وقد روينا عن أبينا رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((من كان في قلبه مثقال حبة من خردل عداوة لي ولأهل بيتي لم يرح رائحة الجنة)) ولا نعلم أشد لهم عداوة، ولا أعظم مكيدة لدين الله ونبيه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - ممن أنكر فضل عترته، وساوى بينهم وبين غيرهم.
وقال: ولا يرد الحوض إلا من خلصت مودته لهم ولا تخلص مودة من أنكر فضلهم، وجحد حقهم، وساوى بينهم وبين غيرهم.
وقال: كيف يكون شيعياً لآل محمد - عَلَيْهم السَّلام - من أنكر فضلهم، وجحد حقهم، وقبس العلم بزعمه من غيرهم.
وقال: منكر فضل أهل البيت - عَلَيْهم السَّلام - يشارك قتلة زيد بن علي - عَلَيْه السَّلام - وأصحابه - رضي الله عنهم - في سفك دمائهم، ووزر قتالهم؛ لأن علة قتالهم لزيد بن علي -عَلَيْهما السَّلام- وأصحابه -رضي الله عنهم أجمعين- إنكار فضله وفضل أهل بيته - صلوات الله عليهم - وما أوجب الله على الكافة من توقيرهم، والرجوع إليهم، وأخذ العلم عنهم، والجهاد بين أيديهم...(1/291)
وقال: واعلم أن من تأمل أدنى تأمل في أحد الأدلة فضلاً عن مجموعها إما في دلالة العقل أو في كتاب الله سبحانه، أو في سنة الرسول -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-، أو في إجماع الأمة أو العترة، أو تتبع أقوال الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - علم صدق ما قلناه، ولكن وأين من يترك يصل إلى ذلك، ويمنعه من ذلك إيجاب الرجوع إلى قول الشيخ.
وقال: أمر النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أمته باتباع عترته المطهرة؛ فخالفوه في ذلك، ولهم أتباع في كل وقت يقتفون آثارهم في خلاف العترة الطاهرة حذو النعل بالنعل، بل قد تعدوا في ذلك إلى أن قالوا هم أولى بالحق واتباعهم أوجب من اتباع هداتهم فردوا بذلك قول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((قدموهم ولا تقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)) وهذا نص في موضع الخلاف لا يجهل معناه إلا من خذل...(1/292)
وقال في الشافي: قال الله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7)} [الرعد]، فالمنذر رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - والهادي هو الإمام من ذريته الطاهرة.
وقال: ألم تعلم أن المفرق بين العترة الهادين كالمفرق بين النبيين.
وقال في معنى ذلك: كيف تخالف الذرية أباها، وقد شهد لهم النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - بالاستقامة بقوله: ((إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
وقال: اعلم أن كافة أهل البيت الطاهرين، وذرية خاتم النبيين - صلى الله عليه وآله وسلم - يدينون ويعتقدون أنه لا نجاة لأبي بكر وعمر وعثمان إلا بخلوص ولايتهم فيهم؛ لأن الله تعالى أوجب محبتهم على جميع المكلفين وهم منهم، ولأنا روينا عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي)).
وروى فيه عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر وقد حارب الله، ومن شك في علي فهو كافر)).
وقال - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((ويل لأعداء أهل بيتي المستأثرين عليهم لا نالتهم شفاعتي، ولا رأوا جنة ربي)).(1/293)
وقال: ولما قبض رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - مرضي الفعل، مشكور العمل قد أنقذ الخلائق من شفا الحفرة، ونجاهم عن بحار الهلكة، وأضفى عليهم ستر الإسلام الحسن الجميل، ولم يبق عنق مكلف إلا فيه له - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - منة الهداية، والمنة لله تعالى.
وكان من أمر فاطمة - عليها السلام - السلالة المرضية، والنسمة الزكية، والجمانة البحرية، والياقوتة المضيئة، ما كان من النزاع في أمر الإرث، وبعد ذلك في أمر النحلة لفدك وغيره ما شاع في الناس ذكره، وعظم على بعضهم أمره، حتى قال قائلهم:
وما ضرّهم لو صدقوها بما ادعت....وماذا عليهم لو أطابوا جنانها
وقد علموها بضعة من نبيهم.... فلم طلبوا فيما ادعته بيانها
فمرضت سراً، ودفنت ليلاً، وذلك بعد دفع الوصي عن مقامه، واتفاق الأكثر على اهتضامه، فتجرع أهل البيت - عَلَيْهم السَّلام - الرزية، وصبروا على البلية، علماً بأن لله تعالى داراً غير هذه الدار، يجبر فيها مصاب الأولياء، ويضاعف لهم فيها المسار، وهي دار الدوام، ومحل القرار، ويضاعف على الأعداء الخزي والبوار، ويخلدون في أنواع العذاب التي إحداها النار.
وحكى - عَلَيْه السَّلام - كلام فاطمة - عليها السلام - مع نساء المهاجرين والأنصار الذي عرضت فيه للمشائخ وأتباعهم بقول الله سبحانه: {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ(80)} [المائدة].
ثم قال عقيب ذلك: فهذا كلام فاطمة - عليها السلام - الذي لقيت عليه الله سبحانه، فلم نتعد طريقة من يجب الاقتداء به من الآباء والأمهات - عَلَيْهم السَّلام -.(1/294)
وقال: لو لم يتقلد الأمر أبو بكر ما تأهل له عمر، ولو لم يتقلده عمر ما طمع فيه عثمان، ولو لم يتقلده عثمان ما طمع فيه معاوية ومن تبعه من جبابرة بني أمية، ولولا أخذه جبابرة بني أمية ما تقلده بنو العباس.
وقال في كتاب حديقة الحكمة في شرح التاسع عشر من الأخبار السيلقية: فأما حب الرفعة فقد هلك فيه قوم كثير، والله بما تعملون بصير، ألم تسمع إلى قول بعض الأنصار في معنى الافتتان برفعة الدنيا والحب لشرفها، وذلك لما قتل سعد بن عبادة بسهمين رمي بهما في الليل، وقد خرج لقضاء حاجته ليلاً، وزعم من زعم أنه سمع من الجن قائلاً يقول:
قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده.... رميناه بسهمين فلم نخط فؤاده
فقال في ذلك بعض الأنصار -وكان سعد قبل مغاضباً لأبي بكر ممتنعاً من بيعته، وروي عنه أنه قال: لما رأينا قريشاً عدلت بالأمر عن أهله طمعنا فيه في قصص طوال، فقال بعض الأنصار في ذلك-:
يقولون سعداً شقّت الجن بطنه... ألا ربما حققت فعلك بالعذر
وما ذنب سعد أنه بال قائما.... ولكن سعداً لم يبايع أبا بكر
لئن صبرت عن فتنة المال أنفس.... لما صبرت عن فتنة النهي والأمر
يعرض بأبي بكر في ذلك، وأنه لم يصبر عن فتنة النهي والأمر، وشرف الرئاسة.(1/295)