وقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ...الآية} [النساء:59]،ودلالتها فيما تضمنته من وجوب طاعة أولي الأمر من المؤمنين على المؤمنين، ووجوب الطاعة فرع على وجوب معرفة المطاع؛ لأن الله سبحانه لا يكلف المؤمنين طاعة من لا يُعْرَف، ولذلك قال النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية)).
قال الهادي - عَلَيْه السَّلام -: يعني إما باسمه إن كان حاضراً، وإما بصفته إن كان وقت فترة.
وقوله سبحانه: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [الحج:78].
وقوله: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ(68)} [آل عمران].
وقوله سبحانه: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزاب:6].
ودلالات هذه الآيات ظاهرة لمن لم تعمه عنها شبه المعارضين، وزخرف تأويلات الرافضين؛(1/146)
أما الآية الأولى: فدلالتها فيما تضمنته من تبيين مجمل قول الله سبحانه: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104]، وقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]، وقوله: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران:140].
فجَعْله سبحانه للجهاد حق الجهاد، وللشهادة على الناس في ذرية إبراهيم خاصة دون من عداهم في قوله: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ } [الحج:78]، وفيما تضمنته أيضاً من تخصيص بعض ولد إبراهيم بذلك وهم الذين استجاب دعوته فيهم حيث حكى [قوله] بقوله سبحانه: {وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ} [البقرة:128]، وقوله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ(35)} [إبراهيم]، وقوله: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124)} [البقرة]، فثبت بذلك أن الإمامة لا تكون في ذريته إلا لمن لا يتقدم إسلامه شرك، ولم يلبس إيمانه بظلم.
وأما الآية الثانية: فدلالتها فيما تضمنته من البيان على أن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - هو أولى ذرية إبراهيم به وبمذهبه.(1/147)
وأما الآية الثالثة: فدلالتها فيما تضمنته من البيان على أن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأن ذوي رحمه الذين لم يشركوا ولم يظلموا هم أولى بولاية المؤمنين من بعده كما أنه أولى ولد إبراهيم وإسماعيل بمقامهما الذي خصهما الله به وذريتهما - على جميعهم السلام ورحمة الله وبركاته[وصلواته وسلامه].
[ذكر الأخبار الدالة على صحة مذهب العترة في الإمامة]
وأما ما يوافق نصوص الكتاب من الأخبار؛ فمن ذلك:
رواية الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين - عَلَيْه السَّلام - في الأحكام، عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة كتابه، وخليفة رسوله)).
ورواية الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان - عَلَيْه السَّلام - [في كتاب الحكمة] عنه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال: ((إن الله جعل علياً لي وزيراً، وأخاً ووصياً، وجعل الشجاعة في قلبه، وألبسه الهيبة على عدوه، وهو أول من آمن بي، وهو أول من وحد الله معي، وهو سيد الأوصياء، اللحوق به سعادة، والموت في طاعته شهادة، واسمه في التوراة مقرون إلى اسمي، زوجته الصديقة الكبرى، وابناه سيدا شباب أهل الجنة، وهو وهما والأئمة من بعدهما من ولدهما حجج الله على خلقه)).(1/148)
وقال: ((ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم استبشرت قلوبهم وتهللت وجوههم، وإذا ذكر أهل بيتي اشمأزت قلوبهم وكلحت وجوههم، والذي بعثني بالحق نبياً لو أن رجلاً لقي الله عز وجل بعمل سبعين نبياً ثم لم يلقه بولاية أولي الأمر من أهل بيتي ما قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً)).
وقال -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم-: ((عليكم بأهل بيتي فإنهم لن يخرجوكم من باب هدىً، ولن يدخلوكم في باب ردى)).
ورواية الإمام المنصور بالله [أمير المؤمنين] عبدالله بن حمزة - عَلَيْه السَّلام -، عنه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - في الشافي وغيره أنه قال: ((من ناصب علياً في الخلافة بعدي فهو كافر، ومن شك في علي فهو كافر)).
وقال: ((علي خير البشر من أبا فقد كفر)).
وقال: ((ويل لأعداء أهل بيتي المستأثرين عليهم، لا نالتهم شفاعتي، ولا رأوا جنة ربي)).
وقال: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)).
وقال: ((أهل بيتي كالنجوم كلما أفل نجم طلع نجم)).
وقال: ((أهل بيتي أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء؛ فإذا زال أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون، وإذا زالت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون)).(1/149)
وقال: ((أيها الناس إني خلفت فيكم كتاب الله وسنتي وعترتي أهل بيتي؛ فالمضيع لكتاب الله كالمضيع لسنتي، والمضيع لسنتي كالمضيع لعترتي، أما إن ذلك لن يفترق حتى اللقاء على الحوض)).
وقال: ((مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك)).
وقال: ((ليس أحد من الخلائق يَفْضُل أهل بيتي غيري)).
وقال: ((قدموهم ولا تقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتضلوا، ولا تشتموهم فتكفروا)).
وقال: ((إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الإسلام ولياً من أهل بيتي موكلاً يعلن الحق وينوره ويرد كيد الكائدين؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على الله)).
ومما روي بالإسناد إلى الحاكم رحمه الله، وهو ممن كان يقول بالإعتزال، ثم رجع عنه في كتابه المسمى تنبيه الغافلين عن فضائل الطالبيين.
ومنه: روايته عن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - أنه قال عقيب نكول أبي بكر وعمر عن حرب أهل خيبر: ((لأبعثن بالراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار)).
وقال لعلي - عَلَيْه السَّلام -: ((حبك إيمان، وبغضك نفاق)).
وقال: ((أقضى أمتي بكتاب الله علي بن أبي طالب - عَلَيْه السَّلام - من أحبني فليحبه، وإن العبد لا ينال ولايتي إلا بحب علي)).
وقال: ((من أحب الحسن والحسين؛ فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني)).(1/150)