وحكى - عَلَيْه السَّلام - أن أبا بكر وعمر اختلفا في المشورة على النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - فيمن يرأس على بني تميم من وفدهم فأشار أبو بكر بالأقرع بن حابس، وأشار عمر بغيره، وتعارضا حتى علت أصواتهما فوق صوت النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - فأنزل الله سبحانه فيهما: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ(2)} [الحجرات].
قال - عَلَيْه السَّلام -: (فإذا كانت طاعتهم تحبط برفع الصوت؛ فما ظنك بمن قلة طاعته، وعظم خلافه للنبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله -).
وحكى عنه جوابه عن تعميقات الفلاسفة، ثم قال -وخص بالإنكار المعتزلة لأنهم خائضون فيما دق عليهم ولم يكلفوه، وهم معروفون به-؛ فقال - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الكفر والإيمان: (ثم انصدعت من هذه الملة طائفة تحلت باسم الإعتزال استهواها واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد...(1/206)


إلى قوله: ولأن غرضه - عَلَيْه السَّلام - ترك الخوض فيما دق إذ لم يكلفه الخائض فيه، كالقول في معرفة الباري تعالى عن غير الجهة التي عرفهم منها نفسه، حتى خاضوا في صفات ذاته، وضربوا له الأمثال، وقد نهى الله عن ذلك؛ فقال تعالى: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ} [النحل:74]، {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ(33)} [الأعراف]، وبالغوا في خلاف ذلك ولم يرضوا حتى تعدوا إلى الكلام في كل ما لا يعلمون ولا يدركون خلافاً لله تعالى ولرسوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله -، وابتداعاً وتخرصاً وميناً، ورمياً بعقولهم وحواسهم من وراء غاياتها ونهاياتها؛ تائهة ضالة حائرة مرتطمة في بحور الجهالات، على غير مثال، وبغير دليل.
فتكلموا في تقضي نعيم أهل الجنة، وما قدرها وهيئتها من التدوير والتربيع حتى تبرأ بعضهم من بعض لأجل الخلاف بينهم فيه، وقالوا بالأصلح، واللطف، والكمون والظهور، وتحديد الأعراض والأجسام والجزء، والطفر، وفي إرادة الله تعالى، وفي علمه، وإدراكه، وما حقيقة المعلوم والمجهول، والمباشرة للفعل والتولد، والمداخلة بين الأجزاء والمجاورة...(1/207)


وقد كُفُوا عن ذلك بما أبانه الله تعالى من وصفه لنفسه، ووصفه لخلقه فقال: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ(11)} [الشورى]، وقال: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(103)} [الأنعام]، وقال تعالى في وصف خلقه: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ(8)} [النحل].
إلى قوله: وتكلموا من دقيق الكلام بما لم يكلفوا، وبما لعل حواسهم خلقت مقصرة عن إدراك حقيقتها، وعاجزة عن قصد السبيل فيها).
وقول القاسم بن علي العياني - عَلَيْه السَّلام - في كتاب التنبيه: (وسألت عن السواد الأعظم، وإرماله للحج إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر رسول الله - عَلَيْه السَّلام -، يشهدون بالأمر والخلافة لصاحب الغار، وينكرون قول رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله -: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)).
الجواب: اعلم أيها الأخ - أكرمك الله - أن هؤلاء سامرية أمة محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - ولا فرق بينهم وبين سامرية أمة موسى - صلى الله عليه - كما لا فرق بين موسى ومحمد، وكما لا فرق بين هارون وعلي إلا النبؤة لقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)))...(1/208)


وقول ابنه الحسين بن القاسم - عَلَيْهما السَّلام - في كتاب الرد على الملحدين: (فيا أيتها الأمة الضالة عن رشدها، الجاهدة في هلاك أنفسها، أمرتم بمودة آل النبي أم فرض عليكم مودة تيم وعدي).
وقول الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الحكمة: (وكان من جملة الظالمين من غصب علياً - عَلَيْه السَّلام - حقه، وأنكر سبقه، واستولى على الأمر الذي كان أولى به، كأبي بكر وعمر وعثمان ومن أعانهم على أمرهم).
وقوله في جواب مسائل الأمراء السليمانيين: (سموا المعتزلة معتزلة حيث اعتزلوا عن أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - منهم سعد بن مالك بن أبي وقاص، وعبدالله بن عمر، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، وأسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، والأحنف بن قيس، وسموا نفوسهم أهل العدل والتوحيد).
وقول الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة - عَلَيْه السَّلام - في شرح الرسالة الناصحة: (وقد روينا عن أبينا رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((من كان في قلبه مثقال حبة من خردل عداوة لي ولأهل بيتي لم يرح رائحة الجنة)) ولا يعلم أشد لهم عداوة، ولا أعظم مكيدة لدين الله سبحانه ونبيه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - ممن أنكر فضل عترته، وساوى بينهم وبين غيرهم).
وقوله: (ولا يرد الحوض إلا من خلصت مودته لهم، ولا تخلص مودة من أنكر فضلهم، وجحد حقهم، وساوى بينهم وبين غيرهم).(1/209)


وقوله: (كيف يكون شيعياً لآل محمد - عليه وعَلَيْهم السَّلام - من أنكر فضلهم، وجحد حقهم، وقبس العلم بزعمه من غيرهم).
وقوله في الشافي: (اعلم أن كافة أهل البيت الطاهرين، ذرية خاتم النبيين -صلى الله عليه وعلى آله- يدينون ويعتقدون أنه لا نجاة لأبي بكر وعمر وعثمان إلا بخلوص ولايتهم [فيهم]؛ لأن الله تعالى أوجب محبتهم على جميع المكلفين، وهم منهم.
ولأنا روينا عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله، وأحبوا أهل بيتي لحبي))).
[ذكر فروق تميز بين أئمة العترة وعلماء العامة]
وأما الفصل التاسع
وهو في ذكر فروق تميز بها بين أئمة العترة ومخالفيهم من علماء العامة
[الفرق الأول: اختلافهم في الفضل]
فأول ذلك: اختلافهم في الفضل، وذلك لأنه قد ثبت بالأدلة أن العترة خيرة الله سبحانه الذين خصهم بولادة أنبيائه، واصطفاهم لإرث كتابه، وخلافة نبيه، وحفظ دينه؛ فدل ذلك على أنهم الفضلاء ومن عداهم مفضول، والخاصة ومن عداهم عامة، والرعاة ومن عداهم رعية، والشهود ومن عداهم مشهود عليه، والأئمة ومن عداهم مأموم.(1/210)

42 / 94
ع
En
A+
A-