وقال في جوابه للقرامطة: ودل على أولي الأمر بما ذكر في كتابه [حيث يقول عز ذكره]: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} ثم قال: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، فدل على طاعة ثالثة، وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)} [التوبة]، فجمعت هذه الكلمة جميع من آمن ثم [استثنى منهم قوماً فقال: كونوا مع الصادقين؛ فإذا به] استثنى قوماً من المؤمنين أمر المؤمنين بتبعهم والكينونة معهم، ثم قال عز وجل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر:32]، فدل على قوم أورثهم الكتاب وهم آل الرسول المذكورون أولاً وآخراً...
وقال في جوابه للطبريين: إنما تختلف الأئمة في غير الحلال والحرام، وفي الشرح والكلام، ولكل إمام في عصره نوازل تنزل به، وعليه أن يحكم فيها بما يوفقه الله [له]، فيستنبطها من كتاب الله وسنة نبيه، أو حجة العقل التي يستدل بها على غامض الكتاب، ويستخرج بها الحق والصواب، ولو نزلت هذه المسألة بالأول لاستخرجها كما يستخرجها الآخر.
(1/281)
والأئمة مؤتمنة على الخلق قد أمرهم الله عز وجل بحسن السيرة فيهم، والنصح لهم، فلعله أن يجري في عصر الإمام سبب من أسباب الرعية يحكم فيه بالصواب الذي يشهد له به الكتاب، ثم تنزل تلك النازلة في عصر آخر من الأئمة لا يمكنه من إنفاذ الحكم فيها ما أمكن الأول فيكون بذلك عند الله معذوراً.
وقال: فالواجب على الرعية إذا وثقت بعدالة إمامها وصحت عندهم إمامته أن يعلموا أن علمهم يقصر عن علمه، ولا يقعون من الغامض على ما يقع عليه؛ فإذا علموا ذلك وجب عليهم التسليم.
ومن شعره - عَلَيْه السَّلام - في معنى ذلك، قوله:
بدعنا كل مكرمة ولما.... نزل للمجد مذ كنا سناما
وما إن زال أولنا نبياً.... ولا ينفك آخرنا إماما
يصلي كلُّ محتلمٍ علينا.... ويتبعها إذا صلى السلاما
وحَسْبُكِ مفخراً أنا جُعلنا.... لكل هدىً ومكرمةٍ تماما..(1/282)
وقال (أخوه) الناصر لدين الله أحمد بن يحيى - عَلَيْه السَّلام - في كتاب مسائل أبي إسحاق: وقد قال الله عز وجل: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ(43)} [العنكبوت]، فأعلمك عز وجل أنه لا يعقلها إلا العالمون، ولا علم لمن جهل معدن الحق، وقدر النبوة، وخيرة الإمامة.
وقال في كتاب النجاة: وتعاموا عن قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)} [الأحزاب]، والمطهَّر من الرجس لا يكون في دينه زلل، ولا في قوله ميل، ولا في تأويله للقرآن خطل؛ فلم يكن عز وجل ليطهر من يكذب عليه؛ فيكون من عانده أولى بالحق منه، وهو عز وجل أعلم بالمفسد من المصلح...
وقال القاسم بن علي العياني - عَلَيْه السَّلام - في كتاب ذم الأهواء والوهوم: قد أتى الخبر أن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لم يفارق الدنيا حتى خولف أمره في جيش أسامة وغيره، ومن قبل ما فعل القوم أخبر الله بفعلهم فقال عز من قائل: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ(144)} [آل عمران]، فلم يكن الشاكرون فيما بلغنا إلا علي وذرية رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وذرية أمير المؤمنين، ومن تبعهم من المؤمنين؛ فكانت هذه أول فرقة أمة محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - فكان الناس كلهم فرقة،(1/283)
وكان علي وأصحابه أمة ثانية؛ فلم يزل أمير المؤمنين مع الكتاب كما ذكر رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - والقوم في دنياهم يخبطون خبط العشوى لا يهتدون إلا ما هداهم له - عَلَيْه السَّلام - عند فزعهم في بعض الأمور [إليه] تثبيتاً للحجة عليهم، وهم يُدَوِّلون ولايتهم إدوال من كان من أمم الأنبياء قبلهم.
وقال في كتاب التنبيه: وسألت عن السواد الأعظم، وإرماله للحج إلى بيت الله (الحرام)، وزيارة قبر رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - يشهدون بالأمر والخلافة لصاحب الغار، وينكرون قول رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
فالجواب: اعلم أيها الأخ - أكرمك الله - أن هؤلاء سامرية أمة محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لا فرق بينهم وبين سامرية [أمة] موسى - صلى الله عليه - كما لا فرق بين موسى ومحمد، وكما لا فرق بين هارون وعلي إلا النبوة؛ لقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)).(1/284)
وقال في رسالته إلى أهل طبرستان: أصل التأويل أول الخبال، والاختلاف في الأئمة أول الضلال، والاعتماد على غير العترة أول الوبال، أصل العلم مع السؤال، وأصل الجهل مع الجدال، العالم في غير علمنا كالجاهل بحقنا، الراغب في عدونا كالزاهد فينا، المحسن إلى عدونا كالمسيء إلينا، الشاكر لعدونا كالذام لنا، المعترض لنحلتنا كالغازي علينا، معارضنا في التأويل كمعارض جدنا في التنزيل، الراعي لما لم يُستَرع كالمضيع لما استرعي، القائم بما لم يستأمن عليه كالمعتدي فيما استحفظ (عليه)، الخاذل لنا كالمعين علينا، المتخلف عن داعينا كالمجيب لعدونا، معارضنا في الحكم كالحاكم بغير الحق، المفرق بين العترة الهادين كالمفرق بين النبيين، هنا أصل الفتنة يا جماعة الشيعة.
وقال ابنه الحسين بن القاسم - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الرد على الملحدين: فيا أيتها الأمة الضالة عن رشدها، الجاهدة في هلاك أنفسها، أمرتم بمودة آل النبي، أم فرض عليكم مودة تيم وعدي؟
وقال في كتاب التوحيد: ولو تمسكوا بسفن النجى لما غرقوا في بحار العمى، ولو شربوا من علم آل نبيهم لشفوا من الظمأ، ولظفروا بالغنائم العظمى، ولأنارت قلوبهم لموافقة الحكماء، ولكنهم اكتفوا بعلم أنفسهم، واستقلوا آل نبيهم؛ فلا يبعد الله إلا من ظلم، وعلى نفسه السوء اجترم.(1/285)