وقال ابنه المرتضى - عَلَيْه السَّلام - في كتاب الرد على الروافض: (وجرى الأمر في ولد النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - الصفوة بعد الصفوة، وإنما الصفوة لا يكون إلا خير أهل زمانه أكثرهم اجتهاداً، وأكثرهم تعبداً، وأطوعهم لله سبحانه، وأعرفهم لحلال الله وحرامه، وأقومهم بحق الله، وأزهدهم في الدنيا، وأرغبهم في الآخرة، وأشوقهم للقاء ربه؛ فهذه صفة الإمام).
وقال في جوابه للطبريين: (فالواجب على الرعية إذا وثقت بعدالة إمامها، وصحت عندهم إمامته، أن يعلموا أن علمهم يقصر عن علمه، ولا يقعون من الغامض على ما يقع عليه؛ فإذا علموا ذلك وجب عليهم التسليم).
[ذكر حكم من يخالف أئمة العترة في علوم الدين]
وأما الفصل الرابع
وهو في ذكر حكم من يخالف أئمة العترة في علوم الدين التي يجب العلم بها(1/166)


فحكمه عندهم في الضلال كحكم من شاق الله ورسوله، واتبع غير سبيل المؤمنين، وقطع ما أمر الله به أن يوصل؛ خلافاً للشيعة المعتزلة، وذلك لأن الله سبحانه قد أمر باتباعهم، ونهى عن مخالفتهم، وقال لنبيه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي...الآية} [يوسف:108]، والذين اتبعوا سبيله في الدعاء إلى الله سبحانه على بصيرة هم الأئمة الذين أوجب الله طاعتهم مع طاعته، وطاعة رسوله، وأمر بسؤالهم، والرد لما اختلف فيه إليهم، وذلك يدل على أن من خالفهم في علوم الدين فليس على بصيرة، وإن أظهر أنه يدعو إلى الله سبحانه.
ولأن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وهو لا ينطق عن الهوى قد قرن العترة بالكتاب وأمر بالتمسك به وبهم معاً؛ فدل بذلك على أنه لا يصح دعوى التمسك بالكتاب مع رفضهم، كما لا يصح دعوى التمسك بهم مع رفض الكتاب، ولأنه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - قد صرح بتهليك من خالفهم في قوله: ((وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها هالكة إلا فرقة واحدة)).
وقوله: ((مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)) وهذا بيان لا يحتمل التأويل، ولا يصح معه التجويز لسلامة من يخالف العترة؛ لما في تجويزها من التعريض بالمشاقة والمعارضة والمخالفة والرد لقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله -.(1/167)


[ذكر أقوال أئمة العترة (ع) في وجوب اتباعهم]
ومن صريح ما ذكره الأئمة - عَلَيْهم السَّلام - في معنى ذلك: قول أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - المذكور في كتاب نهج البلاغة: (فأين يتاه بكم، بل كيف تعمهون؟ وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الحق، وألسنة الصدق).
وقول ابنه الحسن - عَلَيْهِمَا السَّلام - المروي عنه: (ومن البلاء على هذه الأمة أنا إذا دعوناهم لم يجيبونا، وإذا تركناهم لم يهتدوا إلا بنا).
وقول زين العابدين علي بن الحسين - عَلَيْهما السَّلام - في موشحته القافية: (فمن الأمان به على بلاغ الحجة وتأويل الكتاب إلا أهل الكتاب، وأبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى، الذين احتج الله بهم على خلقه ولم يترك الخلق سدى).
وحكى الحاكم عن زيد بن علي - عَلَيْهما السَّلام - أنه قال: (الرد إلينا؛ نحن والكتاب الثقلان).
وقول الهادي إلى الحق -عَلَيْهما السَّلام- في جوابه لأهل صنعاء: (لست بزنديق ولا دهري، ولا ممن يقول بالطبع ولا ثنوي، ولا مجبر قدري، ولا حشوي ولا خارجي، وإلى الله أبرأ من كل رافضٍ غوي، ومن كل حروري ناصبي، ومن كل معتزلي غال، ومن جميع الفرق الشاذة، ونعوذ بالله من كل مقالة غالية، ولا بد من فرقة ناجية عالية، وهذه الفرق كلها عندي حجتهم داحضة، والحمد لله).
وقال ابنه المرتضى - عَلَيْهما السَّلام - في الرسالة السابقة: (فمن غدا بهذا الأمر في غير أهل بيت نبيه فقد عبث بنفسه، وتمرد في دين خالقه).(1/168)


وقول الإمام القاسم بن علي - عَلَيْهما السَّلام - في رسالته إلى أهل طبرستان: (معارضنا في التأويل، كمعارض جدنا في التنزيل).
وقول الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عَلَيْه السَّلام - في جوابه لمسائل الأمراء السليمانيين: (وقد قال رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة واحدة)) وقد بينها النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- وأوضحها في أهل بيته - عَلَيْهم السَّلام - ومن تبعهم).
وقول الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - في شرح الرسالة الناصحة: (أمر النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أمته باتباع عترته المطهرة فخالفوه في ذلك، ولهم أتباع في كل وقت يقتفون آثارهم في خلاف العترة الطاهرة حذو النعل بالنعل، بل قد تعدوا ذلك إلى أن قالوا: هم أولى بالحق منهم واتباعهم أوجب من اتباع هداتهم، فردوا بذلك قول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((قدموهم ولا تقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).(1/169)


[ذكر حكم من يخالف بين أئمة العترة]
وأما الفصل الخامس
وهو في ذكر حكم من يخالف بين أئمة العترة وينسبهم إلى التفرق في الدين فحكمه عندهم في الضلال كحكم من يفرق بين الأنبياء، وكحكم من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، وكحكم من يلبس الحق بالباطل؛ وبيان قبح التفريق بينهم ظاهر في الكتاب والسنة وأقوال الأئمة.
[بيان قبح التفريق بين أئمة العترة من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة]
أما الكتاب: فنحو قول الله سبحانه: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ...الآية} [الشورى:13]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159].
وأما السنة: فنحو إخبار النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- على الجملة بأن عترته مع الكتاب لا يفارقهم ولا يفارقونه، وذلك دليل الإتفاق على موافقة الكتاب، وهو - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - صادق مصدوق، وتصديقه واجب، ومن شرط صحة تصديقه تكذيب المخالفين له في ذلك لأجل قبح الجمع بين تصديقه وتصديقهم فيه.
وأما أقوال الأئمة: فنحو ما تقدم من أقوال أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - في وصفه للأئمة: (لا يخالفون الدين ولا يختلفون فيه).(1/170)

34 / 94
ع
En
A+
A-