مسألة: كيف يجوز أن يجعل الشيء أو الذات اسم جنس عام للخالق ليتوصل بالمشاركة فيه بين الباري وغيره إلى جعل ذاته من جملة الذوات المحدودة بالحد الجامع المركب من جنس وفصل، وإلى قياس (صفاته على صفات المخلوقين)، مع كون الجنسية والنوعية والمشاركة والقياس من أوصاف الأشياء المحدثة، التي يصح قياس بعضها على بعض لأجل اشتراكها في صفات تعم، وافتراقها لأجل صفات تخص، ولذلك لم يجز فيها لما كانت أجناساً متنوعة أن يقال: محدث لا كالمحدثات، وجسم لا كالأجسام، وجاز في الله سبحانه لما لم يكن جنساً لشيء ولا نوعاً من جنس، أن يقال: إنه سبحانه شيء لا كالأشياء؛ فدل ذلك على أن الشيئية ليست باسم جنس حقيقة.
ولذلك قال أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -: (ليس لذاته تكييف، ولا لصفاته تجنيس، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار).
وقال: (لم يلتبس به حال، ولا نازعه بال، ولا الذات ذَيَّتته، ولا الملكة ملكته، ولا الصفة أوجدته بل هو مُوْجِدُ كلِّ موجود، وخالق كل صفة وموصوف).
وقال: (باينهم بصفته رباً، كما باينوه بحدوثهم خلقاً).
وقال: (واحد لا بعدد، دائم لا بأمد، قائم لا بعمد، ليس بجنس فتعادله الأجناس).
وقال: (صفته أنه لا مثل له من خلقه، وحليته أنه لا شبيه له من بريته، ومعرفته أنه لا إحاطة به، والعلم به أن لا معدل عنه).(1/256)


مسألة: كيف يصح الإستدلال بكون الباري سبحانه عالماً فيما لم يزل على ثبوت ذوات العالم فيما لم يزل مع اتفاق الموحدين على أن ذوات العالم هي العالم المحدث الذي يستحيل وصفه بالقدم، واتفاق أكثرهم على أنه لا يجوز أن يوصف بالثبوت فيما لم يزل إلا الله سبحانه.
ولذلك قال أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -: (الحمد لله الذي دل على وجوده بخلقه، وبحدث خلقه على أزليته).
وقال: (والذي الحدث يلحقه فالأزل يباينه).
وقال: (عالم إذ لا معلوم، ورب إذ لا مربوب، وقادر إذ لا مقدور).
مسألة: كيف يصح الجمع بين القول بأن لوجود ذوات العالم أولاً، والقول بأنه لا أول لثبوتها مع عدم الفرق بين ثبوتها ووجودها، وكذلك الحال في القول بأن: ذوت العالم هي العالم المحدث، والقول بأن ذوات العالم ثابتة فيما لم يزل؟
مسألة: إذا كانت ذوات العالم المتناهية لها نهاية بإجماع من يزعم أنها بعض الذوات وبعض المقدورات التي لا نهاية لها بزعمهم؛ فكيف يصح أو يعقل أن يوصف ما لبعضه نهاية بأنه لا نهاية لكله مع ما في ذلك من التناقض البين؟..(1/257)


مسألة: إذا لم تكن ذوات العالم محتاجة في كونها ذواتاً إلى مؤثر يجعلها ذواتاً بعد أن لم تكن، فكيف يصح وصفها بأنها مقدورة لله سبحانه لأجل تأثيره في أمر زائد عليها ليس هو هي ولا غيرها، وهو الوجود الذي قيل إنه سبحانه لا يؤثر إلا فيه، وأنه لا يعلمه فيما لم يزل؟ وهل يعقل من ذلك إلا القول بأن كل شيء تعلق به علمه فلا تأثير له فيه، وكل أمر أثر فيه فليس هو له بمعلوم فيما لم يزل مع ما في ذلك من التجهيل والتعجيز الذي لا يجوز وصفه به.
مسألة: إذا كان كون العالم محكماً يدل على كون الباري سبحانه عالماً بالإحكام قبل كونه فرعاً على إيجاده، بمعنى أن حصول الإحكام والعلم به لا يمكن من دون حصول الإيجاد والعلم به، وكان الذي يدل على كون الباري سبحانه عالماً هو وجود العالم محكماً؛ فكيف يصح أو يجوز أن يقال: إن الله سبحانه لا يعلم فيما لم يزل إلا مجرد الذوات دون الإيجاد والإحكام، مع ما في القول بذلك من لزوم إبطال الدليل والمدلول عليه، لأجل وقوف العلم بكونه سبحانه عالماً على كونه عالماً بالإحكام قبل حصول علمه بالإحكام على حصول الإحكام بعد الإيجاد، وكون الإيجاد غير معلوم له سبحانه فيما لم يزل.
مسألة: إذا كان لكل ذاتٍ صفة أو صفات يستحيل خلوها عنها فيما لم يزل وفيما لا يزال عند من يقول بأزلية كل ذات، فكيف يصح أن يقال في حقيقة الذوات إنه يصح العلم بها على انفرادها، وهل يعقل انفرادها عما يستحيل خلوها عنه مع كون ذلك متناقضاً...(1/258)


