المنتزع الثاني منتزع من أقوال الأئمة (ع)
في ذكر بعض ما اختلف فيه أهل الكلام من الأقوال في الذوات والصفات والأحكام
من تصنيف السيد الإمام حميدان بن يحيى القاسمي -عَلَيْهمَا السَّلامُ-
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله وسلم
[ديباجة الكتاب]
أما بعد حمد الله تعالى ذي الجلال والإكرام، والصلاة على محمد وآله المختارين على علم على الأنام.
فإني قد جمعت من كثير من كتب الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - جُملاً تنبه من أحب التدبر لفوائد كتبهم، والسلوك في طلب علم التوحيد لمذهبهم، والتمسك من مغالط أهل الضلال بهم؛ فمن ذلك:
[ذكر أقوال الأئمة (ع) في الذات والصفات والأحكام]
[أقوال أمير المؤمنين (ع)]
قول أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - في وصيته لابنه الحسن - عَلَيْهما السَّلام - في ذكر ما يجب من النظر، وما لا يجوز: (واعلم - أي بني - أن أحب ما أنت آخذ به من وصيتي تقوى الله، والإقتصار على ما افترض الله عليك، والأخذ بما مضى عليه أولوك من آبائك، والصالحون من أهل بيتك؛ فإنهم لم يدعوا أن ينظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، وفكروا كما أنت مفكر، ثم ردهم ذلك إلى الأخذ بما عرفوا، والإمساك عما لم يكلفوا).(1/301)
إلى قوله -عَلَيْه السَّلام-: (واعلم يا بني أن أحداً لم ينبيء عن الله عز وجل كما أنبأ محمد - صلى الله عليه وعلى أهله - فارض به رائداً، وإلى النجاة قائداً).
وفي الخطب المحكية عنه في كتاب نهج البلاغة وفي الدرة اليتيمة قوله (عَلَيْه السَّلام): (انظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به، واستضيء بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه، مما ليس عليك في القرآن فرضه، ولا في سنة النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وأئمة الهدى أثره، فَكِلْ علمه إلى الله؛ فذلك منتهى حق الله عليك).
وقوله: (والملائكة المقربون على كمال البنية، وصفاء الجوهرية، وتقادم الابتداء، وسوابق المعارف بالمعنى، ومقاربة النجوى، من الخلق الأول، والنور الأفضل، وعلو المنازل والمقامات المعلومة، والآلاء المحمودة، لا يعلمون منه إلا ما علمهم {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:32]، فكيف من هو من بعدهم في الحلية، ودونهم في المعرفة، كذب العادلون، وخاب المفترون، وخسر الواصفون، بل هو الواصف لنفسه، والملهم لربوبيته، والمظهر لآياته، إذ كان ولا شيء كائن).
وقوله في إيجاب الأزلية لله وحده، ونفي الصفات عنه: (والحمد لله الذي دل على وجوده بخلقه، وبحدث خلقه على أزليته، وباشتباههم على ألا شبه له).
وقوله: (والذي الحدث يلحقه، فالأزل يباينه).(1/302)
وقوله: (عالم إذ لا معلوم، ورب إذ لا مربوب، وقادر إذ لا مقدور).
وقوله: (أول الدين معرفة الله، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له، نفي الصفات عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة؛ فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله).
وقوله: (لم يلتبس به حال، ولا نازعه بال، ولا الذاتُ ذَيَّتَتْهُ، ولا الملكة ملكته، ولا الصفة أوجدته، بل هو موجد كل موجود، وخالق كل صفة وموصوف).
وقوله: (باينهم بصفته رباً كما باينوه بحدوثهم خلقاً؛ فمن وصفه فقد شبهه، ومن لم يصفه فقد نفاه، وصفته أنه سميع ولا صفة لسمعه).
وقوله: (من وصفه فقد حدَّه، ومن حدَّه فقد عدَّه، ومن عده فقد أبطل أزلَه).
