ولقد وجدت في كتب الأحكام التي وضعها الهادي إلى الحق - صلوات الله عليه - باباً مزيوداً عليه، منسوباً إليه، ما وضعه قط، ووجد هو أيضاً - رحمة الله عليه - باباً آخر موضوعاً منسوباً إليه لم يضعه، تعمده بعض من لا يتقي الله؛ فهذا ومثله كثير، فما وجدتم من ذلك فليس منا.
وقوله: (إنما تختلف الأئمة في غير الحلال والحرام، وفي الشرح والكلام، ولكل إمام في عصره نوازل تنزل به وعليه يحكم فيها بما يوفقه الله له فيستنبطها من كتاب الله وسنة نبيه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-، أو حجة العقل التي يستدل بها على غامض الكتاب، ويستخرج بها الحق والصواب، ولو نزلت هذه المسألة بالأول لاستخرجها كما يستخرجها الآخِر، والأئمة مؤتمنه على الخلق قد أمرهم الله عز وجل بحسن السيرة فيهم، والنصح لهم؛ فلعله أن يجري في عصر الإمام سبب من أسباب الرعية يحكم فيه بالصواب، الذي يشهد له به الكتاب، ثم تنزل تلك النازلة في عصر آخر من الأئمة لا يمكنه من إنفاذ الحكم فيها مثل ما أمكن الأول فيكون بذلك عند الله معذوراً).
وقول القاسم بن علي - عَلَيْه السَّلام - في كتاب التفريع: (وما ينسب من الخلاف بين الأئمة فمستحيل، ولا ينسب إليهم ذلك إلا من جهل ما بين الحق والباطل، وإنما تختلف ظواهر سيرهم وتأويلاتهم، وهي موافقة للعدل غير خارجة منه.(1/176)
إلى قوله: وأما ما يعترض به من الإختلاف بين ولد الحسن وولد الحسين في التأويل والسير نحو اختلافهم في الإمامة وفي الكلالة والطلاق ونحو ذلك من المسائل.
فأما الإمامة: فذهبت كل شيعة إلى غير ما ذهبت إليه أئمتها، وتعلقوا بروايات عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لم يصح أكثرها، ومنها ما هو صحيح وهو على غير ما تأولوا.
ولقد روى لنا من وثقنا به عن القاسم بن إبراهيم - عَلَيْه السَّلام - أنه قال: أدركت مشيخة آل محمد من ولد الحسن والحسين وما بين أحد منهم اختلاف حتى كان بآخره، ثم ظهر أحداث فتابعوا العامة في أقوالها.
وكذلك روي لنا في خطب جرى من عبدالله بن الحسن إلى جعفر بن محمد - عَلَيْهم السَّلام - وهما بالروحاء يريدان الحج؛ فقال جعفر بن محمد: (والله وحق هذه البنية التي أنا قاصد لها إني لمكذوب علي، وما المذهب إلا واحد).
ففضلاء آل محمد متفقون، ولم يزل الأشياع مختلفين متداغلين.
وقوله (عَلَيْه السَّلام) في كتاب التنبيه: (والقاسم - عَلَيْه السَّلام - العالم، وبه يقتدي العالم، ثم ولده من بعده يقتفون أثره، ويعلمون أمره، وما أعلم منهم من بعد القاسم إلى هذه الغاية مختلفين، ولا فيما بَعُد من الأرض وقرب إلا مؤتلفين، إلا أن يكون ذو جهل نظنه ولا نعرفه بعينه، فلعله أن يكون لقلة معرفته يتابع المخالفين، تعرضاً لدنيء ما ينال، وطمعاً لما يأكل من سحت الأموال، ولعله مع ذلك موافق لأهل بيته في باطن أمره).(1/177)
وقوله في كتاب الإستفهام: (وقد اتخذ كثير من الشيعة آراء الأئمة فرائض لازمة، يُكَفِّرُون من تركها، ويُجَهِّلون منهم من لا يعملها، وليس ذلك بواجب كما ذكرت لك؛ فاعلم ذلك).
وقال ابنه الحسين – عَلَيْه السَّلام – في كتاب مختصر الأحكام: (ولست أصدق بكل ما روي عن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- لقلة الثقات وطول الزمان، وهاأنا أسمع في حياتي من الروايات الكاذبة علي ما لم أقل ولم أفعل، فربما يسمع بذلك أولياء الله فيصدقون به والعهد قريب؛ فكيف برسول الله وله مدة طويلة من الزمان).
