وكذلك حكى - عَلَيْه السَّلام - عن الإمام يحيى بن عبدالله - عَلَيْهما السَّلام - أنه قال في كلام (كتب به) إلى هارون يذكر فيه قصة المشائخ، وقصة علي - عَلَيْه السَّلام -: ولو شاء أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - لهدأت له وركنت إليه بمحاباة الظالمين، واتخاذ المضلين، وموالاة المارقين، ولكن أبى الله ورسوله أن يكون للخائنين متخذاً، وللظالمين موالياً، ولم يكن أمره عندهم مشكلاً؛ فبدلوا نعمة الله كفراً، واتخذوا آيات الله هزواً، وأنكروا كرامة الله، (وكرهوا) وجحدوا فضيلة الله، فقال رابعهم: أنى يكون لهم الخلافة والنبوة حسداً وبغياً؛ فقديماً ما حُسِدَ النبيون وأبناء النبيين، الذين اختصهم الله بمثل ما اختصنا، فأخبر عنهم تبارك وتعالى؛ فقال: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا(54)} [النساء] وقال في كلام وعظ به الألف والثلاثمائة الذين شهدوا أنه - عَلَيْه السَّلام - مملوك لهارون: فخلف فيكم ذريته، فأخرتموهم وقدمتم غيرهم، ووليتم أموركم سواهم.
(1/271)


وقال القاسم بن إبراهيم - عَلَيْه السَّلام - في كتاب تثبيت الإمامة في صفة علي - عَلَيْه السَّلام - بعد ذكره لجملة من فضائله: مع ما يكون عند الأوصياء من علم حوادث الأشياء، وما يلقون بعد الأنبياء من شدائد كل كيد، ودول كل جبار عنيد.
وقال في جواب سائل سأله عن الشيخين: كانت لنا أم صديقة بنت صديق، وماتت وهي غضبانة عليهما، ونحن غاضبون لغضبها لقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)) وقال في كتاب تثبيت الإمامة أيضاً: ولو كان الأمر في الإمامة كما قال المبطلون فيها، وعلى ما زعموا (من) أنهم الحاكمون بآرائهم واختيارهم (عليها)، وأن الخيرة فيها ما اختاروا، والرأي منها وبها ما رأوا؛ لكان في ذلك من طول مدة الإلتماس، وما قد أعطيوا بقبحه وفساده من إهمال الناس، ما لا يخفى على نظرة عين، ولا تسلم معه عصمة دين.
وقال: واللهُ ما جعل إليهم الخيرة فيما خَوَّلهم، ولا فيما جعل من أموالهم لهم؛ فكيف تكون لهم الخيرة في أعظم الدين عظماً، وأكبره عند علماء المؤمنين حكماً.....(1/272)


وقال محمد بن القاسم - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الأصول: وأما صفة الإمامة فإن الأصل فيها أنها فريضة من الله ورسوله، نطق بها الكتاب، وجاءت بها السنة.
وقال في كتاب الشرح والتبيين: ورأس النجاة لكم، فيما اشتبه عليكم من دينكم؛ ألا يقبل بعضكم قول بعض، ولكن ليرجع وليسأل فيما اشتبه عليه من جعله الله تعالى معدنه وموضعه من أهل الذكر، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(7)} [الأنبياء].
وقال في شرح دعائم الإيمان: فأولئك هم الذين أمر الله بطاعتهم، وهم العترة الطاهرون من آل نبيه - عَلَيْه السَّلام -، وأقامهم أئمة يهدون بأمره، وأمر الخلق كلهم أن يسألوهم إذا جهلوا، وأن يردوا إليهم علم ما اختلفوا فيه؛ لأنهم أهل الاستنباط، والبحث والنظر الذين أمر الله تعالى بالرد إليهم.
وقال: وقد أخبرنا الله عز وجل أنه قد كفى عباده ما يحتاجون إليه بقوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]، وفيه تبيان كل شيء، فالمدركون له علماء آل محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -...(1/273)


وقال الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الأحكام: ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - صلوات الله عليه- واجبة على جميع المسلمين، فرض من الله رب العالمين، لا ينجو أحد من عذاب الرحمن، ولا يتم له اسم الإيمان، حتى يعتقد ذلك بأيقن الإيقان.
وقال: فمن أنكر أن يكون علي أولى الناس بمقام الرسول، فقد رد كتاب الله ذي الجلال والطول، وأبطل قول رب العالمين، وخالف في ذلك ما نطق به الكتاب المبين، وأخرج هارون من أمر موسى كله، وأكذب رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- في قوله، وأبطل ما حكم به في أمير المؤمنين، فلا بد أن يكون من كذب بهذين المعنيين؛ في دين الله فاجراً، وعند جميع المسلمين كافراً...
وقال: والاختيار في ذلك إلى الرحمن، وليس من الاختيار في ذلك شيء إلى الإنسان، كما قال [الله] سبحانه: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(68)} [القصص]، ويقول سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا(36)} [الأحزاب]، صدق الله سبحانه؛ لقد ضل من اختار سوى خيرته، وقضى بخلاف قضائه، وحكم بضد حكمه(1/274)


وقال في جوابه لأهل صنعاء: لست بزنديق ولا دهري، ولا ممن يقول بالطبع ولا ثنوي، ولا مجبر قدري، ولا حشوي ولا خارجي، وإلى الله أبرأ من كل رافضي غوي، ومن كل حروري ناصبي، ومن كل معتزلي غال، ومن جميع الفرق الشاذة، ونعوذ بالله من كل مقالة غالية، ولا بد من فرقة ناجية عالية، وهذه الفرق كلها عندي حجتهم داحضة، والحمد لله.
وقال في كتاب القياس: وقع هذا الإختلاف، وكان ما سألت عنه من قلة الإئتلاف، لفساد هذه الأمة وافتراقها، وقلة نظرها لأنفسها في أمورها، وتركها لمن أمرها الله باتباعه، والإقتباس من علمه، ورفضها لأئمتها وقادتها؛ الذين أمرت بالتعلم منهم، والسؤال لهم.
ثم قال: فإن قال: كيف لا تقع الفرقة، ولا يقع بين أولئك - عَلَيْهم السَّلام - خُلْفَة؟
قيل: لأنهم أخذوا علمهم من الكتاب والسنة، ولم يحتاجوا إلى إحداث رأي ولا بدعة.(1/275)

55 / 94
ع
En
A+
A-