وهو الذي كان النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - يدعو إليه كافة الثقلين؛ فمن أجابه إلى الدخول فيه قولاً وعملاً واعتقاداً فهو المسلم على الحقيقة، ومن لم يجبه إليه من البشر فهو الكافر [على الحقيقة] المباح للمسلمين دمه وولده وماله، ومن أجابه إليه ظاهراً وهو مبطن للكفر فهو منافق في الباطن، وحكمه حكم المسلمين في الظاهر حتى ينكشف ستره، ومن رجع عن الإسلام بعد الدخول فيه فهو مرتد وله أحكام تخصه، ومن أحدث في الإسلام بدعة أو تأويلاً مخالفاً لشيء من أصول الدين لزمه اسم الكفر، وللأئمة النظر في السيرة فيه، ومن فعل شيئاً من كبائر المعاصي مع اعترافه بصحة الإسلام وبكونه مخطئاً فهو فاسق وعاص وكافر نعمة وله أحكام مختلفة بحسب اختلاف معاصيه.
[الكلام في معنى الإسلام والإيمان]
واعلم أنه لا فرق بين معنى الإسلام ومعنى الإيمان إلا أن الإسلام مشتق من التسليم لأمر الله، والإيمان: هو التصديق، ولذلك قال أمير المؤمنين - عَلَيْه السَّلام -: (الإيمان قول مقول، وعمل معمول، وعرفان بالعقول)، وقوله: هذا هو الذي ينقسم إليه الكلام في هذا الفصل.
أما القول المقول: فهو جميع الأذكار التي أوجبها الله سبحانه، أو ندب إليها في كتابه وعلى لسان نبيه - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - نحو الأقوال المذكورة في الصلاة وما أشبه ذلك من كل قول واجب أو مندوب.(1/56)


وأما العمل المعمول: فهو استعمال الإنسان لبدنه وجميع آلاته الظاهرة، وتصريفه لحركاته وسكونه في كل ما أوجب الله عليه من فعل أو ترك، خلافاً لمن زعم من المعتزلة أن الترك ليس بشيء، وأن تارك الصلاة يستحق الذم والعقاب على غير فعل فعله.
وأما العرفان بالعقول: فهو المعرفة لله سبحانه بأدلة العقل التي بها ولأجلها وجب التصديق والمعرفة للفروض التي أوجب الله سبحانه الإيمان بها، وهي: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وفي كل واحد من هذه الخمسة كلام يشتمل على حكاية المذاهب فيه، وذكر جملة مما يدل على صحة الصحيح منها.
[الكلام في الإيمان بالله سبحانه]
أما الإيمان بالله سبحانه: فهو ينقسم إلى الكلام في الذات، وفي الأسماء والصفات، وفي الأفعال.
[الكلام في الذات]
أما الذات: فاعلم أن لبعض المعتزلة في ذلك مذهباً، وهو أنه لا فرق بزعمهم بين ذات الباري سبحانه، وبين [غيره من] سائر الذوات في الذاتية لأجل الإشتراك في اللفظ، وأنه سبحانه لا يفارق ما عداه من الذوات إلا بمزية خاصة له لا هي هو ولا هي غيره، ولا شيء ولا لا شيء، وأنه سبحانه لا يستحق لذاته سوى تلك المزية، وما عداها من الصفات الذاتية مقتضى عنها، ونحو ذلك مما قد تكرر ذكره في مواضع من هذا المختصر وغيره.(1/57)


وأما مذهب أئمة العترة - عَلَيْهم السَّلام -: فهو أن ذات الباري سبحانه هي هو، وهو الذي ليس كمثله شيء لا في الذاتية ولا في غيرها، وإذا لم يكن له مِثْلٌ بطل أن يكون له مشارك لعدم الفرق بين المماثلة في الذات والمشاركة، وكذلك المضاهاة والمشابهة.
وكذلك لا يجوز عندهم - عَلَيْهم السَّلام - أن يوصف الباري سبحانه بأنه جنس للذوات، ولا أنه نوع من الموجودات لأجل كون التجنيس والتنويع مما يدل على الحدث، ولا يجوز أن يوصف به إلا المحدث.
وكذلك أيضاً لا يجوز عندهم إثبات أمر ليس شيء، ولا لا شيء لأجل كون ذلك نفياً للنفي والإثبات معاً، وإثباتاً لأمر متوسط بينهما وذلك مما يعلم ضرورة أنه محال، وكل دليل أدى إلى إثبات المحال فهو محال.(1/58)


