وحكى عنه مصنف المسفر [أنه] قال: المفروض معرفة الاسم والمسمى، وأن الاسم غير المسمى؛ لأن المسمى يعرف بالصنع والدليل، والاسم يعرف من طرق السمع.
وقال في كتاب الكفر والإيمان: ثم انصدعت من هذه الملة طائفة تحلت باسم الاعتزال..إلى قوله بعد ذكره لكثير من تعمقهم: حتى خاضوا في صفات ذاته، وضربوا له الأمثال، وقد نهى الله عن ذلك بقوله تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل:74]، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33)} [الأعراف]، وبالغوا في [خلاف] ذلك، ولم يرضوا حتى تعدوا إلى الكلام في كل ما لا يعلمون ولا يدركون، خلافاً لله تعالى ولرسوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -، وابتداعاً وتخرصاً وميناً، ورمياً بعقولهم وحواسهم من وراء غاياتها.
..إلى قوله: وتكلموا من دقيق الكلام بما لم يُكَلَّفوا، وبما لعل حواسهم خُلِقت مُقصِّرةً عن إدراك حقيقتها، وعاجزة عن قصد السبيل فيها.
ومن شعره (عَلَيْه السَّلام) في معنى ذلك قوله:
قد تعدا الناس حتى أحدثوا بدعاً.... حتى استخف بحق الله أكثرهم(1/311)


في الدين بالرأي لم تبعث بها الرسلُ.... وفي الذي جعلوا من حقه شغلُ
وقوله:
كل يرى الحق ما فيه قد اختلفوا.... وهم بمفروض علم الحق جهالُ
أعني الأولى فقههم إشراك ضدهم.... وسائر الناس بالإهمال عقالُ
وقوله:
فجاهد وقلد كتاب الإله.... لتلقى الإله إذا مت بهْ
فقد قلد الناس رهبانهم.... وكل يجادل عن راهبهْ
وللحق مستنبط واحد.... وكل يرى الحق في مذهبهْ
[أقوال الإمام المرتضى بن الهادي(ع)]
وقال المرتضى لدين الله محمد بن يحيى - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الشرح والبيان: إن سأل سائل عن الدليل أن الأشياء خلقت لا من شيء فقال: ما الحجة في ذلك؟ فالقول في ذلك: أن الأشياء محدثة مجعولة مبتدعة مخلوقة؛ لأن الله سبحانه كان ولا شيء.
وقال: من قال: لم يزل فيما لم يزل، فقد أوجب أن مع الله شيئاً لم يزل، وإنما هذا من لغز المتناظرين، أو قول من قول المتجاهلين.
وقال: يقال: الله حي لا يموت، ويقال الإنسان حي، وإنما يقال له حي على مجاز الكلام، وإنما هو على الصحة مُحْيَى.
وقال: نقول: إن الله تعالى العالم بنفسه، ولا يجوز أن نقول غير ذلك.
وقال: العرض لا يقوم بنفسه، ولا بد له من شبح يقوم فيه وبه.(1/312)


وقال في كتاب الإيضاح: إنما أراد بقوله: شيء، أوقع عليه اسم الشيء إذا علم أنه سيكون بإيجاده له وذلك في كتاب الله موجود إذ يقول: {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ(1)} [الحج]، ولم تقم الساعة فيكون لها شيء يُعرف، وإنما أخبر عز وجل بما سيفعله مما ينتظمه اسم الشيء.
[أقوال الإمام الناصر بن الهادي(ع)]
وقال أخوه الناصر لدين الله أحمد بن يحيى - عَلَيْه السَّلام - في كتاب النجاة: قولنا: إن الله تبارك وتعالى هو الأول قبل كل شيء من خلقه، ولم يزل عالماً بجميع الأشياء من قبل كونها أنها ستكون.
وقال: لا يقوم عرض إلا في جسم، ولا جسم إلا في عرض.
وقال في كتاب الموعظة: لا الضمائر تقع عليه، ولا الفكر تدركه، ولا طوامح العقول تكتنهه، ولا السمات تلزمه، ولا القياس يحيط به، ولا النظائر تنتظمه، ولا المشاعر تلتمسه، ولا الأوهام تمثله.
[أقوال الإمام القاسم العياني(ع)]
وقال القاسم بن علي - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الأدلة من القرآن على توحيد الله وصفته: ولا بد من معارض لنا في علم القرآن، ممن اكتفى بأفانين الكلام، وجعل من ذلك دليلاً على الرحمن يقول: إن القرآن لا يغني علمه عن النظر فإذا قال ذلك قائل، قلنا له: فالنظر دلتك عليه نفسك أم دلك عليه خالقك في منزل كتابه؟(1/313)


