اللهم إن هذا جهدي في النصيحة، اللهم فمن عرف الحق فاتبعه، ونهى نفسه عن هواها، وكدها في مرضاتك، وصبر على بلائك، فاشرح صدره، واهد قلبه ووسع عليه، وارزقه رزقاً حسناً، وأحيه حياة طيبة، وارحمه إذا توفيته، وأسكنه جنتك، وقه عذابك، وارزقه شفاعة صفيك[ونجيَّك] ونبيك ورسولك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم.
اللهم ومن عرف الحق فخالفه، واتبع هوى النفس إيثاراً للدنيا الفانية على نعيم الآخرة الباقية، فاطمس على ماله، واشدد على قلبه، فلا يؤمن حتى يرى العذاب الأليم.
اللهم ومن أعان على هدم دينك وظلم أهل بيت نبيك، وسفك الدماء، وتهييج الدهماء، وانتهاب الأرامل والمساكين والمستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً من غير ضرورة ملجية إلا اتباع الهوى، وحباً للدنيا، فأبسلهم بما كسبوا، وسلِّط عليهم من لا يرحمهم، وأذقهم لباس الجوع والخوف، وابتلهم بالشدائد والزلازل، وامحق دنياهم، وعجّل آجالهم بالموت الأحمر والجوع الأغبر، ولا تؤمنهم يوم الفزع الأكبر.
اللهم، واجعل هذه النصيحة خالصة لوجهك الكريم، واكتبها لي حسنة لديك، وحط يا إلهي وزري، وبارك لي في أمري، ووفقني لما يرضيك واعصمني عن معاصيك، واختم لي ولوالديَّ وللمؤمنين بخير يا أرحم الراحمين، والحمد الله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.(1/382)


الوصية السنية الدرية الزكية

بسم الله الرحمن الرحيم
هذه الوصية السنية الدريّة الزكية، وصية مولانا أمير المؤمنين وسيد المسلمين، وخليفة رب العالمين، المنصور بالله رب العالمين القاسم بن محمد بن علي عليه السلام، أوصى بها ولده السيد البدر العالم العلم الطود الأشم، كشاف الغمم، صاحب السيادة والزهادة: محمد بن القاسم بن محمد ".
بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد، فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته، ثم إني أوصيك أن لا تترك درس القرآن يوماً واحداً ولو في كل يوم جزءين أو جزءاً واحداً، لا تترك ذلك أبداً، وعليك بصلاة الجماعة فإنها من الواجبات، ولا يغرنّك قول من قال: إنها سنة، وعليك بملازمة العلم وطلبه فإنه من أكبر الفرائض، واستعن على ذلك بتقوى الله سبحانه؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}[الأنفال:29] والفرقان هو: العلم والفطنة وتنوير القلب الذي يفرق به بين الحق والباطل، وتقوى الله هي: أن تترك كل حرام وكل مشتبه بالحرام كأكل الشظا لأجل الخلاف، وأن تقوم بكل ما أوجب الله عليك.
ومما تستعين به على تحصيل العلم: ترك حب الدنيا والاشتغال بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من اشتدت رغبته في الدنيا أعمى الله قلبه على قدر رغبته فيها)).
وعليك بالإكثار من الحسنات؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون}[النحل:128] وعليك بالتواضع للمؤمنين، وترك التكبر عليهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبرّ(1/383)


وضعه الله)).
وعليك بترك الإعجاب بنفسك، وذلك أن تعتقد أنك أفضل من غيرك من المؤمنين، فإن ذلك من الكبائر الموبقات المحبطات للأعمال؛ لأن إبليس -لعنه الله- كان قد عبد الله ستة آلاف سنة أو خمسة آلاف سنة -شككت أنا في ذلك- فاعتقد أنه أفضل من آدم عليه السلام، فجعل الله عليه لعنته إلى يوم الدين.
وروى الإمام أحمد بن سليمان عليه السلامفي كتاب (حقائق المعرفة): أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صفة المحبين للرحمن، فأمر علياً عليه السلامأن يخبره، فقال له علي عليه السلام: (يا ذا خذ عني صفة المحبين للرحمن: عبد استصغر بذله في الله واستعظم ذنبه، ووطن نفسه أنه ليس في السماوات والأرض مؤاخذ غيره حينئذٍ-يعني اعتقد أنه لا يؤاخذ أحد من المؤمنين من أهل السماوات والأرض- قال: فصعق الأعرابي حينئذ- يعني ذهب عقله- حتى وقع على الأرض كالميت، فلمّا أفاق يعني رجع له عقله، قال: أخبرنا يا ابن أبي طالب هل تكون في حالة أعلى من هذا العبد؟
قال: نعم، سبعين درجة حينئذٍ يعني أنه خائف أنه ليس مؤاخذ في السماوات والأرض غيره خوفاً زائداً على خوف العبد الذي وصفه سبعين درجة.
واعلم يابني أن ذلك صحيح؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُون}[الأعراف:99].
ولا تظن بأحدٍ من المؤمنين سوءاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً}[النور:12] ويقول: { إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم}.
وعليك(1/384)


بترك المرآء، وهو: كثرة المراجعة، فلا تفعل شيئاً من ذلك، لكن إذا عرضت مراجعة وقد عرفت الحق إن قبل وإلا سكت؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((أنا زعيم لمن ترك المرآء ببيت في ربض الجنة، وإن كان محقاً)) .
وعن علي عليه السلامأنه قال: (ومن كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق).
وقال عليه السلام: (فمن جعل المرآء ديناً لم يصبح ليله والدين العادة)، ومعنى أنه لم يصبح ليله: أنه يبقى في الظلمات لا يهتدي إلى الحق.
وقال عليه السلامفي وصيته لابنه الحسن: (فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا، وليكن طلبك بتفهم وتعلّم، لابتورط الشبهات، وعلم الخصومات...) في كلام طويل إلى أن قال فيه: (وليس كل طالب للدين من خبط أو خلط، والإمساك عن ذلك أمثل).
وقال بعض الشعراء في ذلك:
إياك إياك المرآء فإنه إلى الشر دعّاء وللشر جالب(1/385)


وعليك بتعظيم شيخك في العلم؛ لقوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُون}[الزمر:9]...الآية، وقوله تعالى: {يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:11]، فمن جمع بين الإيمان والعلم أفضل من الذي لم يكن منه الإيمان فقط، وهو التعلم.
واعلم يابني أني لم آمرك بالعلم إلا أنه من أعظم الطاعات لحاجتنا إليه؛ ولأنه لا ينجو إلا العلماء العاملون؛ لأنه لا ينجو من عذاب الله إلا من خشي الله بدليل قوله تعالى: {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُون}[الأعراف:99] وقال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}[ق:31-33] وقد أخبر الله سبحانه أنه لا يخشاه إلاّ العلماء حيث قال: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28] والعابد يوشك أن يقدح الشك في قلبه، فإذا هو في وادي الهلكات.
وروى زيد بن علي عليه السلام عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم، وأنه يستغفر لطالب العلم من في السماوات[ومن في] والأرض حتى حيتان البحر، وهوام البر، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب)).
[ومما أوصى به أولاده عليه السلام: يا بني اتقوا الله يكرمكم،(1/386)

77 / 85
ع
En
A+
A-