وروي عن الإمام أبي الفتح بن الحسين الديلمي - عَلَيْه السَّلام - أنه قال: (أما فروع الشريعة فإن وقع بين الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - في ذلك اختلاف فليس ذلك مما ينقص من علمهم وفضلهم؛ لأن الإجتهاد في الدين واجب، والإحتياط لازم، والرجوع إلى الكتاب والسنة مما تعم به البلوى، ولكل في عصره نظر واستدلال وبحث وكشف، وقد ينكشف للمتأخر ما لم ينكشف للمتقدم، لا بأن المتقدم قصر عما بان للمتأخر إلى قوله: وليس من الدين تخطئة واحد منهم، والحكم عليه بأنه خالف الشريعة والأئمة).
وحكى الإمام المنصور بالله - عَلَيْه السَّلام - في الشافي عن محمد بن الداعي - عَلَيْه السَّلام - أنه لما وصل الديلم وبين الشيعة القاسمية والشيعة الناصرية الإختلاف في الفروع، وكل منهم يضلل من خالف إمامه جمع كلمتهم وبين لهم أن مذهب الإمامين -عليهما السلام- واحد.(1/178)
[ذكر جملة من معارضات المعتزلة لأدلة العترة]
وأما الفصل السابع
وهو في ذكر جملة من معارضات المعتزلة لأدلة العترة
فذكرها مفصلة يكثر عن الإختصار؛ فأما على وجه الإجمال فهي خمس:
[ذكر معارضة المعتزلة لما تستدل به العترة من الآيات في مسألة الإمامة والجواب عن ذلك]
الأولى: معارضتهم لما تستدل به العترة من الآيات التي تقدم ذكر بعضها بقولهم: إنها مجملة تحتاج إلى بيان، واحتجوا باختلاف علمائهم وأشباههم في تأويلها.
مثال ذلك: ما حكاه الحاكم رحمه الله تعالى في كتاب تنبيه الغافلين من اختلافهم في أهل الذكر، قال: منهم من قال: يعني أهل العلم بأخبار الأمم، ومنهم من قال: أهل الكتاب، ومنهم من قال: من آمن من أهل الكتاب.
وكذلك اختلافهم في أولي الأمر، قال: منهم من قال: يعني أمراء السرايا، ومنهم من قال: العلماء، ومنهم من قال: الخلفاء الأربعة، ومنهم من قال: المهاجرون والأنصار، ومنهم من قال: الصحابة، ومنهم من قال: الأئمة والسلاطين.(1/179)
ومن الجواب: أن يقال: إن الحجة في ذلك عليهم لا لهم لأن اختلافهم في تأويلها يدل على جهلهم بمعانيها، وجهلهم بمعانيها دليل على أن الله سبحانه وتعالى لم يجعلهم أهلاً لتأويل كتابه، وهداية عباده؛ لأنهم لو كانوا أهلاً لذلك لعلموه، ولو علموه لم يختلفوا فيه؛ لأن الله سبحانه لا يصطفي لإرث كتابه إلا من يعلم من حالهم أنهم لا يخالفون الدين، ولا يختلفون فيه، ولأن تأويلاتهم المختلفة لا يصح أن تكون بياناً للمجمل لكونها أحوج إلى البيان، وذلك يؤدي إلى أن يحتاج كل بيان إلى بيان، أو إلى اقتصار على بيان عالم منهم دون غيره بغير دليل.
ولأنه لو كان جائزاً لكل عالم من فرق الأمة أن يتأول مع اختلافهم للزم أن يكون الله سبحانه آمراً بالإختلاف والتفرق الذي نهى عنه - تعالى عن ذلك علواً كبيراً - ولبطل معنى التمييز بالإمتحان الذي أخبر الله سبحانه أنه يميز به الخبيث من الطيب، ولو بطل ذلك لبطل معنى الثواب والعقاب.
ومما ذكره الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - في معنى ذلك:
ما حكاه المرتضى لدين الله محمد بن يحيى عن أبيه الهادي إلى الحق - عَلَيْهما السَّلام - في الإيضاح أنه أجاب من سأل عن مثل ذلك بجواب منه، قوله: فإن قال: وما هذا الذي منع الله سبحانه أن يجعل القرآن كله محكماً ولا يجعل فيه متشابهاً، ومنعه أن يأمر بنصب علي وقطع الأمر فيه وجعل ذلك بالدلالات، والإشارات والعلامات، ومنع رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- من ذلك فيه؟(1/180)