ونظير ذلك في الشاهد ما ضربوه هم وغيرهم مثلاً لما يعلم ضرورة وهو قول القائل: زيد لا يخلو إما أن يكون في الدار أو ليس فيها؛ فكما لا يجوز أن يقول قائل: لا هو فيها ولا في غيرها؛ فكذلك لا يجوز أن يقال لا شيء ولا لا شيء، وذلك لأن تجويز إثبات ما لا يعقل أو ما يخالف المعلوم ضرورة يؤدي إلى تجويز إنكار كل معقول، وإلى تجويز إثبات ما لا نهاية له من الجهالات والمحالات، وإلى تجويز إصابة الفلاسفة في تعديهم لحد العقل، وإصابة السوفسطائية في إنكارهم للمشاهدات، وكما لا يجوز لعاقل موحد تصويبهم في شيء من ذلك، فكذلك لا يجوز تصويب المعتزلة في التفكر في ذات الباري سبحانه، ولا في إثبات المشاركة بينه وبين غيره في ذات ولا في غيرها، ولا تكلف إثبات صفات له سبحانه بطريقة القياس، ولا الإدعاء لدقة النظر الذي أداهم إلى الخروج من حد العقل، وإثبات ما لا يعقل، والجمع بين اسم التوحيد ومعنى التشبيه، والاصطلاح على الفرق بين ما لا فرق بينه في لغة العرب نحو الأمر والشيء، والزائد والغير، والمشاركة والمماثلة، والثبوت والوجود، والتجدد والحدوث، وما أشبه ذلك.
[الكلام في الأسماء والصفات]
وأما الأسماء والصفات: فالكلام فيها ينقسم إلى ذكر اثني عشر منها، وإلى ذكر الإختلاف فيها، وإلى ذكر الفرق بينها في الخصوص والعموم، وفي الإضافة وفي الإشتقاق.
أما الاثني عشر: فهو قولنا شيء وموجود وواحد، وقديم وحي قادر عالم، وسميع بصير، وعدل ومتكلم ومريد.(1/59)


[ذكر الاختلاف في الأسماء والصفات]
وأما الاختلاف في ذلك: فقد تقدم ذكر بعضه، لكن هذا وما أشبهه مما يحسن فيه التكرار.
واعلم: أن من الفِرَقِ من يزعم أن الاسم في الشاهد والغائب هو المسمى، ومنهم من يزعم أن الصفة في الشاهد والغائب هي الموصوف ومنهم من زعم أن معبوده لا شيء ولا لا شيء، وكذلك جميع الأسماء والصفات، هذا على الجملة.
[الكلام في معنى أن الله سبحانه شيء وذكر الاختلاف فيه]
وأما على التفصيل: فالمشبهة تزعم أن الباري سبحانه مماثل للأشياء المحدثة؛ لأجل كونه شيئاً، والمعتزلة تزعم أنه سبحانه مشارك لها في الشيئية، ومخالف لها بصفة زائدة خاصة.
وأئمة العترة - عَلَيْهم السَّلام - يقولون: إن الله سبحانه شيء لا كالأشياء، وما كان بخلاف الأشياء كلها لم يجز وصفه بأنه مماثل لها ولا مشارك، ولا يجوز أن تكون المشاركة في لفظ الاسم موجبة للمماثلة ولا للمشاركة إلا إذا كان كلا المشتركين فيه متماثلين في ضرب من ضروب الكيفيات.
والكيفية لا تكون إلا للمحدَث ومن هنا نعلم أن كل اسم يشترك فيه الخالق والمخلوق عام، وليس باسم جنس لاستحالة وصف الباري سبحانه بالجنس والنوع.
ومما استدلوا به -على أن الباري سبحانه شيء- من العقل هو أنه قد ثبت أنه سبحانه محدِث للعالم، وأنه لا واسطة بين شيء ولا شيء، وإذا لم يكن محدث العالم لا شيء وجب أن يكون شيئاً.(1/60)

12 / 94
ع
En
A+
A-