وقال أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -: (عينه المشاهدة لخلقه، ومشاهدته لخلقه أن لا امتناع منه). وقال: (سمعه الإتقان لبريته) فكيف يجوز مع ذلك إثبات إدراك له سبحانه متجدد زائد على كونه عالماً بطريقة القياس على إدراك المخلوقين، مع كون ذلك الإدراك غير معقول، وكونه موهماً لنقص المحتاج إليه؟
مسألة: ما الفرق بين أن يدعي مدعٍ أن نظره يؤديه إلى إثبات إدراك لله سبحانه (متجدد زائد) على كونه عالماً؛ يدرك به المسموعات والمبصرات، وبين أن يدعي أن نظره يؤديه إلى إثبات إدراك له سبحانه متجدد يدرك به الملموسات والمشتهيات من المطعومات والمشمومات، ونحوها مع عدم المخصص (لمدرك من) المحسوسات دون غيره، وعدم الفرق بين إثبات إدراك دون غيره؟
مسألة: إذا كان كل محدث باتفاق الموحدين من العترة ومن قال بقولهم محتاجاً إلى محدث لاستحالة أن يكون أحدث نفسه، أو حدث لا عن محدث، فكيف يصح إثبات متجدد لا يحتاج إلى مجدد مع عدم الفرق بين المحدث والمتجدد في المعنى، وهو حصول كل واحد منهما بعد أن لم يكن؟
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(1/261)


المنتزع الأول من أقوال الأئمة(ع)
يتضمن الكلام في النص والحصر وصفة الإمام
وذكر حكم من يخالف في ذلك من فرق الإسلام

انتزعه السيد العالم العامل، الورع الكامل، نور الدين، عين الموحدين،
فرع العترة الأكرمين الهادين، محيي علوم آبائه الأكرمين
حميدان بن يحيى بن حميدان القاسمي الحسني الهاشمي
رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة مصيره ومأواه
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم، (وبه نستعين)
[ديباجة الكتاب]
أما بعد حمد الله تعالى على سوابغ نعمه، وما أوضحه لجميع المتعبدين من بوالغ حكمه، والصلاة على من اختاره لختم إرساله، وخلفه في أمته بالأئمة السابقين من آله.
فإنه لما كان الكلام في مسائل الإمامة والأئمة، من أول ما وقع فيه الخلاف والتنازع بين الأمة، وقد صح بالأدلة وجوب طاعة أئمة العترة واتباعهم، وأنه لا يجوز لأحد من المؤمنين مخالفة إجماعهم، جمعت من أقوال كثير من الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - جملاً من الكلام؛ في النص والحصر، وصفة الإمام.
[ذكر أقوال أمير المؤمنين (ع) في الإمامة]
فمن ذلك: قول أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - في كتاب نهج البلاغة [في قصة أبي بكر]: (أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة، وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا).
وقوله: (حتى إذا مضى الأول لسبيله أدلى بها إلى غيري بعده؛ فيا عجباً بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته).(1/262)


وقوله بعد ذلك في قصة عمر: (فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة؛ حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني سادسهم؛ فيا لله (و)للشورى، متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر).
وقوله في كتاب المحن في قصة عثمان وأصحابه: (فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء، والحمل على الكتاب وسنة الرسول، وإعطاء كل امرء ما جعل الله له، ومنعه ما لم يجعل الله له، انتبذ من القوم منتبذ فأزالها (إلى ابن) عفان طمعاً في التبجح معه في الدنيا).
وقال في قصة الجميع: (فلم أشعر بعد قبض رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - إلا برجال من بعث أسامة وعسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- فيما أنهضهم فيه، وأمرهم (به) وتقدم إليهم فيه من ملازمة أميرهم، والمسير معه وتحت لوائه، حتى ينفذ لوجهه الذي وجهه له، وخلفوا أميرهم مقيماً في عسكره؛ فأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى عقد عقده الله ورسوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - في أعناقهم، وعهد عهده الله لي إليهم ورسوله فنكثوه وعقدوا لأنفسهم).
وقال في كتاب نهج البلاغة: (حتى إذا قبض رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - رجع قوم على الأعقاب، وغالتهم السبل، واتكلوا على الولائج، ووصلوا غير الرحم، وهجروا النسب الذي أمروا بمودته، ونقلوا البناء عن أرض أساسه، فبنوه في غير موضعه)...(1/263)


وقال في سبب تركه لقتالهم: (فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي فظننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجا، وصبرت على أخذ الكظم، وعلى أمر من طعم العلقم).
وقال في خطبته المعروفة بالموضحة بعد ذكره للمواطن التي فر عنها أبو بكر وعمر: (واعلموا رحمكم الله أنه من أخفى الغدر وطلب الحق من غير أهله، ارتطم في بحر الهلاك، وصار بجهله أقرب إلى الشك والإشراك، والله يقول سبحانه: {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ(15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ(16)} [الأنفال]، فاغضبوا رحمكم الله على من غضب الله عليه)...(1/264)


وقال: (فنقضوا عهد رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -، وخالفوا إلى غير فعله في أخذهم فدكاً من يد ابنته، وتأولوا ما لم يعلموا معرفة حكمه).
وقال -عَلَيْه السَّلام-: (كذب المفترون، وضل الكاذبون على الله وعلى رسوله ضلالاً بعيداً، بل الله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من دونه، وهو أعلم حيث يجعل رسالاته، ويهدي لنوره من يشاء، ولا معقب لحكمه، ولا راد لأمره، وقد اختار الله طالوت واصطفاه، ووكله بأمره فمن أطاعه ظفر، ومن عصاه كفر؛ فاعتبروا به فلكم فيه معتبر).
ومن شعره - عَلَيْه السَّلام - في معنى ذلك، قوله:
أنا علي صاحب الصمصامهْ.... أخو نبي الله ذي العلامهْ
قد قال إذ عممني العمامهْ.... أنت الذي بعدي له الإمامهْ
وقوله:
سبقتكم إلى الإسلام طراً.... صغيراً ما بلغت أوان حلمي
وآتاني ولايته عليكم.... رسول الله يوم غدير خمِّ
وقوله:
فإن كنتَ بالشورى ملكتَ أمورهم.... فكيف تليها والمشيرون غيّبُ
وإن كنتَ بالقربى حججتَ خصيمهم.... فغيرك أولى بالنبي وأقربُ(1/265)

53 / 94
ع
En
A+
A-