة أو الموجب أو المزية لا يخلو من أن يكون شيئاً معقولاً أو غير شيء معقول ولا واسطة.
فإن كان شيئاً معقولاً فإثباته يكون إثباتاً لأشياء مقارنة لذات الباري سبحانه، وذلك تشبيه مخالف لمعنى توحيده سبحانه؛ إذ لا معنى له إلا نفي المقارنة والمشاركة والعلل الموجبة والأحكام الموجبة؛ لكون كل ذلك موجِباً للتحديد، ودالاً على الحدث.
وإن كان غير شيء معقول؛ فالسؤال عنه مغلطة، والتفكر فيه محظور، والخوض فيه غلو وتعمق، والخائض فيه خارج عن حد العقل، وغير خارج عن حد التشبيه.
أما كونه خارجاً عن حد العقل فلأجل تفكره وخوضه في إثبات أمور ليست بشيء ولا لا شيء، وأما كونه غير خارج عن حد التشبيه فلأجل إثباته لصفات زائدة على ذات الباري سبحانه كما أن لكل ذات من ذوات الجواهر والأعراض بزعمه صفات زائدة ليست بشيء ولا لاشيء، وكل سؤال لا يمكن أن يجاب عنه إلا بما يؤدي إلى الخروج عن حد العقل وحد التوحيد فهو من جملة مسائل المحال التي لا يصح الجواب عنها، ولا يجوز الخوض فيها.
ومن جملتها: سؤال من سأل: ما الفرق بين صفات الباري سبحانه وذاته؟ لأنه لا فرق إلا بين شيئين أو أشياء والله سبحانه شيء واحد.
* * * * * * * * * * * * *(1/323)
الثالثة: سؤالهم عن الفرق بين الوصف والصفة على الجملة، وهل يصح الوصف بغير صفة؟
والجواب عن ذلك: أن الوصف على الجملة هو قول الواصف، وكل قول شيء، والباري سبحانه مستحق للوصف في حال عدم الوصف والواصف، ولا يجوز أن يكون موصوفاً فيما لم يزل لما في ذلك من إيهام قدم الوصف والواصف.وأما الصفة المعقولة فهي تنقسم على أربعة أضرب: ضرب منها يجب نفيه عن الباري سبحانه لفظاً ومعنى، وثلاثة تجوز إضافتها إليه سبحانه في اللفظ مجازاً لا بمعنى الإضافة الموهمة للتشبيه.
أما الضرب الأول الذي يجب نفيه عن الباري سبحانه لفظاً ومعنى: فهو كل صفة معلومة مقارنة لذات الموصوف بها، نحو قدرة المخلوق وعلمه وحياته التي لأجلها وصف بأنه قادر وعالم وحي، وصح الوصف والصفة بخلاف الباري سبحانه؛ لأنه موصوف لا بصفة، ولذلك وجب وصفه سبحانه بأنه قادر لا بقدرة، وعالم لا بعلم، وحي لا بحياة؛ فصح الوصف وبطلت الصفة.
ولذلك قال أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -: (فمن وصفه فقد شبهه، ومن لم يصفه فقد نفاه، وصفته أنه سميع ولا صفة لسمعه).(1/324)
وأما الثلاثة الأضرب التي يجوز إضافتها إلى الباري سبحانه لا بمعنى الإضافة الموهمة للتشبيه:
فالأول: هو كل صفة أريد بها الوصف، وسميت صفة مجازاً، مثال ذلك: تسمية الموحدين لكون الباري سبحانه قادراً وعالماً وحياً وموجوداً وواحداً وقديماً صفات ذاتية.
ولذلك قال أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -: (باينهم بصفته رباً، كما باينوه بحدوثهم خلقاً).والضرب الثاني: هو كل صفة أريد بها النفي، مثاله: قول أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -: (صفته أنه لا مثل له من خلقه).
والضرب الثالث: هو كل صفة تذكر والمراد بها الذات لا الصفة، مثاله: قسم من يقسم بقدرة الله سبحانه أو بعلمه، وغرضه القسم بالقادر سبحانه لا بقدرة له غير ذاته، وذلك لأن من المعلوم سمعاً أن القسم الذي يتعلق به البر والحنث لا يصح إلا بشيء معلوم، وأنه لا يصح القسم بغير الله سبحانه.
وقد ثبت بالأدلة العقلية أنه لا يجوز إثبات قدرة وعلم لله سبحانه يصح القسم بهما دونه، ولذلك قال بعض الأئمة - عَلَيْهم السَّلام -: صفات الله الذاتية هي هو لا بمعنى أن له سبحانه صفات زائدة هي هو.
* * * * * * * * * * *(1/325)