فإن قال: إن نفسه دلّته على ذلك من قبل دلالة خالقه، أحال ووجد الله سبحانه يأمره بذلك أمراً في كتابه ويندبه إليه ندباً.
وإن قال: إن ذلك من الله علم أن الله سبحانه هو الذي أمره بذلك، وندبه إليه، ووجد في جميع ما أمره به دليلاً يغني عن كل دليل، ويهدي إلى كل سبيل..إلى آخر ما ذكره - عَلَيْه السَّلام - من كون القرآن معجزة وصنعاً لله سبحانه يدل عليه كسائر مصنوعاته تعالى.
وقال في كتاب التوحيد: إن قال قائل: إذا زعمتم أنه شيء لا كالأشياء فما أنكرتم أن يكون جسماً لا كالأجسام، وإذا قلتم: إنه شيء لا يشبهه شيء موجود ولا موهوم؛ فما أنكرتم أن يكون جسماً لا يشبهه جسم موجود ولا موهوم؟
قلنا: الفرق بينهما أن قول القائل: شيء إثبات، وليس يذهب الذاهب فيه إلى جسم دون عرض، ولا إلى عرض دون جسم، ولا إلى إنسان دون ملك، ولا إلى ملك دون إنسان؛ فلما كان ذلك كذلك لم يجب به تشبيه، وقولنا: جسم وصف خاص لجنس دون جنس لا يجوز أن يشرك فيه غيره من الأشياء.
وقال: إن زعم زاعم أنه عالم بعلم ليس هو هو، ولا هو غيره، لم يكن بينه وبين من زعم أنه عالم بعلم هو هو وهو غيره فرق.
فإن زعم أن القائل إذا قال: هو هو، ثم قال: هو غيره فقد ناقض، قلنا: وكذلك إذا قال: ليس هو هو ثم قال: وليس هو غيره، فقد ناقض.
وقال: فإن قال: إنكم قد قلتم صفات ذات، وصفات فعل؛ فإذا قلتم صفات ذات فقد أثبتم صفاتٍ ما، وإذا قلتم إنا لا نرجع في ذلك إلى غير الذات فقد ناقضتم.(1/314)


قلنا: ليس الأمر كذلك لأنا حين قلنا صفات الذات؛ فإنما أردنا أن نعلمك بذلك أنا لا نثبت بها غيره فلم نرد به إلا أن الصفات هي ذاته، وأن الصفات أشياء ليست غيره.
وقال في كتاب التجريد: وقولنا ذاته إشارة منا إليه نفسه، وليس إشارتنا هو هو ولا غيره، وإنما أسماؤه التي تسمى بها لنا، وصفاته التي وصف بها نفسه لنا، دلائل عليه ليستدل بها القاصدون، ليباشر بها قلوبهم اليقين البت، وتستشعر أنفسهم الحق المثبت.
وقال: صفاته دلائل عليه يدرك علمهن، ولا يدرك الموصوف بهن؛ لأنه جل وعلا بَعُدَ من المُدْرِك، وجل عن الدَّرَكِ، فهو كما قال عز من قائل: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، وقال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا(110)} [طه]، فالله جل جلاله عز عن أن يحويه قول أو يناله يُعرَفُ بما جَعَلَ من الدلائل عليه، ولا تُوْصِلُ شيءٌ من الحواس إليه، فليس ما نطقت به الألسن من صفاته هو هو، ولا ما سمعت الآذان من صفاته هو هو، ولا ما كتبت الأيدي من صفاته هو هو؛ بل هو سبحانه الموصوف لا الصفات، والمعروف بما تَعَرَّفَ به إلى خلقه من الآيات.(1/315)

63 / 94
ع
En
A+
A-