وقول الهادي إلى الحق - عَلَيْه السَّلام - في كتاب القياس: (فإن قال قائل: فكيف لا تقع الفرقة، ولا تقع بين أولئك - عَلَيْهم السَّلام - خِلْفة؟ قيل: لأنهم أخذوا علمهم من الكتاب والسنة، ولم يحتاجوا إلى إحداث رأي ولا بدعة).
وقول ابنه المرتضى - عَلَيْهما السَّلام - في جواب مسائل الطبريين: (وقلت هل يجوز للأئمة الإختلاف في الديانة كما جاز للأنبياء الإختلاف في الشريعة؟ واعلم أعانك الله أن الأئمة متبعة للنبي لا مبتدعة، محتذية لا مخترعة من نفوسها، ولا مقتحمة بذلك على خالقها، والأنبياء فإنما اختلفوا في الشريعة لأمر الله سبحانه لهم بذلك).
وقول القاسم بن علي - عَلَيْه السَّلام - في رسالته إلى أهل طبرستان: (المفرق بين العترة الهادين، كالمفرق بين النبيين).
وقول ابنه الحسين - عَلَيْهما السَّلام - في كتاب تثبيت إمامة أبيه: (فكيف إلا أنه قد قال بإجماعهم -لو انتفعوا بقلوبهم وأسماعهم-: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) ولا يخلو قوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: لن يفترقا، من أن يكون باطلاً أو حقاً؛ فنعوذ بالله من تكذيب الرسول، ومكابرة حجج العقول).(1/171)
وقول الإمام المنصور بالله - عَلَيْه السَّلام - في الشافي: (ألم تعلم أن المفرق بين العترة الهادين كالمفرق بين النبيين)، وقوله: (وكيف تخالف الذرية أباها وقد شهد لهم النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - بالإستقامة بقوله: ((لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))).
[ذكر جملة مما يجب أن يحمل عليه ما اختلف من الأقوال المنسوبة إلى الأئمة (ع)]
وأما الفصل السادس
وهو في ذكر جملة مما يجب أن يحمل عليه ما اختلف فيه من الأقوال المنسوبة إلى الأئمة -عليهم السلام-
فإذا لم يكن الخلاف فيها منسوباً إلى بعض من ظلم نفسه من العترة باتباعه لمذهب غير أهله، وكان منسوباً إلى أئمة الهدى؛ فهو لا يخلو إما أن يكون فيما يجوز الإختلاف فيه نحو السِّيَر والحوادث التي لا نص عليها، وما كان من الآيات والأخبار له في اللغة أكثر من معنى.
وإما أن يكون فيما الحق فيه واحد نحو الواجبات العقلية، والفرائض السمعية.
فإن كان من السير والحوادث التي يختلف النظر فيها لاختلاف الأحوال، أو كان مما له أكثر من معنى، فنسبة الإختلاف فيه إلى الأئمة على الإطلاق من غير تبيين يكون تمويهاً وتشنيعاً، وموهمة للمساواة بين أئمة الهدى وعلماء السوء، وأئمة الضلال المفرقين لأديانهم، المختلفين في مذاهبهم، وذلك مما ينفر المسترشدين من الأمة، عن الإتباع لعلوم الأئمة.(1/172)
وإن كان ذلك الإختلاف فيما الحق فيه واحد فنسبته إلى الأئمة على الإطلاق مع إمكان تأويله يكون قبيحاً على ما تقدم.
ومن الوجوه التي يمكن حمله عليها تجويز أن يكون الإمام الذي نسب إليه ذلك قصد الحكاية لمذهب غيره فظن السامع أنه حكاه عن نفسه، أو يكون في القول المخالف إجمال أو مجاز لم يعرف السامع له معناه وحمله على ما توهم، أو يكون مما ألجأت الضرورة إلى تظهيره وترك بيانه كما قال القاسم بن إبراهيم - عَلَيْه السَّلام -:
كم من غريبة علم لو أبوح بها .... لقيل إنك ممن يعبد الوثنا
ولاستحل أناس ناسكون دمي .... يرون أقبح ما يأتونه حسنا
أو يكون بعض شيعة الإمام الأول جعلوا بعض شدائده أو رخصه فرائض، وردها الإمام الثاني إلى الأصل، أو يكون ذلك القول المخالف وقع من الإمام على وجه السهو والغلط والمرور على الأثر من غير نظر، أو يكون مما ألجأت الضرورة إلى الترخيص فيه لسائل مخصوص، أو يكون مكذوباً على الإمام، أو محرفاً بتبديل أو زيادة أو نقصان، ونحو ذلك مما لا طريق لذي ورع معه إلى إساءة الظن بأحد من الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - ولا إلى المخالفة بينهم.(1/173)
ومما يؤيد هذه الجملة من أقوال الأئمة -عَلَيْهم السَّلام-: قول الهادي إلى الحق - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الأحكام وأوثق وثائق الإسلام: (إن آل محمد لا يختلفون إلا من جهة التفريط، فمن فرط في علم آبائه ولم يتبع علم أهل بيته أباً فأباً حتى ينتهي إلى علم علي بن أبي طالب - رحمة الله عليه - والنبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - وشارك العامة في أقاويلها، وتابعها في سيئ تأويلها، لزمه الإختلاف لا سيما إذا لم يكن ذا نظر وتمييز، ورد لما ورد عليه إلى الكتاب، ورد كل متشابه إلى المحكم).
وقول الناصر للحق الحسن بن علي - عَلَيْه السَّلام - فيما حكاه عنه مصنف المسفر: (فإذا نظر الطالب للحق في اختلاف علماء آل الرسول فله أن يتبع قول أحدهم إذا وقع له الحق فيه بدليل من غير طعن ولا تخطئة للباقين).(1/174)
وقول المرتضى لدين الله محمد بن يحيى - عَلَيْه السَّلام - في جوابه لمسائل الطبريين: (وإنا لنعلم أن في المسائل التي نسخناها لك عنهما مما لم يجيبا به واجتزينا باليسير المقيم للحجة عن الكثير المفرع دقائق وزيادة في الشرح لم تقع في الكتب حفظناها من لفظ الهادي إلى الحق - صلوات الله عليه - وأداها إلينا عن القاسم بن إبراهيم - عَلَيْه السَّلام - من لحقنا من ولده فدعانا إلى ترك شرحها لك معرفتنا بأن ذلك الشرح ليس عندكم، ولم يصل في الكتب إليكم؛ فخشينا عند ذلك إن شرحناها لكم أن تنسبونا إلى خلاف تارة أخرى، وقد أعلمتك في مسائلك الأولى أنه لا يحل ولا يجوز لمن أراد الفائدة والعلم أن يسيء الظن ولا ينسب إلى المخالفة؛ فلكل مسألة جواب وشرح، وأوقات يظهر ذلك فيها، وأوقات يغمض إلا ما لا بد منه، ودهر يعمل فيه بالقليل لشِرَّةِ أهله، والخوف لظلمهم، والتعدي منهم لقلة معرفتهم، وعلى قدر الإمكان والقدرة تجب إقامة الحجة.
وفي دون ما ذكرنا لك من ذلك كفاية غير أنه قد يحدث في الكُتُب من الكُتَّابِ فساد بالزيادة والنقصان والتصحيف؛ فكل ما وجد في كتبنا مما هو يتفاوت في أصول الحق؛ فنعوذ بالله أن يكون منا، وإنما ذلك مزيود مكذوب علينا.(1/175)