وقوله: (وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه؛ بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة؛ فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله).
وقوله: (ومن وصفه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن عده فقد أبطل أزله).
وقول ابنه الحسن - عَلَيْهما السَّلام - في جوابه لابن الأزرق الذي حكاه عنه الحاكم في السفينة: (أصف إلهي بما وصف به نفسه، وأعرفه بما عرف به نفسه، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس).
وقول القاسم بن إبراهيم - عَلَيْه السَّلام - في جواب مسائل الطبريين: (فهذه صفته تبارك وتعالى في الأينية والذات، ليست فيه جل جلاله بمختلفة ولا ذات أشتات، ولو كانت فيه مختلفة لكان اثنين أو أكثر في الذكر والعدة، وإنما صفته سبحانه هو).
وقول ابنه محمد - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الأصول: (وصفته لذاته هو قولنا لنفسه، نريد بذلك حقيقة وجوده).
وقول الهادي إلى الحق - عَلَيْه السَّلام - في كتاب المسترشد: (وليس قولنا صفتان قديمتان أن مع الله سبحانه صفة يوصف بها، ولا نقول إن ثم صفةً وموصوفاً، ولا إن ثم شيئاً سوى الله عند ذوي العقول مجهولاً ولا معروفاً)...(1/241)


وقوله في كتاب الديانة: (من زعم أن علمه وقدرته وسمعه وبصره صفات له لم يزل موصوفاً بها قبل أن يخلق، وقبل أن يكون أحد يصفه بها، وقبل أن يصف هو بها نفسه، وتلك الصفات زعم لا يقال هي الله، ولا يقال هي غيره، فقد قال منكراً من القول وزوراً).
وقول القاسم بن علي - عَلَيْه السَّلام - في كتاب التوحيد: (إن زعم زاعم أنه عالم بعلم ليس هو هو، ولا هو غيره؛ لم يكن بينه وبين من زعم أنه عالم بعلم هو هو، وهو غيره فرق).
وقول ابنه الحسين - عَلَيْهم السَّلام - في جوابه ليحيى بن مالك الصعدي: (ما تفسير علم الله وقدرته إلا كتفسير وجهه ونفسه؛ فهل يقول أحد يعقل بأن له وجهاً كوجه الإنسان أو نفساً كأنفس ذوي الأبدان، هذا ما لا يقول به أحد من ذوي الألباب ولا يعتقده في الله رب الأرباب، وإنما وجهه هو ذاته وكذلك علمه وقدرته).
[الكلام في الإرادة]
وأما الفصل الثالث: وهو الكلام في الإرادة
فمذهب العترة أن الله سبحانه مريد لا بإرادة كما أنه سبحانه فاعل لا بحركة لوجوب كونه سبحانه في ذلك بخلاف المخلوقين.
ومذهب المعتزلة أنه سبحانه مريد بإرادة خلقها ولم يردها، قالوا: وهي عرض موجود لا في محل، وتختص به سبحانه على أبلغ الوجوه لكونه موجوداً لا في محل، مع إقرارهم بأن له سبحانه إرادات مختلفة بحسب اختلاف أفعاله.
والذي يدل على صحة مذهب العترة وبطلان مذهب المعتزلة: هو كون أقوالهم في ذلك على الجملة مبدعة وخارجة عن حد العقل...(1/242)


وأما على التفصيل: فقولهم: إن لله سبحانه إرادة خلقها ولم يردها يبطل؛ لأجل أن الفاعل لما لا يريد لا يخلو إما أن يكون ساهياً أو مضطراً، وذلك مما لا يجوز إضافته إلا إلى المخلوق دون الخالق سبحانه، ولأنه قد ثبت بالدليل أن الله سبحانه فاعل مختار، والفاعل المختار مريد لما يختاره؛ إذ لا يصح وجود الاختيار مع عدم الإرادة.
ولأن الذي دلهم بزعمهم على كون الباري سبحانه مريداً هو وقوع أفعاله على الوجوه المختلفة، وقد ثبت بإجماعهم أن إرادات الباري وكراهاته أفعال له وواقعة على وجوه مختلفة، ومن شرط صحة الأدلة الصحيحة بإجماعهم أن تطرد شاهداً وغائباً، فيلزمهم على قود قولهم إما أن تحتاج كل إرادة إلى إرادة، وإما القول بأن الله سبحانه مريد لا بإرادة.
وقولهم: إنها عرض موجود لا في محل يبطل؛ لأجل أن العرض لا يعقل وجوده إلا إذا كان حالاً في غيره، لكونه عارضاً حالة وجوده في غيره، ولذلك سمي عرضاً، ولأنه لا فرق بين القول بوجوده لا في محل، والقول بوجوده حيث لا يوجد؛ لكون صحة وجوده مشروطة بحلوله، ولأنه لو جاز أن يؤدي أحداً نظره إلى إثبات إرادة لله سبحانه لا في محل؛ لم يمتنع أن يؤديه ذلك النظر إلى إثبات حركة له سبحانه لا في محل، وشهوة لا في محل ونحو ذلك من المحالات؛ التي ليس بعضها أولى بالإثبات من بعض بغير دليل...(1/243)


