[الفرق السابع: بقلة ألفاظ علوم الأئمة مع البيان وكثرة ألفاظ مخالفيهم مع الالتباس]
والفرق السابع: بقلة ألفاظ علوم الأئمة مع البيان، وكثرة ألفاظ علوم مخالفيهم من العامة مع الالتباس، وذلك لأن الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - اكتفوا بما قد أغناهم الله سبحانه به، عن تكلف غيره، وهو العلم الذي كان كافياً لأهل عصر النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - ولم يزيدوا عليه إلا ما تدعو الحاجة إلى تبيينه نحو حل شبهة، أو تبيين مجمل، أو تفريع حكم، أو حكاية ما يريدون إبطاله من أقوال المخالفين، وليس كذلك علوم أكثر مخالفيهم من علماء العامة؛ فإنهم كثروها بشروح يقل عن الإحاطة بكلها العمر، وتضل في طريق مغالطها الفِكَرُ، وطولوها بحكاياتهم لكثير من الأقوال المتعارضة، التي لا فائدة في ذكرها، من غير تبيين للفرق بينها، إلا توصلهم إلى من خافوه، أو أحبوه بما يوافقه منها، أو إيهامهم أن لمن حكاها، فضلاً في العلم على من لم يحك مثلها.
والفرق بين علوم الأئمة وعلوم العامة في ذلك جلي، لولا تلبيس من ينظر في كتب الأئمة بعين الاستزراء، ويعبر عنها بلسان الإستهزاء، ليتوصل بالتشكيك في علوم الأئمة، إلى الترغيب في علوم العامة.(1/221)


[الفرق الثامن: باختلافهم في الإئتلاف]
والفرق الثامن: باختلافهم في الإئتلاف، وذلك لأن الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - فرقة واحدة لأجل تمسكهم بالكتاب وكل واحد منهم متبع لسبيل من قبله من الأئمة، وحاذ حذوهم، ومبين لما اختلف فيه من أقوالهم وسيرهم، ولما حرف من كلامهم، أو زيد عليه أو نقص منه، ومنكر على من خالفهم أو خالف بينهم، بخلاف علماء العامة؛ فإنهم فرق ولكل فرقة منهم مذهب يعتزون إليه، وشيخ يعتمدون فيه عليه.
ومما يؤيد ذلك: قول أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- المحكي عنه في نهج البلاغة الذي منه قوله في ذم المختلفين: (أفأمرهم الله سبحانه بالاختلاف فأطاعوه؟ أم نهاهم عنه فعصوه؟ أم أنزل الله ديناً ناقصاً فاستعان بهم على إتمامه؟ أم كانوا له شركاء، فلهم أن يقولوا وعليه أن يرضى؟ أم أنزل الله ديناً تاماً فقصر الرسول -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- عن تبليغه وأدائه؟).
وكذلك ما حكاه الناصر للحق الحسن بن علي - عَلَيْه السَّلام -، -فيما رواه عنه مصنف المسفر- من اختلاف كثير من شيوخ المعتزلة في علوم الدين حتى تبرأ بعضهم من بعض لأجل ذلك.
[ذكر جملة مما يكشف عن أسرار المتشيعين]
وأما الفصل العاشر
وهو في ذكر جملة مما يكشف عن أسرار المتشيعين
فلأن من صفة شيعي العترة عندهم: أن يكون متبعاً لسبيلهم في الدين قولاً وعملاً واعتقاداً لا يخالفهم ولا يخالف بينهم، ولا يوالي من خالفهم، ولا ينكر كون إجماع العترة حجة لازمة، ولا كون التمسك بهم واجباً.(1/222)


