وقال الإمام المتوكل على الرحمن أ؛مد بن سليمان (عَلَيْه السَّلام) في الحكمة الدرية: وكانت الزيدية باليمن فرقة واحدة حتى دخل فيهم الشيطان بسحره فمرق منهم فرقتان إحداهما المطرفية وكان سبب خروجهم إلى ما خرجوا إليه: أن رجلاً منهم يقال له مطرف بن شهاب وكان ممن درس هو وصاحبان له على رجل من الباطنية يقال له حسين بن عامر، انتهى المراد.
وقال الفقيه العلامة فخر الدين عبدالله بن زيد العنسي -رحمه الله تعالى- في رسالته المنقذة من العطب السالكة بالنصيحة إلى شظب: إن أول من أحدث مذهب المطرفية بقاعة رجل يقال له ابن أبي الغوازي، وأول من أحدثه ببلاد بني شهاب رجل يقال له مطرف بن شهاب وأخذه من الملاحدة -لعنهم الله- بحيل وأسباب، انتهى المراد.
ولهذه الفرقة أقوال محدثة وعقائد مبتدعة وأقوالهم تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: مقالات ابتدعوها في الدين وخالفوا فيها جميع العالمين -أي المؤمنين والكافرين-.
والقسم الثاني: مقالات باينوا بها مذهب أهل البيت (ع) وتابعوا فيها أهل الضلال من المنتسبين إلى الإسلام. هذا لفظ القاضي جعفر.
وقال الإمام أحمد بن سليمان (عَلَيْه السَّلام): فقسم خالفوا فيه جميع العقلاء المؤمنين منهم والكفار، وقسم وافقوا به الكفار وخالفوا فيه الكافة من أهل الإسلام، وقسم اتبعوا فيه ضلال الأمة وخالفوا فيه جميع الأئمة. وقد أحببت أن أذكر من كل قسم بعض مسائله لتعرف عقيدتهم لأنه لم يبق في زماننا هذا أحد يقول بمقالتهم.(1/106)
فالقسم الذي خالفوا فيه جميع العقلاء ولم يقل به مؤمن ولا كافر من أقوالهم فيه:
قولهم: إن عقل الإنسان هو قلبه، وقولهم: إن كثيراً من أفعال الله ليس بحكمة ولا صواب، وقولهم: إن الله تعالى لم يرزق العصاة، وقولهم: إن الله لا يخلق المضار ولا المنفرات ولا شيئاً من المهلكات قالوا: فهو منزه عن أن يخلق الذباب والذئاب والسباع الضارة والكلاب.
قال الإمام أحمد بن سليمان (عَلَيْه السَّلام): وهذه مقالات لم يقل بها أحد من البشر لا من آمن ولا من كفر.
وأما القسم الثاني فهي مقالات شاركوا فيها الكفار الخارجين عن ملة الإسلام منها: قولهم: إن العالم يحيل ويستحيل وافقوا فيه الطبائعية الملحدة وإن كان الطبيعية يقولون: يؤثر بعضه في بعضه. وقولهم: إن الله لا يميت أحداً من الأطفال ولا من المؤمنين حتى يبلغ العمر الطبيعي وهو مائة وعشرون سنة.
والقسم الثالث ما شاركوا فيه أهل الضلالات من هذه الأمة من ذلك: شاركوا الخطابية فهي قولهم بجواز شيء من الكذب عند الحاجة كما تقوله الخطابية. ومنها قولهم: إن أسماء الله هي ذات الله وهو مذهب الكرامية من المشبهة. ولهم غير هذه الأقوال كثير.
ولأجل هذه الأقوال التي أحدثتها المطرفية الطغام وخرجوا بها عن دين الإسلام حكم الأئمة الأعلام -عليهم السلام- بكفرهم وضلالهم ووجوب قتالهم ؛ فإليك حكم الإمام المتوكل على الرحمن أحمد بن سليمان (عَلَيْه السَّلام) في آخر كتابه -الهاشمة لأنف الضلال من مذاهب المطرفية الجهال:- فلهذا قلنا: إنهم قد خرجوا من جملة المسلمين وفارقوا أهل ملة الإسلام، فلا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم ولا رطوبتهم، ولا تقبل شهادتهم، ولا يجوز دفع الزكوات إليهم وغيرها من حقوق الله سبحانه ولا إلى أحد منهم، ولا يجوز دفنهم في مقابر المسلمين، ولا الصلاة على أحد من موتاهم، ويحكم فيهم بأحكام الكفار ويحكم في هجرهم وأماكنهم التي غلبوا عليها وحكموا فيها على ساكنيها بأتباعهم في مذاهبهم بأحكام دار الحرب {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ(227)} [الشعراء].(1/107)
وإليك أيضاً حكم الإمام الحجة المنصور بالله عبدالله بن حمزة -عليهما السلام- قال (عَلَيْه السَّلام) في الرسالة الهادية: ولما نجم ناجم الفرقة الملعونة المرتدة المفتونة الضالة الغوية المسماة بالمطرفية وجعلت شعارها إنكار دينها لترحض درن الكفر برجس ماء الكذب وحاكمناهم إلى الله تعالى فحكم لنا عليهم أنفذنا فيهم أحكام الله تعالى في أمثالهم من الكفرة: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا(62)} [الأحزاب] {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا(43)} [فاطر]، من قتل المقاتلة وسبي الذرية قال تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ(43)} [القمر]، إلى قوله (عَلَيْه السَّلام): ومذهب هذه الفرقة الملعونة يظهروه في عوشات كفرها ومكامن كيدها التي سموها هجراً ولا يفتقر إلى ذمة ولا جوار، وإن كانت في ذمة أو جوار ممن يزعم إصابتها ويعتقد صلاحها فهو كافر بذلك لكفرها وممالاته فكل جهاتهم دار حرب يحل فيها قتل مقاتليهم وسبي ذراريهم ونسائهم وغزوهم كما تغزى ديار الحرب ليلاً أو نهاراً وأخذهم سراً وجهاراً، والقعود لهم كل مرصد، وقد أبحناهم لمن اعتقد إمامتنا من المسلمين غيلة ومجاهرة. انتهى المراد من كلامه عليه صلوات الله وسلامه.
