وقال في مختصر الأحكام: وجميع العقول مفتقرة إلى عقول الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - ولولا ذلك لما احتاج أحد إلى إمام، ولسقط فرض الإمامة عن جميع الأنام، ولو سقط ذلك عنهم لما فرضه الله عليهم.
وقال في كتاب الرد على الملحدين: الإمامة فرض من الله لا يسع أحداً جهلها؛ لأن الحكيم لا يهمل خلقه مع ما يرى من اختلافهم، من الحجة على من عند عن الحق منهم، والهداية لمن طلب النجاة من أوليائه، والبيان لتلبيس أعدائه، وإلا فقد ساوى بين حقهم وباطلهم.
وفي ذلك ما يقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية)) وقول الله عز وجل: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7)} [الرعد]، فأخبر أن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - منذر للعباد، وأن لكل قوم هادياً إلى الحق في كل زمان، يوضح ما التبس من الأديان، ويرد على من دان بغير دين الإسلام...(1/286)
وقال أبو الفتح بن الحسين الديلمي عَلَيْه السَّلام في تفسيره في معنى قول الله سبحانه: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]، قال: أي يخلق ما يشاء من الخلق ويختار من يشاء للنبوة والإمامة.
وفي معنى قوله سبحانه: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6]، قال: عنى بالأزواج من بانت خيرتها، وصحت سريرتها؛ كخديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- أم الأئمة - عليها وعَلَيْهم السَّلام -، وكأم سلمة - رضي الله عنها - فأما من عَنَدَ منهن عن الحق، وشق عصا المسلمين فلسن بأمهات المسلمين، ولا هن بأهل (كرامة) عند الله رب العالمين.
وفي معنى قول الله سبحانه: {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} [البقرة:27]، قال: هم الذين لا يوجبون محبة آل محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وينكرون فضلهم.
وفي معنى قوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}، قال: هم العلماء من آل الرسول عَلَيْهم السَّلام.
وفي معنى قول الله سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور:55]، قال: نزلت في رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وأمير المؤمنين علي - عَلَيْه السَّلام - والحسن والحسين وخيار أهل بيتهما، ومن سار بسيرتهما، وتبع طريقتهما إلى يوم القيامة لأنهم ورثة الكتاب والعالمون به، ولهم الخلافة في الأرض، إلى يوم العرض.(1/287)
وفي معنى قوله سبحانه: {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [النور:55]، قال: يعني دين الإسلام، وذلك عند ظهور حجة الله القائم
وروي عنه - عَلَيْه السَّلام - أنه قال: أما فروع الشريعة فإن وقع بين الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - في ذلك اختلاف فليس ذلك مما ينقص من علمهم وفضلهم لأن الاجتهاد في الدين واجب، والإحتياط لازم، والرجوع إلى الكتاب والسنة مما تعم به البلوى، ولكل في عصره نظر واستدلال وبحث وكشف، وقد ينكشف للمتأخر ما لم ينكشف للمتقدم، لا بأن المتقدم قصر عما بان للمتأخر.
وقال: وليس من الدين تخطئة واحد منهم، والحكم عليه بأنه خالف الشريعة والأئمة.
وقال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الحكمة: وقد أجمع ذووا قربى (الرسول) - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - على أن الإمامة خاصة في الحسن والحسين وأولادهما؛ فكان إجماعهم حجة؛ لأن خلافهم خلاف المودة، ولم يودهم من خالفهم، وقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(31)} [آل عمران]، فقرن المحبة بالاتباع؛ فمن لم يتبعهم لم يحبهم؛ فصح ما قلناه.(1/288)
وقال فيه يحكي قصة السقيفة: فلما اشتغل أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - بما ينبغي له أن يشتغل به، اجتمع المهاجرون والأنصار إلى سقيفة بني ساعدة، وتنافسوا في الملك، ونسوا ما أوصاهم به رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - من أمره لهم باتباعهم لعلي - عَلَيْه السَّلام - في مواقف كثيرة، وأكاليم شهيرة.
وقال: وكان من جملة الظالمين من غصب علياً - عَلَيْه السَّلام - حقه، وأنكر سبقه، واستولى على الأمر الذي كان أولى به؛ كأبي بكر وعمر وعثمان، ومن أعانهم على أمرهم واحتج على نكثهم لأيمانهم وإيمانهم بقول الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ...الآية} [المائدة:54] ، وذكر أنها نزلت فيهم.
وقال في جوابه لمسائل الأمراء السليمانيين: سمي المعتزلة معتزلة حيث اعتزلوا عن أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - منهم سعد بن مالك بن أبي وقاص، وعبدالله بن عمر، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، وأسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، والأحنف بن قيس، (وسموا نفوسهم) أهل العدل والتوحيد...
وقال فيه: وقد قال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم: ((ستفترق أمتي من بعدي على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة)) وقد بينها النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وأوضحها في أهل بيته - عَلَيْهم السَّلام - ومن تبعهم في مواضع كثيرة منها ما قال - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)).(1/289)
وقال الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين، عبدالله بن حمزة بن سليمان - عَلَيْه السَّلام -، في كتاب شرح الرسالة الناصحة: انظر - أيدك الله - بفكر ثاقب، كيف يسوغ لمسلم إنكار فضل قوم تبدأ بذكرهم الخطب، وتختم بذكرهم الصلاة، حتى لا تتم صلاة مسلم إلا بذكرهم، وذكرهم مقرون بذكر الله سبحانه وذكر رسوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أين العقول السليمة، والأفكار الصافية من هذا.
وقال: هم أعلام الدين، وقدوة المؤمنين، والقادة إلى عليين، والذادة عن سرح الإسلام والمسلمين، وبهم أقام الله الحجة على الفاسقين، ورد كيد أعداء الدين، وهم القائمون دون هذا الدين القويم، حتى تقوم الساعة، ينفون عنه شبه الجاحدين، وإلحاد الملحدين.
وفي ذلك ما روينا عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((أهل بيتي كالنجوم كلما أفل نجم طلع نجم)) فكما أنا نعلم أنه لا يجوز أفول نجم إلا بطلوع نجم آخر حتى تقوم الساعة، نعلم أنه لا يمضي منهم سلف صالح إلا وعقبه خلف صالح، وقد قال الله سبحانه لنبيه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7)} [الرعد]، فمعنى هذه الآية -والله أعلم-: أن الله جل ذكره جعل في كل وقت من أهل بيت نبيه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - هادياً لقوم ذلك الوقت.(1/290)