إلى قوله: وقد يشتبه قولي شيء وشيء، ولا يشتبه المسمى إلا أن أوقع عليه من أي الأشياء هو وما هو؟ فحينئذ تشتبه المسميات).
وقول محمد بن القاسم - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الوصية: (حقيقة الإيمان به أنه هو الذي هو خلاف الأشياء كلها).
وقوله: (حقيقة اليقين به والمعرفة له أنه لا يدرك بحلية ولا تحديد ولا تمثيل ولا صفة؛ وكيف يوصف من لا تدركه العقول ولا الفِكَرُ ولا الحواس).
وقوله في كتاب الأصول: (وما اشترك في نوع من الأنواع مثلاً فهو مثله).
وقول الهادي إلى الحق - عَلَيْه السَّلام - في كتاب المسترشد: (نقول: إن ربنا جل وتقدس إلهنا شيء لا كالأشياء سبحانه وتعالى وتبارك، لا شبيه له ولا يدانيه شيء، ولم يزل سبحانه قبل كل شيء، وهو المشيئ لكل الأشياء).
وقوله: (نريد بقولنا شيء إثبات الموجود، ونفي العدم المفقود؛ لأن الإثبات أن نقول شيء، والعدم أن لا نثبت شيئاً).
وقول القاسم بن علي - عَلَيْه السَّلام - في كتاب التوحيد: (إن قال قائل: إذا زعمتم أنه شيء لا كالأشياء فما أنكرتم أن يكون جسماً لا كالأجسام، وإذا قلتم إنه شيء لا يشبهه شيء موجود ولا موهوم فما أنكرتم أن يكون جسماً لا يشبهه جسم موجود ولا موهوم...(1/236)
قلنا: الفرق بينهما أن قول القائل شيء إثبات، وليس يذهب الذاهب فيه إلى جسم دون عرض، ولا إلى عرض دون جسم، ولا إلى إنسان دون مَلَك، ولا إلى مَلَك دون إنسان؛ فلما كان ذلك كذلك لم يجب به تشبيه، وقولنا جسم: وصف خاص لجنس دون جنس لا يجوز أن يشركه فيه غيره من الأشياء).
وقول ابنه الحسين - عَلَيْهم السَّلام - في كتاب الرد على الملحدين: (اعلم أن قولنا شيء إثبات موجود ونفي معدوم، وقولنا لا كالأشياء نفي للتشبيه).
[الكلام في صفات الذات]
وأما الفصل الثاني: وهو الكلام في صفات الذات
فمذهب العترة أن وصف الباري سبحانه بأنه قادر وعالم، وحي وموجود، ونحو ذلك مما يستحق الوصف به أزلاً وأبداً لا يدل على إثبات صفات لذاته زائدة عليها، وأن معنى إضافتها إليه كمعنى إضافة وجهه ونفسه إليه؛ وذلك لأنه عندهم يستحيل إثبات واسطة بين وصفه وذاته كما يستحيل إثبات وجه ونفس له سبحانه، ويجب عندهم أن نفرق في ذلك بينه سبحانه وبين المخلوق الذي يجب أن يدل وصفه بالقدرة والعلم على وجود قدرة مخلوقة له، وعلم إما مكتسب وإما ضروري.
ومذهب بعض المعتزلة أن وصف الباري سبحانه بكونه قادراً وعالماً، وحياً وموجوداً يدل على صفات زائدة على ذاته سبحانه، وثابتة له فيما لم يزل...(1/237)
ومنهم من يقول: إنه يستحقها كلها لذاته، ومنهم من يقول: إنه يستحقها لأمر زائد على ذاته أخص منها لا يستحق لذاته سوى ذلك الأمر، واصطلحوا على تسمية الصفات على الجملة أموراً لا أشياء، وثابتة لا موجودة، وأزلية لا قديمة، وزوائد على الذات لا أغياراً لها.
وعلى وصفها بأنها لا شيء ولا لاشيء، ولا قديمة ولا محدثة، ولا موجودة ولا معدومة، وأنها لا تعلم مع الذات ولا منفردة، وأشباه ذلك مما لم يسبقهم إلى القول به موحد، ولا يتبعهم فيه إلا مقلد.
