والتشبيه، وغير ذلك مما صادم قضايا العقول المبتوتة، وآيات الكتاب الصريحة، وقد قال الشعبي، وهو من عيون العدول عندهم: ما أحدقوا بأحد -يعني من رجال الحديث- إلا كلّفوه أن يكذب.
وقال شعبة إمام المحدثين: تسعة أعشار الحديث كذب.
وقال الدارقطني: ما الحديث الصحيح في الحديث إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود.
وروي أن بعض المحدِّثين أمر السلطان بقتله فقال: افعلوا ما شئتم، فقد حللّت عليكم الحرام، وحرّمت عليكم الحلال، ودسست في مذهبكم أربعة آلاف حديث، فقال بعضهم: وهذه مصيبة حدثت بعد الثلاثة القرون، ابتلي بها كثير من الحفاظ، يروون الحديث الموضوع ولا يثبتون وضعه، فيسألهم الله عن ذلك، وأي فائدة لكتب التواريخ؟ إلا كشف الكذّاب وهتكه!(1/37)


[مما يقدح به عليهم]
ومما يقدح به عليهم:
ما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس: ((إن أول الخلائق يكسى يوم القيامة، إبراهيم عليه السلام، وإنه سيُجاء برجال من أمتي، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك...))، الخبر.
وفي حديث ابن مسعود: ((أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن رجال منكم، ثم ليختلّجُنَّ دوني فأقول: يا رب، أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) ومثله في حديث حذيفة.
وفي حديث أنس: ((ليردن عليَّ ناس من أصحابي الحوض، حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني...)) الحديث.
وفي رواية أبي سعيد الخدري: ((فأقول: إنَّهم مني، فيقال: إنَّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً لمن غيّر بعدي)).
وفي رواية أبي هريرة: ((يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجلأون عن الحوض، فأقول: يا رب أصحابي...))الخبر إلى قوله: ((إنَّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى)).
وفي حديث سعيد بن المسيب، كان يحدث عن أصحاب النبي عليه السلام، أن النبي عليه السلام قال: ((يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي، فيجلأون عنه...)) الخبر، أي: يمنعون ويطردون عنه.
وفي رواية أخرى لأبي هريرة قال: ((بينا أنا قائم إذ زُمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجلٌ من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم، ثم ذكر مثل الأول، ثم قال: فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)).(1/38)


وما روى مسلم في صحيحه، في حديث أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((ترد عليّ أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله، تعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء، وليصدّن عني طائفة فلا يصلون، فأقول: يا ربِّ، هؤلاء من أصحابي، فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك))، وفي رواية: ((ألا ليُذادنَّ رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلمَّ، فيقال: إنهم قد بدَّلوا، فأقول: سحقاً سحقاً)).
وفيه عن أبي هريرة أيضاً: ((لأذودنَّ عن حوضي رجالاً، كما تذاد الغريبة من الإبل)).
وفي حديث أنس: ((ليردنّ عليّ الحوض رجال ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم، ورفعوا إليّ اختلجوا دوني، فلأقولنّ: أي ربِّ، أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)).
وفي حديث لأحمد -أي ابن حنبل-: ((رجال ممن صحبني ورآني)).
ولأحمد من حديث أم سلمة من ثلاث أو أربع طرق: ((إنّ من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني)) فبلغ ذلك عمر فأتاها، فقال لها: أنشدك بالله أمنهم أنا؟ قالت: لا، ولن أبرئ أحداً بعدك.
وفيه أيضاً حديث عمار، قال: أخبرني حذيفة عن النبي أنه قال: ((في أصحابي اثنا عشر منافقاً، فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة، حتى يلج الجمل في سمّ الخياط، ثمانية منهم تكفيهم الدُّبيلة))، وفي رواية: ((كان أصحاب العقبة أربعة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ورسوله في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد)).(1/39)


وفي تفسير الثعلبي، رفعه إلى ابن المسيب، عن أبي هريرة: أنه كان يُحدّث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيجلأون عن الحوض فأقول: يا رب، أصحابي [أصحابي] فيقال: إنَّك لا علم لك بما أحدثوا، إنَّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى)).
وفي الجمع بين الصحيحين قال: وأخرجه البخاري، من حديث عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: ((بينا أنا قائم، إذ أقبلت زمرة حتى إذا عرفتهم، خرج رجل [من] بيني وبينهم، فقال: هلم، فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: [ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم، قلت: إلى أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال]: إنهم ارتدوا [على أدبارهم] فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)).(1/40)


ووجه القدح عليهم بذلك أنه لا يخلو إما أن يكونوا صادقين في روايات هذه الأخبار أو كاذبين، إن كانوا صادقين فقد خرجوا أكثر الصحابة الذين رووا عنهم، كما ثبت في رواية البخاري، أنه لا يخلص منهم -أي من الصحابة- إلا مثل همل النعم، وإن كانوا كاذبين، فقد لزمتهم التهمة، فثبت بحمد الله عدم الوثوق برواياتهم، إلا ما وقع مجمعاً عليه، أو موافقاً لكتاب الله سبحانه، ولا يقال: إن المراد بتلك الأخبار أهل الردة، كبني حنيفة؛ لأنا نقول: إن في لفظها: ((ممن صحبني ورآني)) وفي لفظها أيضاً: ((فأقول: يا رب أصيحابي أصيحابي)) بالتصغير، وذلك يفيد التحبيب، والتقريب، فالمراد به بعض من كان يحبه، ويقربه، وفي لفظها أيضاً: ((كان أصحاب العقبة أربعة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر حرب لله ورسوله...))الخبر، وفيها أن أم سلمة لم تبرئ غير عمر، وفي لفظها [أيضاً]: ((فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)) وأهل الردة من بني حنيفة أقل قليل مع أنهم أو أكثرهم لم ير النبي صلى الله عليه وآله البتَّة، والصحابي عند المحدثين، وبعض الفقهاء من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وآله مؤمناً، وإن لم تطل مجالسته.(1/41)

8 / 85
ع
En
A+
A-