[حكاية أقوال المخالفين في الإمامة]
أما حكاية الأقوال:
فزعمت الخوارج، وقدماء المعتزلة أن الإمامة في جميع الناس.
وزعمت المرجئة ومن قال بقولهم من المعتزلة أن الإمامة في قريش فكل هؤلاء يزعم أن طريق ثبوت الإمامة الشورى والعقد والاختيار.
وزعمت شيعة بني العباس أن الإمامة فيهم بالإرث، وطريق ثبوتها القهر والغلبة.
وزعمت فرق الإمامية: أن الإمامة بعد الحسن [والحسين] في ولد الحسين خاصة، وطريق ثبوتها الوصية، وجوزوا غيبة الإمام مع [بقاء] كونه حجة في حال غيبته.ومن الشيعة المعتزلة من زعم أن إجماع العترة ليس بحجة، وأن الخبر الذي يرويه الإمام السابق ليس بحجة، وكذلك اجتهاده، وكل هذه الأقوال مخالفة لقول أئمة العترة - عَلَيْهم السَّلام - [الزيدية]، وهو: ثبوت الإمامة في علي والحسن والحسين - عَلَيْهم السَّلام - بالنص الجلي، وفي ولد الحسن والحسين بالدليل، وأن طريق ثبوتها تكامل الشروط وظهور الدعوة.
[ذكر جملة مما يدل على بطلان قول المخالفين لأئمة العترة (ع) في الإمامة]
وأما القسم الثاني: وهو في ذكر جملة مما يدل على بطلان أقوال المخالفين لأئمة العترة - عَلَيْهم السَّلام -.(1/86)
[ذكر ما يدل على بطلان قول الخوارج بثبوت الإمامة في جميع الناس وقول من قال بالشورى والعقد والاختيار]
فالذي يدل على بطلان قول الخوارج بثبوت الإمامة في جميع الناس، وقول من قال بالشورى والعقد والاختيار: قولُ الله سبحانه: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75]، وقولُه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]، وقولُه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26]، وقولُه سبحانه لإبراهيم - صلى الله عليه -: {قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي[قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ](124)} [البقرة]، فاستجاب له، ولذلك استثنى [الظالمين] منهم ثم خاطب هؤلاء الذرية بقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ...الآية} [الحج](1/87)
[ذكر ما يدل على بطلان قول من زعم أن الإمامة في كل قريش أو في بني العباس]
والذي يدل على بطلان قول من زعم أن الإمامة في كل قريش، أو في بني العباس: ما في آية المباهلة، وفي خبر الكساء من النص اليقين على كون الحسن والحسين ابنين لرسول الله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - وعترة له وأهل بيت وذرية وإيجابه سبحانه لمودة ذوي قرباه، وللصلاة في كل صلاة عليهم، وأَمْر النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لأمته بأن يتمسكوا بعترته مع الكتاب وما أشبه ذلك من الأدلة التي قدمها الله سبحانه حجة له ولأوليائه على أعدائه لعلمه سبحانه بأنهم سيحسدونهم كما قدم الدلالة في التوراة والإنجيل على نبوة محمد - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لعلمه بأن اليهود والنصارى سينكرون نبوته، وكذلك كل مختلف فيه من الدين لأنه لا بد لله سبحانه ولأوليائه [عليه] من حجة ظاهرة على أعدائه لا يمكنهم جحدها بقلوبهم، وإن أظهروا إنكارها بألسنتهم.
[ذكر ما يدل على بطلان تخصيص الإمامية لولد الحسين وتجويزهم لغيبة الإمام وبقاء كونه حجة في حال الغيبة]
والذي يدل على بطلان تخصيص الإمامية لولد الحسين دون ولد الحسن كون ذلك بدعة حادثة لا دليل عليها، ولذلك اختلفوا وخالفهم فيه صلحاء ولد الحسين.(1/88)
والذي يدل على بطلان تجويزهم لغيبة الإمام وبقاء كونه حجة في حال الغيبة قول الله سبحانه: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7)} [الرعد].
وما روي عنه - عَلَيْه السَّلام - من أنه لا بد لله سبحانه في كل عصر من حجة إما سابق وإما مقتصد، وإخبار النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - بأن الحجة من عترته في كل عصر لا تفارق الكتاب.
[الأدلة على صحة مذهب العترة في مسألة الإمامة]
والذي يدل على صحة القول بالنص الجلي: قول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - لعلي - عَلَيْه السَّلام - في قصة أسد بن غويلم: ((اخرج إليه يا علي ولك الإمامة من بعدي)) وقوله: ((الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما)).(1/89)
والذي يدل على أن منصب الإمامة في ولد الحسن والحسين خاصة إخبار الله سبحانه بأنه اصطفاهم لإرث كتابه، وأنه اختارهم على علم على العالمين، وأنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ونحو ذلك مما يدل على أنه سبحانه إنما اختارهم لعلمه بصلاحهم وعدالتهم، وهذا أيضاً هو الذي يدل على كون إجماعهم حجة.
والذي يدل على أن الإمام السابق حجة لله سبحانه يجب تصديقه والاقتداء به: قول الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]، وأولوا الأمر هم أئمة الأعصار؛ فدل بذلك على أن طاعتهم واجبة كطاعته وطاعة رسوله، وكل من وجبت طاعته لم تجز مخالفته ولا الشك في روايته واجتهاده في سيرته فاعلم ذلك.(1/90)