والذي يدل على صحة مذهب العترة في ذلك وبطلان مذهب المعتزلة: هو كون مذهبهم فيه متضمناً لضروب من المحالات التي أولها كونه مذهباً حادثاً متكلفاً بغير دليل معقول ولا مسموع يدل على وجوده أو على صحته وكل مذهب حادث كذلك فهو باطل لقول الله سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ...} إلى قوله: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33)} [الأعراف]، وقوله سبحانه: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ(8)} [الحج]، وقوله في مثل ذلك: {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم:23]، {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ(148)} [الأنعام].(1/238)
ولما روى الحاكم عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - أنه قال: ((يوشك الشرك أن ينتقل من ربع إلى ربع، ومن قبيلة إلى قبيلة)) قيل: يا رسول الله، وما ذاك الشرك؟
قال: ((قوم يأتون بعدكم يحدون الله حداً بالصفة)).
وثانيها: أن علمهم بذلك لا يخلو إما أن يكون عن التفكر في الله سبحانه، أو عن التفكر في غيره، أو عن التفكر لا في ذاته ولا في غيره.
فإن كان عن التفكر لا في الله ولا في غيره؛ فهو تفكر لا في شيء.
وإن كان عن التفكر في غير الله سبحانه؛ فالتفكر في غيره لا يؤدي إلى العلم بكيفية استحقاقه لصفات ذاته.
وإن كان عن التفكر فيه سبحانه؛ فذلك باطل لتحريمه سبحانه عليهم أن يقولوا عليه ما لا يعلمون، وقد أخبر الله سبحانه أنهم لا يحيطون به علماً.
ولقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله)).
وقوله: ((تفكروا في المخلوق ولا تفكروا في الخالق)).
وقول أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -: ((من فكر في الصنع وحد، ومن فكر في الصانع ألحد)).
وثالثها: تناقض أقوالهم في كثير من ذلك، وكل متناقض فهو باطل.
مثال ذلك: قولهم: إن الصفات لا توصف، ونقضهم لذلك بوصفهم لبعضها بالأزل، ولبعضها بالتجدد.
وكذلك قولهم إنها لا تَغَايَر، نقضوه بجعلهم لبعضها مُقْتَضِياً ولبعضها مُقْتَضاً، وكل مذكورين على هذا الوجه فإنه يجب أن يكون أحدهما غير الآخر...(1/239)
ومن جملة المناقضة: وصفهم لها بأنها لا شيء، ولا لا شيء، وأنها زائدة على الذات وليست غيرها، وأشباه ذلك.
ورابعها: تحريفهم لمعاني كثير من الألفاظ التي لا فرق (بين معانيها) لا لغة ولا عرفاً نحو الأمر والشيء، والزائد والغير، والقدم والأزل، والحدوث والتجدد، وأشباه ذلك مما توصلوا بتحريفهم لمعانيه المعقولة إلى أن يعبروا به عما لا يعقل مع كونهم غير مفوضين، ولا حكماء ولا معصومين عن الدخول في زمرة من ذمهم الله سبحانه على تحريفهم للكلم عن مواضعه.
وخامسها: إثباتهم لأمور متوسطة بين النفي والإثبات نحو قولهم: لا شيء ولا لاشيء، وكون ذلك محالاً مما يعلم ضرورة كما يعلم ضرورة أن قول من يقول: زيد لا في الدار، ولا في غيرها محال.
وسادسها: موافقتهم بقولهم: إن صفات الله أمور زائدة على ذاته لقول من قال صفات الله أشياء غير ذاته، وأشباه ذلك مما لا فرق بينه إلا بما اخترصوه من الإصطلاح الذي لا يجوز قبوله فضلاً عن أن يجب.
ومما يشهد بصحة هذه الجملة من أقوال الأئمة:
قول أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - في خطبته المتقدم ذكرها: (باينهم بصفته رباً، كما باينوه بحدوثهم خلقاً، فمن وصفه فقد شبهه، ومن لم يصفه فقد نفاه، وصفته أنه سميع ولا صفة لسمعه).(1/240)