[من هو الصحابي]
ومذهبنا وهو الحق أخص من ذلك، وذلك أنا نقول: الصحابي من طالت مجالسته للنبي صلى الله عليه وآله متبعاً له، يشهد بذلك المعلوم من عرف اللغة، فمتى كان أهل الرِدَّة من بني حنيفة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ ومتى كانوا محبوبين مقربين عنده صلى الله عليه وآله؟ ومتى كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله مثل همل النعم؟ وقد بلغ المهاجرون [والأنصار]عدداً اكتفى ببعضه في قهر أهل الردة:
فالحق لا يخفى على أحدٍ .... إلا على أحدٍ لا يعرف القمر(1/42)


[كيفية ضبط الأخبار المتلقاة بالقبول]
فإن قيل: إن ضبط الأخبار المتلقاة بالقبول متعذر لانتشار المسلمين في الأقطار.
قلت وبالله التوفيق: إن مشاهير كتب الفرق تُقرّب ما تباعد من ذلك، والوجادة في ذلك كالسماع إذا كان الكتاب في أيدي جماعة يعزونه إلى مؤلفه، لا سيما إذا كثرت النسخ واتفقت.
والحجة على ذلك: أن الله أقر الوجادة في كتابه، وذلك وجادة بلقيس لكتاب سليمان عليه السلام، من غير اعتبار سماع ولا سند، وكذلك كتب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الملوك والقبائل، واعتماد الصحابة على كتاب عمرو بن حزم، والعرف المتضمن للإجماع الأكبر القطعي في الرسائل والمكاتبات، فإنهم لا يشترطون إسنادها، ولا سماع من يبلغها، على أن ذلك إجماع العترة " أيضاً.
فإن قيل: إن الأحكام كثيرة، والأخبار المتصفة بما ذكرت قليلة جداً.(1/43)


قلت وبالله التوفيق: لا ضيق في الحق ولا قلة، فرب كلمة من كلام البشر تُنبي على ألف كلمة، فكيف بكلام الله سبحانه وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم! يا سبحان الله! أفلأجل قلة ما يوثق به قطعاً يُحلّ الأخذ بما لا يوثق به من الأحاديث المقدوح فيها بما تقدم ذكره إلا ظناً في الدماء والفروج! وأموال المسلمين، ومواريث الأرامل والأيتام! وقد قال تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس:36] وقال تعالى:{وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا على الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة:168،169] وقال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً}[الإسراء:36].
وروى أبو طالب عليه السلام في أماليه بإسناده من طريق الناصر عليه السلام إلى أبي قتادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول على المنبر: ((أيها الناس إياكم وكثرة الحديث، من قال عليّ، فلا يقولنّ إلا حقاً وصدقاً، ومن قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار)).
وروى غيره عن عمر، أنه نهى أبا هريرة عن كثرة الحديث والرواية.
وروي عن علي عليه السلام ما يقرب من ذلك: (ألا إنه من ضاق عليه الحق، فلا فسحة له في الباطل ولا كرامة).(1/44)


[حكم العمل بالمظنون عند أهل البيت [ ع]]
فإن قيل: فمن قد قال بمثل مقالتكم هذه من أهل البيت "؟
قلت وبالله التوفيق: على ذلك إطباق القدماء [منهم] " فما حضرني من أقوالهم فَخُذْ، وما لم يحضرني، فابحث تجده مجملاً وشتيتاً.
أما قولهم: بعدم جواز العمل بالمظنون، فقال علي عليه السلام في وصيته لابنه الحسن عليه السلام: (ولا تقل ما لا تعلم وإن قلّ ما تعلم).
وقال عليه السلام في خطبة له في نهج البلاغة: (وإنما سميت الشبهة شبهة؛ لأنها تشبه الحق، فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين، ودليلهم سمت الهدى).(1/45)


وقال عليه السلام في صفة من يتصدى للحكم وليس له بأهل: (إن أبغض الخلائق إلى الله تعالى رجلان؛ رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة، ودعاء ضلالة، فهو فتنة لمن افتتن به في حياته، وبعد وفاته، حمّال خطايا غيره، رهن بخطيئته، ورجل قمش جهلاً مُوْضعٌ في جُهّال الأمة، غادٍ في أغباش الفتنة عَمٍ، بما في عقد الهداية، قد سماه أشباه الناس عالماً، وليس به، بَكّر فاستكثر من جمع ما لو قلَّ منه خير مِمَّا كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، وأكثر من غير طائل، جلس بين الناس قاضياً، ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به إحدى المهمات، هيَّأ لها حشواً رّثاً من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، إن أصاب خاف أن يكون قد أخطأ، وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب، جاهل خبّاط جهالات، غاش ركاب عشوات، لم يعض على العلم بضرس قاطع، يذري الروايات إذراء الريح الهشيم، لامَلِيٌء والله باصدار ما ورد عليه، لا يحسب العلم في شيء مما أنكره، ولا يرى أن من وراء ما بلغ منه مذهباً لغيره، وإن أظلم عليه أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعجّ منه المواريث، إلى الله من معشر يعيشون جهالاً، ويموتون ضلالاً، ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته، -يعني إذا عمل بصرائحه-، ولا أغلى ثمناً من الكتاب إذا حرِّف عن مواضعه، لا عندهم أنكر من المعروف، ولا أعرف من المنكر). رُوي ذلك في نهج البلاغة.(1/46)

9 / 85
ع
En
A+
A-