وأما قولهم: إنها مختصة به على أبلغ الوجوه، لكونها موجودة على حد وجوده لا في محل؛ فهو باطل على أبلغ الوجوه، لأجل أنه يستحيل أن يوصف الباري سبحانه بأنه يختص بالأعراض، (ولأجل أنه) يستحيل وجود العرض لا في محل.
ومما يشهد بصحة هذه الجملة من أقوال الأئمة:
قول أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - فيما تقدم ذكره: (يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر، يحب ويرضى من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة).
وقوله: (ومشيئته الإنفاذ لحكمه، وإرادته الإمضاء لأموره).
وقول علي بن الحسين بن علي - عَلَيْهم السَّلام - في توحيده: (فاعل لا باضطرار، مقدر لا بجولان فكره، مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة).
وقول جعفر بن محمد الصادق - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الإهليلجة: (الإرادة من العباد الضمير وما يبدو بعد ذلك من الفعل؛ فأما من الله عز وجل فالإرادة للفعل إحداثه لأنه لا يرى ولا يتفكر).
وقول الهادي إلى الحق - عَلَيْه السَّلام - في كتاب المسترشد: (ألا ترى أن الفاعل لما لا يريد، فجاهل مذموم من العبيد، فكيف يقال بذلك في الله الواحد الحميد).
وقوله: (لا فرق بين إرادة الله ومراده، وإن الإرادة منه هي المراد، وإن مراده هو الموجود الكائن المخلوق).
وقول ابنه المرتضى لدين الله - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الشرح والبيان: ([و]العرض لا يقوم بنفسه، ولا بد له من شبح يقوم فيه وبه)...(1/244)


وقول أخيه الناصر لدين الله - عَلَيْه السَّلام - في كتاب النجاة: (لا يقوم عرض إلا في جسم، ولا جسم إلا وفيه عرض).
وقول القاسم بن علي - عَلَيْه السَّلام - في كتاب التجريد: (فإن قال السائل: فلا أرى لله إرادة إذا كان مراده وجود فعله؛ فإنا نقول: إن مراده لو لم يكن وجود فعله لكانت صفاته كصفات خلقه).
وقول ابنه الحسين - عَلَيْهما السَّلام - في كتاب الرد على الملحدين: (ولو كانت إرادته قبل فعله لكانت كإرادة المخلوقين، ولكانت عرضاً من جسم، ولو كان جسماً لأشبه الأجسام، وإنما إرادته فعله، وفعله مراده، وليس ثم إرادة غير المراد، فيكون مشابهاً للعباد).
وذكر الإمام المنصور بالله - عَلَيْه السَّلام - في الرسالة الناصحة للإخوان أن من جملة محالات المطرفية قولهم في الإحالة: (إنها لا حالة ولا محلولة)، وذلك يدل على أن قول من قال في الإرادة: إنها لا حالة ولا محلولة محال كالقول في الإحالة لعدم الفرق.
[الكلام في الإدراك]
وأما الفصل الرابع: وهو في الكلام في الإدراك
فمذهب العترة: أن الله سبحانه مدرك لجميع المدركات من المحسوسات وغيرها درك علم لا كيفية له، ولا يجوز توهمه، ولا التفكر فيه.
ومذهب المعتزلة: أنه سبحانه مدرك للمسموعات والمبصرات إذا كانت موجودة بإدراك متجدد زائد على كونه عالماً بها.
والذي يدل على صحة مذهب العترة وبطلان مذهب المعتزلة على وجه الإختصار أربعة أدلة:..(1/245)

49 / 94
ع
En
A+
A-