وقال - عَلَيْه السَّلام - في كتاب نهج البلاغة في ذكر العترة والأئمة منهم: (أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً (علينا) أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم، بنا يستضاء الهدى، وبنا يستجلى العمى، إن الأئمة من قريش في هذا البطن من هاشم؛ لا تصلح على من سواهم، ولا يصلح الولاة من غيرهم)
وقال: (فأين يتاه بكم؛ بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الحق، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، ورِدُوهم وِرْدَ الهيمِ العطاش).
وقال: (لا يعادل بآل محمد من هذه الأمة أحد، ولا يساوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة).
وقال: (فالتمسوا ذلك من عند أهله؛ فإنهم عيش العلم، وموت الجهل، هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين، ولا يختلفون فيه).
وقال في ذم من استغنى برأيه، وعلم شيوخه: (فيا عجباً، وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتفون أثر نبي، ولا يقتدون بعمل وصي، ولا يؤمنون بغيب، ولا يعفون عن عيب، يعملون في الشبهات، ويسيرون في الشهوات، المعروف فيهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما أنكروا، ومفزعهم في المعضلات إلى أنفسهم، وتعويلهم في المبهمات على آرائهم، كأن كل امرئ منهم إمام نفسه)(1/266)
[ذكر أقوال الأئمة (ع) في الإمامة]
وذكر الحسن بن علي - عَلَيْه السَّلام - في خطبته التي خطب الناس بها بعد مهادنته لمعاوية -لعنه الله-، أن الذي ألجأه إلى المهادنة هو الذي ألجأ النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - إلى دخول الغار، وألجأ أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - إلى مبايعة أبي بكر حين جمعت حزم الحطب على داره لتحرق بمن فيها من ذرية رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - إن لم يخرج يبايع.
وقال في غيرها: ومن البلاء على هذه الأمة أنا إذا دعوناهم لم يجيبونا، وإذا تركناهم لم يهتدوا إلا بنا.
وقال الحسين بن علي - عَلَيْه السَّلام - في بعض رسائله إلى أهل البصرة: أما بعد فإن الله ابتعث محمداً بالحق، واصطفاه على جميع الخلق، وكنا أهله وأولياءه، وذريته وأحق الناس في الناس بمقامه..إلى آخر ما ذكره من قصة المشائخ واستئثارهم بالأمر.
وقال زين العابدين علي بن الحسين - عَلَيْه السَّلام - في موشحته القافية: فمن الأمان به على إبلاغ الحجة وتأويل الكتاب إلا أهل الكتاب، وأبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، الذين احتج الله بهم على خلقه، ولم يدع الخلق سدىً؛ هل تعرفونهم أو تجدونهم إلا فرع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة، الذين طهرهم الله من الرجس، وبرأهم من الآفات، شعراً:
هم العروة الوثقى وهم معدن التقى.... وخير حبال العالمين وثيقها(1/267)
وحكي عن زيد بن علي - عَلَيْه السَّلام - أنه نسب ما أصابه من ظلم هشام إلى الشيخين لأجل كونهما أول من سن ظلم العترة، والتقدم على الأئمة.
وقال في كتاب الصفوة: واعلم أن ما أصاب الناس (من) الفتن، واشتبهت عليهم الأمور من قِبَلِ ما أذكر لك فأحسن النظر في كتابي هذا، واعلم أنك لن تستشفي بأول قولي حتى تبلغ آخره - إن شاء الله تعالى - وذلك أنهم لم يروا لأهل بيت نبيهم فضلاً عليهم يعترفون لهم به في قرابتهم من النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -، ولا علماً بالكتاب ينتهون إلى شيء من قولهم فيه.
وقال: وليس كتاب إلا وله أهل هم أعلم الناس به، ضل منهم من ضل، واهتدى من اهتدى.
ثم قال بعد كلام: ورسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - هو جدنا، وابن عمه المهاجر معه أبونا، وابنته أمنا، وزوجته أفضل أزواجه جدتنا، فمن أهل الأنبياء إلا من نزل بمنزلتنا من نبينا - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - والله المستعان.(1/268)
واحتج على ذلك بقوله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(26)} [الحديد].
وحكى عنه الحاكم أنه قال: الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان.
وذكر محمد بن علي الباقر - عَلَيْه السَّلام - في مناظرته للحروري أن الشيخين مغتصبان لموضع قبريهما من دار رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - مع غير ذلك مما ذكر من زلاتهما في حياة النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وبعد وفاته.
وحكى الحاكم رحمه الله عن جعفر بن محمد الصادق - عَلَيْه السَّلام - أنه قال: نحن حبل الله الذي قال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [آل عمران:103](1/269)
وحكى الإمام المنصور بالله - عَلَيْه السَّلام - عن المهدي لدين الله محمد بن عبدالله النفس الزكية - عَلَيْه السَّلام - أنه قال بعد كلام ذكر فيه قصة المشائح: فنظر علي للدين قبل نظره لنفسه؛ فوجد حقه لا ينال إلا بالسيف المشهور، وتذكر ما هو به من حديث عهد بجاهلية، فكره أن يضرب بعضهم ببعض فيكون في ذلك ترك الألفة؛ فأوصى بها أبو بكر إلى عمر عن غير شورى، فقام بها عمر وعمل في الولاية بغير عمل صاحبه، وليس بيده فيها عهد من رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - ولا تأويل من كتاب الله، إلا رأي توخاه هو فيه مفارق لرأي صاحبه؛ فجعلها بين ستة، ووضع عليهم أمراء أمرهم إن هم اختلفوا أن يقتل الأول من الفتية، وصغروا من أمرهم ما عظم الله، وصاروا سبباً لولاة السوء، وسدت عليهم أبواب التوبة، واشتملت عليهم النار بما فيها، والله جل ثناؤه بالمرصاد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(1/270)