مسألة: كيف يصح الجمع بين القول بأن الجوهر ليس له إلا جهة واحدة لأجل كونه جزءاً لا يتجزأ، والقول بجواز ائتلاف الجواهر طولاً مع حصول العلم ضرورة بأن ائتلاف ثلاثة جواهر طولاً لا يصح ولا يعقل إلا إذا كان أحدها متوسطاً وأن توسطه لا يصح ولا يعقل إلا إذا كان بين جوهرين، ومحاداً لهما بحدين؟
مسألة: ما الفرق بين قول من قال: صفات الله أشياء غير ذاته، وقول من قال صفاته أمور زائدة على ذاته ؟ مع أنه ما من دليل يدل على بطلان كونها أشياء غير ذاته، إلا ويصح أن يدل على بطلان كونها أموراً زائدة على ذاته ومع عدم الفرق بين تسميتها أموراً وتسميتها أشياء، ومع عدم الفرق بين جعلها زائدة وجعلها غيراً، ولذلك يجوز أن يقال: كل أمر شيء، وكل زائد على شيء فهو غير له.
مسألة: إذا كان يعلم ضرورة أنه لا يجوز نفي النفي والإثبات معاً، ولا إثباتهما معاً، ولا دخول متوسط بينهما، وكان كل معلوم ضرورة أصلاً يدل على صحة ما يوافقه من النظر، وفساد ما يخالفه منه، فكيف يصح مع ذلك أن يؤدي النظر والإستدلال إلى إثبات أمور ليست بشيء ولا لا شيء كما يصح أن يؤدي إلى إثبات أمور هي شيء ولا لاشيء؟
مسألة: ما الفرق بين قول من قال: أعيان العالم قديمة، وقول من قال: ذواته ثابتة فيما لم يزل؟ مع جواز أن يعبر بالأزل بدلاً عن القدم، وبذات الشيء بدلاً عن عينه...(1/259)


مسألة: كيف يجوز الإستغلاط بحصر القسمة في أن الله سبحانه لا يخلو: إما أن يكون مريداً لذاته أو لغيره مع جواز أن يقال: أو لا لذاته ولا لغيره؛ لأجل كونه سبحانه مريداً لا بإرادة كإرادة المخلوق كما أنه قادر لا بقدرة، فاعل لا بآلة.
ولذلك قال أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -: (يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر).
وقال: (مشيئته الإنفاذ لحكمه، وإرادته الإمضاء لأموره).
مسألة: إذا كان الله سبحانه فاعلاً مختاراً لفعله ولا يجوز عليه السهو ولا الاضطرار، وكان لا يصح في العقل إثبات كون الفاعل مختاراً لفعله مع نفي كونه مريداً له؛ فكيف يجوز مع ذلك وصف الباري سبحانه بأنه يخلق ما لا يريد، مع ما في إضافة ذلك إليه من النقص الذي لا يجوز إضافته إليه؟
مسألة: إذا كان العرض إنما سمي عرضاً لأجل كونه صفة لمحله، وعارضاً حالة وجوده في غيره، ولذلك استحال في الشاهد وجود عرض لا في محل، كما يستحيل وجود الجسم خالياً عن جميع الأعراض؛ فكيف يجوز مع ذلك أن يتفكر في إثبات عرض موجود لا في محل، بل كيف يجوز وصف بعض الأعراض بأنه ضد لجواهر العالم، مع عدم المضادة مع كون ذلك غير ممكن ولا معقول.
مسألة: إذا ثبت بأدلة العقل أن الله سبحانه وتعالى عالم فيما لم يزل، وفيما لا يزال بما كان وبما سيكون، وبما لو كان كيف يكون، وثبت بنص الكتاب أنه سبحانه عالم الغيب والشهادة...(1/260)

52 / 94
ع
En
A+
A-