وقال: صفاته كلها محدث علمها لنا، وسابقة في علمه قبل كوننا، وقد فطرنا جل وعلا على فطرة لم يَعْرِها من الصفات، ثم قال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، (فكان كما قال جل وعلا).
وقال: إن سأل سائل عن الموجود القديم، أموجود لنفسه أم لغيره، أم لنفسه ولغيره، أم لا لنفسه ولا لغيره؟
فإنا نقول: إن كان سؤالك عن الله سبحانه؛ فإنا نقول: إنه موجود لا بإدراك كما وصف نفسه فقال: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا(64)} [النساء]، فقال: لوجدوا.(1/316)
وأما قوله: موجود لنفسه ولغيره..إلى آخر قوله؛ فليس هذه الصفة من صفات الله سبحانه التي وصف بها نفسه، ولا من صفات الخير التي وصفه بها أولياؤه؛ لأن الموجود لنفسه ولغيره له موجد لم يزل والله سبحانه يعز عن هذه الصفة ويجل، وإنما يوصف بما وصف به نفسه؛ لأنه الموجد لكل موجود لا أن وجوده كوجود الموجودات لأنفسها ولغيرها تبارك الله عن ذلك وعلا علواً كبيراً.
وقال: والله فعظيم الشأن، قوي السلطان، لم يزل مدركاً للأشياء قبل تكوينها، ولا فرق بين دركه لها بعد تكوينها، وبين دركه لها قبل تكوينها.
وقال: فإن قال: فما معنى قول الله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى(46)} [طه]، فقد تجده يصف نفسه بالسمع والبصر؟
فإنا نقول: إن الرآي من الخلق هو المدرك لما أبصر، وكذلك السامع فهو المدرك لما سمع، فَلِدَرَكِ السامع لما سمع وُصِفَ بالسمع المخروق، ولِدَرَكِ المبصِرِ ما أبصر وُصِفَ بالعين ذات الجُفْنِ المشقوق؛ فأما الله سبحانه فيُدْرِكُ المسموعات والمبصرات لا بآلة من الآلات لكن دَرَكُ قدرة بها وصف نفسه، ولا هي هو ولا غيره من المجسمات من خلقه، لكنها من كلماته المخلوقات.
وقال: فإن قال السائل: فما الفرق بين إرادة الله لما يفعل وبين إرادة المخلوقين لما يفعلون؟(1/317)
فإنا نقول للسائل: إن بين صفات الله وصفات خلقه فرقاً والحمد لله؛ لأن إرادة الله سبحانه صفة له، ومراده وجود فعله، وإرادة المخلوقين خواطر في ضمائر القلوب، وبين ذلك فرق كبير لا يخفى إلا على من ضعف فهمه وقل عقله.
فإن قال السائل: فلا أرى لله إرادة إذا كان مراده وجود فعله.
فإنا نقول: إن مراده لو لم يكن وجود فعله لكانت صفاته كصفات خلقه.
[أقوال الإمام الحسين بن القاسم(ع)]
وقال ابنه الحسين بن القاسم - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الرد على الملحدين: اعلم أن قولنا شيء، إثبات موجود ونفي معدوم، وقولنا: لا كالأشياء، نفي للتشبيه.
وقال: هو الأول لا قبل لأوليته، ولا كيف لأزليته، كان في حال القدم قبل بريته ولا عقل ولا معقول سواه، ولم يكن معه أزمنة ولا شهور ولا ساعات، ولا أمكنة ولا أوقات، ولا علم ولا معلوم، ولا فهم ولا مفهوم، ولا وهم ولا موهوم.
وقال في الصفات ونحوها: إذا جعلتها أزلية بطل الحدث، وإذا جعلتها محدثة بطل القدم، وإذا جعلتها محدثة أزلية فسد قولك.(1/318)
وقال: لم يزل عالماً بجميع فعله، عالماً بما سيريد كينونته، وإنما الذي يريد بلا علم تقدم، ويضمر بغير تكوين هو الإنسان الجاهل، الجائل الفكر الذي تحدث له النية بعد النية، والإرادة بإضمار القلب والطوية، ولو كانت إرادته قبل فعله لكانت كإرادة المخلوقين، ولكانت عرضاً من جسم، ولو كان جسماً لأشبه الأجسام، وإنما إرادته فعله، وفعله مراده، وليس ثم إرادة غير المراد، فيكون مشابهاً للعباد.
وقال في كتاب شواهد الصنع: إذا كان هذا المحدث عدماً قبل حدوثه (فالعدم لا شيء، ولا شيء لا يكون شيئاً بغير شيء)، وذكر الجسم والعرض، والجزء الذي زعم من زعم أنه واحد في نفسه لا يتجزأ.
وفي كتاب مهج الحكمة والفوائد بكلام جملته: أن كل محدث لا يخلو من أن يكون جسماً أو عرضاً؛ فالجسم ما يقوم بنفسه وتحله الأعراض، والعرض ما لا ينفرد بذاته ولا يوجد إلا حالاً، واستدل على بطلان كون الجزء واحداً في نفسه بكونه غير خال من الحركة أو السكون، وما لم يخل من صفة مقارنة فليس بواحد في نفسه، واستدل على أنه يتجزأ بكونه لا يوجد إلا في جهة، وكل متحيز فله جوانب تحويه.
وقال في كتاب الصفات: فإن قال: ما أنكرت من أن يكون علم الله لا هو الله ولا هو غيره؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لا بد أن يكون هذا العلم الذي ذكرت، وغيره من الصفات التي زعمت، محدثاً أو قديماً، خالقاً أو مخلوقاً، موجوداً أو معدوماً.(1/319)
فإن قلت: إن علم الله محدث، جهَّلته، وإن قلت: إن علمه شيء موجود قديم، فلا يُعلم شيء موجود قديم إلا هو وحده، وأما قولك: لا هو هو، ولا هو غيره؛ فهذا لا شيء؛ لأن الله سبحانه قديم وغيره محدث.
وقال: إن كنت أردت الأسماء من الألفاظ والكلام، وما ينطق به من ذلك جميع الأنام، وما يوجد في الصحف والأجسام، فذلك غير الموصوف، لأن الموصوف هو الله، وهذا الكلام هو من المفعولات المحدثات، والله أحدث علم ذلك وغيره من الصفات، وإن كنت أردت المسمى بهذه النعوت فهو الله رب العالمين، وهو معناها عند المؤمنين.
وقال في جوابه ليحيى بن مالك: ما تفسير علم الله وقدرته، إلا كتفسير وجهه ونفسه، فهل يقول أحد يعقل بأن له وجهاً كوجه الإنسان، أو نفساً كأنفس ذوي الأبدان؟ هذا ما لا يقول به أحد من ذوي الألباب، ولا يعتقده في الله رب الأرباب، وإنما وجهه هو ذاته، وكذلك علمه وقدرته.(1/320)