وقد حكم بكفر وضلال هذه الفرقة مع من تقدم الأئمة والعلماء من أهل البيت (ع) وغيرهم وقد طال الكلام والغرض الاختصار وإنما المراد بهذا التعريف وإلا فقد انقرضت هذه الفرقة وانتهت ولله الحمد والمنة بحميد سعي الإمامين المتوكل على الرحمن أحمد بن سليمان والمنصور بالله عبدالله بن حمزة عليهما السلام وقد غزاهم وقتلهم وسباهم وأخرب دورهم الإمام الأعظم والبحر الخضم المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه سلام الله ورضوانه، وقد حكى الإمام المحسن بن أحمد (عَلَيْه السَّلام) في رسالته إزاحة الإشكال عن العدلية: أنهم مجمعون على القول بكفر المطرفية، ولكن كما قال الشاعر:
ويطمئن إليهم من له غرض.... في مسلك الغي أو في قلبه مرض
وسيأتي في هذا المجموع مزيد ذكر لهذه الفرقة وأقوالها والرد عليها في الفصل السابع وغيره من كتب هذا المجموع.(1/108)
() - قال شيخ الإسلام وإمام أهل البيت الكرام الإمام الحافظ الحجة الولي بن الولي بن الولي مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أدام الله ظله ومتعنا بحياته في لوامع الأنوار (ط2) (1/309): وأما تمويه الأشعرية بالكسب فراراً على زعمهم من لوازم الجبر فلا معنى له بل مذهبهم عين مذهب الجبر فالكسب كما قالت العدلية: أمرٌ لا تحقق له. وعباراتهم تفيد محض كلام الجبرية فقد فسروا الكسب بما يرجع إلى المحلية، وجعلوا العبد محلاً لما يخلقه الله ويوجده -على زعمهم- فيه من الأفعال وليس العبد عندهم بموجد لطاعته ولا معصيته ولا قدرة له مؤثرة في شيء من الأعمال، وقد اعترف محققوهم بفساد ما تستروا به من الكسب، وإليك من نصوصهم في ذلك المقال: صرح الجويني في مقدمات البرهان بأن الكسب تمويه بل لو سئلوا عن كل جزء من أجزاء الفعل فإن كان من الله فهو الجبر وتعطل معنى الكسب والجزء الاختياري، وإن كان من العبد فهو مذهب أهل العدل فليس جواب عن هذا السؤال إلا بالجبر أو العدل..إلى قوله: قال بعض العدلية: الأشاعرة تحيروا وحيروا أتباعهم وصاروا يوهمون أنهم على شيء وأنهم متمسكون بذنب الحق وهم في طرق الضلال وعجزوا عن التعبير عن هذا الخيال وهم في الباطن معترفون بأنهم في حومة الإشكال.
قلت: ومعترفون أيضاً في الظاهر كما تعرفه من الأقوال.
قال: ألا ترى أن التفتازاني وهو من أشدهم في نصرة الأشعري ولو بمجرد الجدال قد اعترف بصعوبة إيضاح معنى الكسب.(1/109)
قال الغزالي: لا تُعْرف مسألة الكسب لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وقال ابن عربي: مكثت ثلاثين سنة أبحث عنها ولم أعرفها؛ ثم اعترف بالجبر حتى قال والذي أظنه أن الأشعري إنما قال بالكسب مع معرفته أنه ليس تحته مسمى تستراً عما يلزم الجبر في اللوازم..إلخ.
قال بعضهم -أي بعض العدلية-: ومن العجائب إصرارهم على دعوى الكسب مع عدم عثورهم على ماهيته قرناً بعد قرن منذ عصر الشيخ أبي الحسن -أي الأشعري- إلى تاريخنا وقد تعب من تعب منهم في البحث عن حقيقته وأفنى عمره في طلب معرفته فلم يجد ما يشفي وكأنهم يلتمسون محله الذي واراه فيه الشيخ الكبير ويظنون بأنفسهم القصور أو التقصير وهم في هذا التعب والشقاء ولم يعلموا أن الشيخ إنما دفنه تحت بيضة العنقاء. انتهى.
()ـ روى نحوه الإمام أبو طالب في الأمالي بعدة طرق في بعضها زيادة، وروى بعضه الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية (1/113) ولمزيد من الأحاديث والآثار والحكايات في فضل القرآن الكريم انظر أمالي المرشد بالله الخميسية (1/72- 123).(1/110)