وأما أئمة العترة -عَلَيْهم السَّلام–؛ فهم يقولون: إن معرفة أول مخلوق وكيفية خلقه من الغيوب التي لا طريق إليها إلا الخبر الذي يروونه عن النبي – صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم – [وهو]: ((أن أول ما خلق الله سبحانه الهواء الذي هو مكان لا في مكان، وهو جسم لطيف يتحرك ويسكن، واستدلوا بذلك على أن أول وقت خلقه الله سبحانه يجب أن يكون وجوده مقارناً لوجود الهواء، ثم خلق الله سبحانه بعد الهواء الماء، ثم خلق الرياح حركت ذلك الماء حتى أزبد، ثم خلق النار فأحرقت ذلك الزبد، ثم خلق الأرض من الحراقة، والسماء من الدخان)) "((أن أول ما خلق الله سبحانه الهواء الذي هو مكان لا في مكان، وهو جسم لطيف يتحرك ويسكن، واستدلوا بذلك على أن أول وقت خلقه الله سبحانه يجب أن يكون وجوده مقارناً لوجود الهواء، ثم خلق الله سبحانه بعد الهواء الماء، ثم خلق الرياح حركت ذلك الماء حتى أزبد، ثم خلق النار فأحرقت ذلك الزبد، ثم خلق الأرض من الحراقة، والسماء من الدخان))" "((أن أول ما خلق الله سبحانه الهواء الذي هو مكان لا في مكان، وهو جسم لطيف يتحرك ويسكن، واستدلوا بذلك على أن أول وقت خلقه الله سبحانه يجب أن يكون وجوده مقارناً لوجود الهواء، ثم خلق الله سبحانه بعد الهواء الماء، ثم خلق الرياح حركت ذلك الماء حتى أزبد، ثم خلق" ، ونحو ذلك مما قصه الله سبحانه في كتابه، وعلى لسان نبيه – صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم -.(1/51)
[ذكر الخلاف في أنواع العالم]
وأما الخلاف في أنواع العالم: فمذهب أئمة العترة - عَلَيْهم السَّلام - فيه بخلاف ما ذهبت إليه الفلاسفة، وهو ما تقدم، وبخلاف ما ذهبوا إليه هم والمعتزلة من القول بالجوهر والخط والسطح، وبخلاف ما ذهبت إليه نفاة الأعراض ومن جوز وجود عرض لا في محل.
وذلك لأنهم - عَلَيْهم السَّلام - لم يتعدوا حد عقولهم، ولم يتكلفوا علم ما لا طريق لهم إلى العلم به، ولا ما قد علموه بالمشاهدة ضرورة أو بطريقة القياس العقلي لما لم يشاهدوا على ما شاهدوا، وذلك لأن جميع ما يشاهد من العالم لا يخلو: من أن يكون محلاً لغيره أو حالاً في غيره؛ فالمحل هو الجسم، والحال هو العرض، والعرض صفة، والجسم موصوف، ومن المعلوم بالمشاهدة استحالة وجود جسم خال من عرض، ووجود عرض لا في محل.
وأما تنوع الأجسام إلى كثيف ولطيف وحيوان وجماد، وتنوع الأعراض إلى ما يعلم بدرك الحواس الخمس، وما يعلم بالدليل؛ فذلك ظاهر لكل من لم يكابر الضروريات بكاذب التوهم أو التجويز الذي هو طريق كل مدلس، وملجأ كل مقلد.(1/52)
[ذكر الخلاف في حدوث العالم]
وأما الخلاف في حدوث العالم: فقد تقدم ذكر قول الفلاسفة بقدم أعيان العالم، وأنه موجود بالقوة فيما لم يزل قبل وجوده بالفعل لأجل ثبوت صورة بزعمهم في النفس الأزلية، وكذلك قول المعتزلة بثبوت ذوات العالم فيما لم يزل لأجل تعلق علم الله بها بزعمهم فيما لم يزل، وأنه لا تأثير له سبحانه إلا في الصفة التي ليست بشيء، ولا لاشيء، ولا هي معلومة له، قالوا فيما لم يزل وهي الوجود.
وأما مذهب أئمة العترة - عَلَيْهم السَّلام -: فهو أن الله سبحانه يعلم أنه لا شيء ثابت ولا موجود فيما لم يزل إلا هو وحده، وأن جميع ذوات العالم وصفاته أشياء، جعلها أشياء بعد أن لم تكن، وأنه لا يجوز وصف بعض العالم بالأزل وبعضه بالحدوث، ولا وصف الذات الواحدة بأنها أزلية ومحدثة أو ثابتة ومعدومة، وأن للعالم أصلاً وفرعاً، وكلاً وبعضاً، وأن بعض فروعه مما لا خلاف في حدثه، وإنّ حدثَ بعضِ الشيء وفرعِه يدلُ على حدث كله وأصله؛ لعدم المخصص، ولأن كل ما له كل وبعض وأصل وفرع فله نهاية، وكلما له نهاية فهو محدث، ولأن جميع أصول العالم وفروعه غير خالية من الأعراض المتضادة التي يستحيل اجتماعها ويدل وجود كل واحد منها بعد عدمه على حدثه، وكل ما لم يخل من المحدث فهو محدث مثله.
[ذكر الخلاف في المؤثر في العالم]
وأما الخلاف في المؤثر في العالم: فقد تقدم أيضاً ذكر قول الفلاسفة بالعلل التي زعموا أنها موجبة لأصل العالم وفروعه.(1/53)
ومنها: ما هو غير معقول وهي العقول والنفوس التي زعموا أنها قبل الزمان والمكان، وأن العاشر منها عقل فعال غير مفعول هو ولا فعله.
ومنها: ما هو أجسام ميتة مسخرة وهي النجوم.
ومنها: ما هو أعراض ضرورية لا تقوم بأنفسها، ولا توجد إلا في غيرها، وهي الطبائع الأربع: الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة.
ومن المتعمقين منهم في الزندقة من زعم أن في كل شيء من الفروع الحادثة نفساً جزئية من النفس الكلية أو أنفساً، تدبره وتنقله من حالة إلى حالة.
وأما مذهب أئمة العترة - عَلَيْهم السَّلام -: فهو أنه لا يجوز إضافة صنع العالم إلا إلى صانع حي قادر عالم مختار كما أن كل صناعة محكمة في الشاهد لا بد لها من صانع حي قادر عالم مختار لصنعها، وغير مشابه لها، وهذا وما أشبهه مما قد تقدم ذكره من جنسه في حكم المقدمة للكلام في الفصل الخامس الذي هو الغرض المقصود إن شاء الله سبحانه.
وأما الفصل الخامس وهو الكلام في الإسلام
فاعلم أن للإسلام معنىً عاماً لدين جميع الأنبياء - عَلَيْهم السَّلام - وهو: كل ما تعبد الله سبحانه [به] جميع المكلفين مما لا يجوز نسخه.(1/54)
ومعنىً خاصاً وهو: دين نبينا - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وَسَلَّم - الذي أظهره الله على الدين كله، ونسخ بشريعته ما شاء أن ينسخه من شرائع من قبله، وهو الذي عناه بقوله: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19]، وقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ(85)} [آل عمران].(1/55)