[فائدة الاستدلال بإجماع المعتزلة مع العترة على القول بإمامة علي (ع) والمشهور من مذهبه (ع)]
وإما إجماع المعتزلة مع العترة على القول بإمامة علي - عَلَيْه السَّلام -؛ ففائدة الإستدلال به التنبيه على أنه يلزمهم تصديقه - عَلَيْه السَّلام - والسلوك لمذهبه، والاقتفاء لآثاره في الدين قولاً وعملاً واعتقاداً؛ إذ لا يجوز لمن يعتقد صحة إمامته ترك الائتمام به إلا على وجه الرفض والمعصية، ولا يصح الجمع بين الإقرار بصحة إمامته ومخالفته إلا على وجه التدليس والنفاق.
ومن مشهور مذهبه الذي لا يمكنهم كتمه ولا جحده إلا على وجه المكابرة توبيخه - عَلَيْه السَّلام - للمشائخ وأتباعهم على ما أقدموا عليه من ظلمه، وعلى مخالفتهم لما أوجب الله له عليهم من المودة والطاعة، وعلى نكثهم للعهد، ورجوعهم على الأعقاب، ولذلك هجرهم وامتنع من نصرتهم، ومعاونتهم، ومن البيعة لهم إلا ما ذُكِرَ من إكراههم له على البيعة لأبي بكر بعد جمعهم لحزم الحطب على داره ليحرقوها بمن فيها إن لم يخرج، وعزمهم بعد خروجه على قتله إن لم يبايع؛ فذلك لم يفرق بينهم وبين معاوية في الحسد له والبغي عليه بل جعلهم له أولاً، وجعله لهم آخراً، وذلك ظاهر في قوله - عَلَيْه السَّلام - المحكي عنه في كتاب نهج البلاغة:
(أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألا يُقَارُّوا على كِظَّةِ ظالم، ولا على سَغَبِ مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها).(1/161)


وروى أحمد بن موسى الطبري رحمه الله أن رجلاً قال يوم الجمل: ما أعظم هذه الفتنة !! فقال علي - عَلَيْه السَّلام -: (وأي فتنة وأنا قائدها وأميرها؟! وإنما بدء الفتنة من يوم السقيفة ثم يوم الشورى ويوم الدار).
ومن صريح ما ذكر - عَلَيْه السَّلام - في النص والحصر قوله: (إن الإمامة من قريش في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم).
وقوله: (ولا يعادل بآل محمد من هذه الأمة أحد، ولا يساوى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفيء الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة).
ومن شعره - عَلَيْه السَّلام - في معنى ذلك قوله:
أنا علي صاحب الصمصامهْ .... أخو نبي الله ذي العلامهْ
قد قال إذ عممني العمامهْ .... أنت الذي بعدي لك الإمامهْ
[الكلام في إجماع العترة هل هو حجة؟ وهل يصح أن يستدل به على صحة حصر الإمامة فيهم]
ولا خلاف في إجماع العترة على دعوى النص والحصر، وإنما الخلاف في إجماعهم هل هو حجة أم لا؟ وإذا ثبت كونه حجة هل يصح أن يستدل به على صحة حصر الإمامة فيهم أم لا؟
والذي يدل على كون إجماعهم حجة هو ما تقدم من بيان كونهم خيرة الله سبحانه اصطفاهم لإرث كتابه والجهاد فيه حق الجهاد، والشهادة على العباد، وأمر بطاعتهم وسؤالهم والرد إليهم، وهو سبحانه حكيم، والحكيم لا يختار لذلك إلا من يجب قبول قوله، وكلما أوجب الله قبوله فهو حجة.(1/162)