وقوله: (ليس لذاته تكييف، ولا لصفاته تجنيس، احتجب عن العقل كما احتجب عن الأبصار).
وقوله: (واحد لا بعدد، دائم لا بأمد، قائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الأجناس).
وقوله: (صفته أنه لا مثل له من خلقه، وحليته أنه لا شبيه له من بريته، ومعرفته ألا إحاطة به، والعلم به ألا مَعْدِلَ عنه).
وقوله: (دل على كونه بعظيم ما خلق، وأبان قدرته بعجائب ما صنع، وبان عن الصفات بخلقه كل موصوف، وبانت عنه الصفات لأنه بغير الصفة معروف).(1/303)
وقوله في الإدراك والإرادة: (عينه المشاهدة لخلقه، ومشاهدته لخلقه ألا امتناع منه، سمعه الإتقان لبريته، ومشيئته الإنفاذ لحكمه، وإرادته الإمضاء لأموره).
وقوله: (يقول ولا يَلْفِظُ، ويحفظُ ولا يتحفَّظُ، ويريد ولا يُضْمِرُ، [ويحب] ويرضى من غير رِقَّة، ويبغضُ ويغضبُ من غير مشقَّة).
[أقوال الإمام الحسن بن علي (ع)]
وقال الحسن بن علي أمير المؤمنين - عَلَيْهم السَّلام - في جوابه لابن الأزرق: أصف إلهي بما وصف [به] نفسه، وأعرفه بما عرف به نفسه، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس.
[أقوال الإمام زين العابدين (ع)]
وقال زين العابدين علي بن الحسين - عَلَيْهما السَّلام - في جوابه لنجدة بن عامر: سبحان من ابتدع البرايا فأحارها، وأنشأها فأمارها، وشيأها فأصارها، لا من شيء كان قبلها، ولا عن مثال احتذاه لها.
وقال: كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث.
وقال: له جل جلاله معنى الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة الإلهية ولا مألوه، ومعنى العلم ولا معلوم.
وقال: أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي جميع صفات التشبيه عنه، لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالإقتران، وشهادة الإقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالإمتناع من الأزل الممتنع من الحدث.(1/304)
وقال: فأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغيوره تحديد لما سواه، فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله، وقد أخطأه من اكتنهه؛ فمن قال كيف؟ فقد شبَّهه، ومن قال لِمَ؟ فقد أعلَّه.
وقال: فاعل لا باضطراب [آلةٍ]، مقدِّرٌ لا بجَوَلاَنِ فكرةٍ، مدبِّرٌ لا بحركةٍ، مريد لا بهُمَامَةٍ، سميعٌ لا بآلةٍ، بصيرٌ لا بأداةٍ.
[أقوال الإمام جعفر الصادق(ع)]
وقال جعفر بن محمد الصادق - عَلَيْهما السَّلام - في كتاب الإهليلجة: في كل شيء أثر تدبير وتركيب، شاهد يدل على صُنْعِهِ والدلالة على من صَنَعَهُ، ولم يك شيئاً.
وقال: من قال الإنسان واحد فهو له اسم وتشبيه، والله سبحانه واحد وهو له اسم، وليس [له] بتشبيه، وليس المعنى واحداً.
وقال: إنما يسمى تعالى سميعاً بصيراً لأنه لا يخفى عليه شيء.
وقال: الإرادة من العباد الضمير وما يبدو بعد ذلك من الفعل، فأما عن الله عز وجل فالإرادة للفعل إحداثه؛ لأنه لا يرى ولا يتفكر.
[أقوال الإمام القاسم بن إبراهيم(ع)]
وقال القاسم بن إبراهيم - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الرد على النصارى في نفي المشاركة بين الله سبحانه وغيره: جل جلالهُ عن أن يصح عليه تشبيه لشيء أو يناله في أزلية قديمة، أو ذات أو صفة ما كانت من الصفات إذ في ذلك لو كان كذلك إشراك غيره معه في الإلهية، إذ كان شريكاً له في القدم والأزلية.(1/305)