وقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(56)} [المائدة].
ودلالة هذه الآيات فيما تضمنته من نص الله سبحانه على ولي المؤمنين، الذي قرن ولايته لهم بولايته وولاية رسوله، ليدل بذلك على وجوب طاعته، وإخباره سبحانه في الآية الأولى بأنه يأتي به وإتيانه به، هو نصه عليه بالصفات التي لم توجد في أحد من الصحابة -على أبلغ الوجوه- إلا في أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -، وهي المحبة لله ولرسوله.
ودليل صحة المحبة: استمرار الطاعة والنصيحة، والجهاد في سبيل الله حق الجهاد، والرأفة بالمؤمنين، والغلظة على الكافرين، وترك خوف اللائمين، والتصدق في حال الركوع.(1/141)


وأورد سبحانه هذه الصفات بلفظ الجمع امتحاناً مع كون ذلك جائزاً في لغة العرب للتعظيم، [و]مع التخصيص بالقرينة التي لم توجد ولا تعلم إلا لأمير المؤمنين –عَلَيْه السَّلام- وهو التصدق في حال الركوع، ولأن ذلك لو كان عاماً لالتبس ولم يفهم، والله سبحانه لحكمته وعدله لا يخاطب بما لا يفهم ولا يعلم في موضع الأمر والإيجاب، ولأن العرف جار في كل عصر بأن ولي أمر المؤمنين لا يكون إلا واحداً معيناً معلوماً، ولأن النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - قد بين ذلك بما سيأتي ذكره إن شاء الله سبحانه من الأخبار الموافقة له.
وقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ(119)} [التوبة]، ودلالة هذه الآية فيما تضمنته من الأمر للمؤمنين بالكون مع الصادقين، والأمر يقتضي الوجوب، والله سبحانه لحكمته لا يأمر بالكون مع من لا يعلم صدقه قطعاً.
ولا يعلم صدقه قطعاً إلا من شهد الله له به، وممن شهد الله له بالصدق علي - عَلَيْه السَّلام - في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ} يعني حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث - رضي الله عنهم - {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب:23]، يعني علياً - عَلَيْه السَّلام - لأنه بقي منتظراً للشهادة إلى سنة أربعين من الهجرة.(1/142)


والطريق إلى معرفة صحة ذلك إجماع العترة -عَلَيْهم السَّلام-، وهو حجة على ما سيأتي من بيان ذلك إن شاء الله سبحانه.
وقوله سبحانه: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]، وفائدة هذه الآية فيما تضمنته من إيجاب المودة لذوي قربى الرسول - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - في مقابلة بعض ما يستحقه من الأجر على ما تحمل من المشاق في القيام بهدايتهم وإصلاح أمورهم، وهو سبحانه لحكمته لا يوجب المودة على القطع إلا لمن تجب له؛ لأنه سبحانه قد ذم الموادة لمن يحاده.
وصدق المودة لا تعلم إلا بالطاعة والإتباع، لا بالرفض والإعتزال، وقد بين سبحانه ذلك بقوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ...الآية} [آل عمران:31].
وقال النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -: ((المرء مع من أحب)).
وقوله سبحانه في آية المباهلة: {[فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ] فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ...الآية} [آل عمران:61]، ودلالتها ظاهرة بنص الكتاب الجلي، وبفعل النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - على أعيان من شهد المباهلة على كون علي والحسن والحسين وفاطمة - عَلَيْهم السَّلام - ذوي قربى النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم- خاصة، وآله وأهل بيته، وأن ذريتهم ذريته إلى يوم القيامة.(1/143)


[آية الاصطفاء ودلالتها]
وقوله سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ...الآية} [فاطر:32]، ودلالتها فيما تضمنته من النص على اصطفاء بعض من العباد لإرث الكتاب، وعلى أن من أولئك الورثة من هو سابق بالخيرات بإذنه، والسابق بالخيرات لا يكون إلا الإمام، والإمام لا يجوز أن يكون مجهولاً؛ فلذلك تبطل تأويلات من خالف العترة في دعوى وراثتهم للكتاب. ومما يؤيد ذلك قول الله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(26)} [الحديد]، ومحمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - هو خاتم الأنبياء من ذريتهما فيجب أن تكون ذريته [هم] خاتمة الذراري الذين أخبر الله سبحانه أن يجعل الكتاب فيهم.
(1/144)


وقوله سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(43)} [النحل]، ودلالتها فيما تضمنته من وجوب السؤال لأهل الذكر، والذكر الذي أمر الله بسؤال أهله هو النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - بدليل قوله سبحانه: {قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا(10) رَسُولًا} [الطلاق].
وقد سمي القرآن أيضاً ذكراً وهم أهله وورثته، وليس يوجد في الأمة أهل بيت مشهور يجمعهم النسب والمذهب، وهم مجمعون على أنهم [هم] أهل النبي وأهل الكتاب غير أهل بيت محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -.
والذي يعدل بالسؤال عنهم إلى غيرهم لا يخلو إما أن يسأل علماء كل فرقة مع اختلافهم؛ فلم يأمر الله سبحانه بالسؤال إلا فيما وقع فيه الإختلاف، وهو سبحانه لا يأمر المختلفين بسؤال المختلفين.
وإما أن يقتصر على سؤال بعضهم بغير دليل فلا يأمن أن يكون الحق مع من لم يسأله؛ وإما أن يترك السؤال لكلهم؛ فيعصي الله بتركه لطلب العلم من أهله.(1/145)

29 / 94
ع
En
A+
A-