والذي يدل على أنه يصح الاستدلال بإجماعهم على صحة حصر الإمامة فيهم: هو أن الله سبحانه قد أمر بالرد إليهم وسؤالهم عن كل مختلف فيه والإمامة من جملة ما وقع فيه الإختلاف فيجب قبول قولهم فيها، والتمسك بهم، والترك لمخالفتهم لعدم المخصص لمختلف فيه دون غيره مع كونهم أعلم بما يجب لهم وعليهم؛ لأجل كونهم خيرة لله سبحانه وورثة لكتابه كما أن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - أعلم بما يجب له وعليه لأجل كونه خيرة لله سبحانه.
[ذكر صفة الإمام الذي تجب طاعته]
وأما الفصل الثالث
وهو في صفة الإمام الذي تجب طاعته:
فمذهب العترة ومن شايعهم أن من صفة من يستحق الإمامة من ولد الحسن والحسين - عليهما السلام - أن يكون بالغاً في العلم إلى درجة السبق، وهي الإحاطة بما يحتاج إلى معرفته من علم الكتاب والسنة، والتمكن من استنباط غامضهما، وأن يكون فيه مع ذلك من السخاء والقوة والزهد والورع وحسن التدبير ما يصلح لأجله أن يكون ممن يعتمد عليه ويركن إليه، ويوثق به لسد الثغور، وتدبير الأمور، وجمع كلمة المسلمين، ومنعهم بالدليل عن التفرق في الدين، ونحو ذلك مما لا يصلح للقيام به إلا السابق بالخيرات من العترة؛ خلافاً للمعتزلة ومن شايعهم فإنه يجوز عندهم أن يكون في رعية الإمام من هو مثله في العلم أو أعلم منه قياساً على قلة علم أئمتهم، واختلاف آرائهم، ورجوعهم في المشكلات إلى غيرهم.(1/163)


ومما يشهد بصدق حكاية مذهب العترة في ذلك من أقوال أئمتهم - عَلَيْهم السَّلام - على وجه التنبيه بالقليل على الكثير قول أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام - فيما حكي عنه في كتاب نهج البلاغة في وصفه لأئمة العترة: (هم الذين يخبركم حكمهم عن علمهم، وصمتهم عن منطقهم، وظاهرهم عن باطنهم، لا يخالفون الدين، ولا يختلفون فيه).
وقول زيد بن علي - عَلَيْه السَّلام - فيما روي عنه: (اعلم أنه لا ينبغي لأحد منا أن يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه الخلال، حتى يعلم التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وعلم الحلال والحرام، والسنة الناسخة ما كان قبلها، وما يحدث كيف يرده إلى ما قد كان بما فيه وله، وحتى يعلم السيرة في أهل البغي، والسيرة في أهل الشرك، ويكون قوياً على جهاد عدو المؤمنين يدافع عنهم، ويبذل نفسه لهم، ولا يسلمهم حذار دائرة، ولا يخالف فيهم حكم الله؛ فهذه صفة من تجب طاعته من آل رسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -).(1/164)


وذكر القاسم بن إبراهيم – عَلَيْه السَّلام – في كتاب تثبيت الإمامة ما خص الله به الأنبياء من المعجز، والأوصياء من مكنون العلم، وذكر بعد ذلك ما خص به الأئمة بعدهم؛ فقال: (ثم أبان الأئمة من بعدهم، ودل الأمة فيهم على رشدهم، بدليلين مبينين، وعلمين مضيئين، لا يحتملان لبس تغليط، ولا زيغ شبه تخليط، لا يطيق خلقهما متقن، ولا يحسن تخلقهما محسن، ولي ذلك منهما، ومظهر دلالة صنعه فيهما، الله رب العالمين، وخالق جميع المحدثين، وهما ما لا يدفعه عن الله دافع، ولا ينتحل صنعه مع الله صانع، من القرابة بالرسول - صَلَّى الله عَلَيْه وآله - وما جعل من احتمال كمال الحكمة فيمن الإمامة فيه، وحَدّ الحكمة، وحقيقة تأويلها درك حقائق الأحكام كلها).
وذكر الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عَلَيْه السَّلام - في كتاب القياس ما خص الله به السابقين من العترة بعد ذكره لما أوجب الله من سؤال العترة على الجملة؛ فقال: (ثم ذكر السابقين منهم بالخيرات، المقيمين لدعائم البركات، وهم الأئمة الطاهرون، المجاهدون السابقون، القائمون بحق الله، المنابذون لأعداء الله، المنفذون لأحكام الله، الراضون لرضاه، الساخطون لسخطه، والحجة بينه وبين خلقه، المستاهلون لتأييده، المستوجبون لتوفيقه، المخصوصون بتسديده، في كل حكم حكموا به، وقياس في شيء من الأحكام قاسوا به، حجة الله الكبرى، ونعمته العظمى، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً).(1/165)

33 / 94
ع
En
A+
A-