وبيان ذلك بطريقة التقسيم والإلزام يقع في ثلاث مسائل مما أجمعت عليه العترة كافية في التنبيه على ما عداها:
الأولى: إجماعهم على أن معرفة مسائل الإمامة من أصول الدين المفروضة المعينة التي يستحق كل من أخل بها الذم والعقاب.
والثانية: إجماعهم على أن كل مدع للإمامة لا يخلو إما أن يكون إمام هدى أو إمام ضلال.
والثالثة: إجماعهم على أن الإمام السابق قائم في أهل عصره مقام رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - فيما يجب له عليهم من الطاعة والتسليم، ويجب لهم عليه من الحياطة والتعظيم.
[الإجماع على أن معرفة مسائل الإمامة من أصول الدين المفروضة]
أما إجماعهم في المسألة الأولى على أن معرفة مسائل الإمامة، واعتقاد صحتها من الفروض المعينة؛ فمدعي التشيع لا يخلو إما أن يقر بما أجمعوا عليه ويعترف بصحته، أو لا.
فإن أنكر ذلك أو تأوله، فليس بشيعي، وإن اعترف بصحة ذلك لزمه أن يعتقد أن كل من خالف في وجوب تقديم علي - عَلَيْه السَّلام - مستحق للذم والعقاب سواء كان صحابياً أو معتزلياً أو غيرهما لعدم المخصص لمُخِلّ بفرض دون غيره؛ فإن اعترض على ذلك بتوقف من توقف من العترة في معصية الشيخين هل هي صغيرة أم كبيرة؟
فالجواب: أن التوقف ليس بمذهب يجب سلوكه؛ لأن المتوقف في ذلك منهم لا يخلو إما أن يكون مشكاً أو متاقياً أو متألفاً...(1/223)


فإن كان مشكاً فهو منتظر للدليل ومجوز لحصوله، إما له وإما لغيره، وإن كان متاقياً أو متألفاً فهو منتظر للنصر والفرج.
ولأن المتوقف في ذلك من العترة لا يتوقف عن وصف فعل الشيخين بأنه ظلم ومعصية على الجملة، وإن توقف عن سبهما، ولأنه لا يتوقف عن وصف النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - بأنه قد بين لأصحابه ما أمره الله بتبليغه إليهم، ولأنه لا يتوقف عن تفسيق من فعل مثل فعلهما مع من هو دون علي - عَلَيْه السَّلام - في الفضل مِنْ سائر مَنْ بعده من الأئمة، ولأنه لا يوجب التوقف على غيره ولا يبطل عدالة من لم يتوقف من أئمة العترة.
ومما يؤيد ذلك من أقوال الأئمة مع ما تقدم ذكر بعضه:
قول الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عَلَيْه السَّلام - في جوابه لأهل صنعاء: (ولا أسب إلا من نقض العهد والعزيمة، وفي كل وقت له هزيمة، من الذين بالنفاق تفردوا، وعلى الرسول مرة بعد أخرى تمردوا، وعلى أهل بيته اجتروا وطعنوا).
وقول الإمام المنصور بالله - عَلَيْه السَّلام - في شرح الرسالة الناصحة: (ولا أتم رياسة، ولا أعظم نفاسة، مما حكم الله سبحانه به لآبائنا - عَلَيْهم السَّلام -، وأورثنا إياه إلى يوم نشر العظام، من ولاية خاص خلقه والعام، وإلحاق الكفر والفسق بمن أنكر حقنا في ذلك من جميع الأنام)...(1/224)


وقوله في الشافي: (اعلم أن كافة أهل البيت الطاهرين - عَلَيْهم السَّلام - ذرية خاتم النبيئين - صلى الله عليه وآله - يدينون ويعتقدون أنه لا نجاة لأبي بكر وعمر وعثمان إلا بخلوص ولايتهم فيهم؛ لأن الله تعالى أوجب محبتهم على جميع المكلفين وهم منهم).
وقوله في بعض أجوبته الموجودة بخطه في ذكر توقف من توقف من العترة: (وأكثر ما نقل وصح عن السلف فهو ما قلنا على تلفيق واجتهاد وإن كان الطعن والسب من بعض الجارودية ظاهراً).
[الإجماع على أن مدَّع الإمامة إما إمام هدى أو ضلال]
وأما إجماع العترة في المسألة الثانية، على أن كل مدع للإمامة لا يخلو إما أن يكون إمام هدى أو إمام ضلال.
فمدعي التشيع لا يخلو إما أن يلتزم ذلك لكون هذه القسمة دائرة بين النفي والإثبات، أو لا يلتزم؛ فإن لم يلتزم فليس بشيعي، وإن التزمه لزمه أن يدين الله تعالى بأن المشائخ أئمة ضلال، وأن كل متبع لهم ضال؛ لأن الحق إذا تعين مع علي - عَلَيْه السَّلام - لزم أن يكون الضلال مع مخالفته لقول الله سبحانه: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس:32]...(1/225)

45 / 94
ع
En
A+
A-